نشر الكاتب حازم صاغية، وهو كاتب مخضرم في الصحافة،&في موقع درج اللبناني، الممول من الاتحاد الأوربي والمجهول الملكية والمغفل&هيئة التحرير!ّ&بتاريخ الثامن من الشهر الحالي مقالا بعنوان "أساتذتنا السوريون"،&تناول فيه مناخ التحريض اللبناني ضد وجود اللاجئين السوريين في لبنان. وفي إطار محاورته لجمهور لبناني مفترض، يريد أن يخفف من غلواء عنصريته ضد اللاجئين السوريين،&ذكّر الكاتب بأفضال بعض الكتاب السوريين على الحياة الثقافية في بيروت&في الخمسينات و’الستينات’&معتبراً&ما قدموه ديوناً "من العيب أن تُنسى".&

والحقيقة لستُ مهتماً بمناخ التحريض اللبناني ضد السوريين&سواء كانوا لاجئين أو رجال أعمال، فهذا المناخ&يلوك نفسه منذ أن وجدت دولة لبنان، ويستخدم الحوادث والمفردات&]وشرح المفردات[&نفسها، مع بعض التحوير، بشكل سمج وممل خال من الابتكار والتجديد ويبعث على التثاؤب.&كذلك لستُ مهتما&بالمهدئين من روع هذا التحريض عبر&سرديات&مكررة.&

لكن من المفيد الإشارة إلى أن&الجبهة المحرضة والجبهة المهدئة غير&مستقرتين&في لبنان، فقد تجد محرض الأمس&تحول&]دون أن يرف له جفن[إلى&داعية&تآخي وحقوق إنسان!&مذكرا بالمعايير الدولية&بهذا الخصوص&ووجوب التزامها طوعاً أو قانوناً،&و مكررا؛ بشكل&متطابق مع دعاوى النظام الأسدي السوري،&الأسطوانة المشروخة عن&تاريخنا وجذورنا&وهجرتنا المشتركة..&بينما يتحول -أحياناً فجأة- دعاة التعايش السوري-اللبناني&الشعبي&]أو الرسمي،&المسقط من اعتبارات هذه المادة&[إلى صقور تحريضيين&يريدون فرض رسوم على الهواء الذي يتنفسه السوريون في لبنان ويفضلون خنقهم لو كان ذلك ممكناً. تحدث هذه المبادلات&وفق شبكة معقدة لمصالح الأطراف السياسية اللبنانية التي تسير خلفها جموع من الناخبين، فلبنان&بالنهاية&بلد فيه صناديق اقتراع وديموقراطية طائفية&مستمرة.&

إذاً، لستُ مهتما بهذا السجال جملة أو مفرقاً، لكن الكاتب أورد معلومة&خاطئة&عن بيروت تخصنا نحن السوريين! إذ ذكر الكاتب&أربعة من الأسماء الثقافية السورية الذين تركوا "بصمات واضحة&على أجيال من مثقّفي لبنان"، هم بالترتيب نفسه&ياسين الحافظ وصادق جلال العظم والياس مرقص&وجورج طرابيشي معتبراً إياهم "الأساتذة الكبار" ورغم تحفظي الجزئي على وجود ياسين الحافظ بينهم، إلا أن هؤلاء أثروا الثقافة العربية برمتها وليس فقط أجيال من مثقفي لبنان. لكن الكاتب وفي مسعى منه لتذكير جمهوره اللبناني بالديون السورية المتراكمة، ذكر مجموعة أخرى من أسماء الكتاب&السوريين الذين أقاموا في بيروت&و"لعبوا دوراً بارزاً جدّاً في تحويل بيروت الثقافيّة إلى ما صارته بين الخمسينات&و’السبعينات’، النجمة الأكبر على خريطة الثقافة العربيّة." بين هذه الأسماء&التي لا نريد مناقشة أهميتها أو دورها،&يذكر اسم "زميلي" المسرحي سعدالله ونوس.

لا أدري كيف استرسل كاتب مخضرم مثل حازم صاغية في سرد الأسماء حتى وصل&لونوس! فالرجل&حصل عام 1959على الثانوية العامة من طرطوس، وهذا يسمى نهاية الخمسينيات لمن لا يجيدون الحساب، وكان في أوقات فراغه&كتلميذ&ذلك الحين&يتسلى بفصفصة البزر على البحر ويقرأ "دمعة وابتسامة" الذي&كان&أول كتابٍ اشتراه! ولم يذكر أحد من كاتبي سيرة ونوس&الكثر&أنه كان من أهل الخطوة والكرامات ليتواجد في مكانين متباعدين في وقت واحد.&حصل بعدها على منحة من الحكومة السورية لدراسة الصحافة في القاهرة وعاد لدمشق بعد إكمال دراسته ليصبح&موظفا في وزارة الثقافة تحت حكم&انقلاب&عام&1963&المنسوب للبعث،&مؤمنا وملتزما بقضاياه وأفكاره، وصار&يكتب مدوناته الفكرية في جريدة البعث الناطقة باسم حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تم الانقلاب&باسمه وصار&مسؤولا&عن قسمها الثقافي.&حصل&أيضا&على منحة&إلى فرنسا&من النظام الإنقلابي الطازج في عام&1966&ليراسل&من عاصمة الأنوار&جريدة البعثومجلة الوزارة&التي يعمل فيها&ومطبوعات أخرى، ثم عاد لدمشق ليساهم في تأسيس اتحاد الكتاب العرب&عام 1969،&المنظمة&التي شكلها الإنقلابيون لتأطير جهود الكتاب البعثيين في الذود عن مقدسات الأمة&ومحو أثار الهزيمة التي آلمت ونوس&أيضا.&بل حتى حين جاء سعدالله ونوس إلى بيروت في منتصف السبعينات،&جاء&موظفا في جريدة طلال سلمان المرحومة غير مأسوف عليها! والموالية للنظام البعثي السوري المتحول أسديّأً.&وكان الرجل نذير شؤمٍ على المدينة،&إذ ما أن فك حقائبه&حتى اندلعت الحرب اللبنانية&بعد فترة قصيرة من وجوده&ليعود أدراجه، ويتسلم رئاسة تحرير مجلة الأطفال الحكومية "أسامة" التي كان دورها صناعة غد مشرق لأطفال سوريا البعثية! ها نحن نحصد ثماره الآن.

الفحوى من هذا السردية، ليس فقط القول أن ونوس لم يقم في بيروت لا في الخمسينات ولا في الستينات، ومر عابرا في السبعينات،&ولم يكن يوما جزءا من "مجدها الثقافي!"،&بل القول أنه كان جزءا من المناخ السياسي-الثقافي&الذي طرد كل الذين ذكرهم الكاتب إلى بيروت، وآلت إليهم "الوظيفة التي أدّاها المثّقفون الألمان الذين فرّوا من النازيّة".&

من المؤكد أن الكاتب يعرف أكثر من هذا إذا لم تتدخل اعتبارات خارج الكتابة. فلستُ أنا من يصحح لصاغية في شأن يخص بيروت بالطبع.&لكن بالتأكيد ومع أخذ حسن النوايا فإضافة ونوس لمن لم يستسلموا&-حتى لا نقول قاوموا-&للنظام البعثي&المتحول أسديّا&هو تزوير للذاكرة الثقافية السورية درج عليه&اليساريون&المتحولون جميعا&الآن&إلى أتباع وموالي لعائلة الأسد،&لا يجدر بصاغية&الوقوع&به، أو الوقوع&في حفرة شهرة ونوس&أو -صداقته-&دون تمحيص مكانه ومكانته&في الفترة التي يتحدث عنها.&

&

ملاحظة:&

كنت قد كتبت منشورا بالعامية على صفحتي في موقع الفيسبوك بهذه المعلومات بصياغة ساخرة موجها كلامي لفاعلي الخير لنقله للكاتب حازم صاغية طالبا منه تصحيح الخطأ&في مقاله&كأستاذ في الصحافة&دونمحاولة إيجاد تبريرات.&

لكن&ما حدث أن&فاعل الخير الذي نقل المنشور لصفحة&منسوبة للكاتب&تم حظر&حسابه! بينما قام موقع درج المجهول النسب&بتبديل كلمة واحدة في المقال هي "الستينات"&إلى "السبعينات" كما هي واردة بالاقتباس&أعلاه،لتصبح المعلومة التي أوردها صاغية غير خاطئة&شكلاً!&رغم بقاء خطأها مضموناً، وذلك لا يغير من فحوى هذا التعقيب، ذلك&لإقامة ونوس&فترة قصيرة جدا&في بيروت&السبعينات. لكن هذا التبديل -إن&لم يثبت&نفيه&تقنيا- ينقل الأمر من مسألة سهو&أو&خطئ&لا يجدر&بكاتب مخضرم الوقوع به، إلى محاولة متعمدة لتزوير تاريخنا الثقافي السوري بنسبة ونوس&إلى نموذج مقاومي النازية&وذلك لاعتبارات شخصية تخص الكاتب والقائمين على الموقع، بينما كان في الحقيقة أحد موظفي البعث.