بعد جهد متواصل لأكثر من ستة أشهر منعزلا بغرفتي ، أتممت ترجمة كتاب ( لقاء العمر ) وهو الكتاب الذي يروي الرئيس جلال طالباني من خلاله مذكراته الشخصية والتي تحتوي على محطات سياسية وتاريخية عظيمة واكبت مسيرته النضالية ، ورافقتها أحداث تاريخية مهمة بالنسبة للمنطقة وتحديدا القضية الكردية التي أشغلت الرأي العام العالمي لعقود طويلة من الزمن . وكان هدفي من خلال ترجمة هذا الكتاب القيم ووضعه بمتناول يد القراء العرب أن يطلع أشقائنا وأصدقائنا العرب على جوانب مثيرة وخفية عن هذه الشخصية القيادية الحكيمة التي ساهمت بدور بارز في توجيه مسار القضية الكردية نحو الطريق الأصوب من خلال أداء دبلوماسي وسياسي فذ يجب علينا أن نفيه حقه من التمجيد والتقدير ، خاصة وأن المحطات التي مر بها هذا القائد الكبير كانت مليئىة بمطبات وعراقيل وواجهته الكثير من الصعاب وهو يقود المسيرة الظافرة نحو تحقيق الحقوق المشروعة لشعبه الكردي .

بعد إتمام الترجمة وتحضير الكتاب للطبع حاولت أن أضمن له الإنتشار الأوسع في العالم العربي ، ولذلك إخترت لبنان كمحطة إنطلاق للكتاب لما تتميز به بيروت من وجود دور نشر معتبرة ومطابع متقدمة فيها ، ولذلك حزمت حقائبي وحجزت تذاكر الطائرة من بغداد الى بيروت ذهابا وايابا حاملا معي مسودة الكتاب لإيصالها الى أحد الأصدقاء اللبنانيين بهدف البحث عن مطبعة متميزة للبدء بطبعه.

بعد مكوثي ليلة في بغداد تحضيرا للسفر الى بيروت إستعجلني صديقي سائق السيارة في الصباح للنهوض لكي نلحق مطار بغداد ، وأثناء ذلك وبسبب الإستعجال وعدم التركيز الجيد، نسيت حافظة نقودي في جرار الغرفة ببغداد . وتوجهت بمعية الصديق الى مطار بغداد وبعد ساعتين من الإنتظار طلب منا الصعود الى الطائرة المتوجهة الى بيروت . وبينما كانت الطائرة بطريقها للإقلاع مددت يدي الى جيبي فإفتقدت محفظتي. صعقت وأنا داخل الطائرة بغياب المحفظة وعدم امتلاكي لدينار أو دولار وأنا ذاهب في سفر الى بلاد أخرى ، ولم يكن أمامي في هذا الموقف المحرج أي سبيل أو مخرج من هذه المشكلة والطائرة بدأت بالإقلاع فعلا . ففوضت أمري الى الله ، خاصة وأنه كان هناك صديق ينتظرني في المطار فأقنعت نفسي بأنني سوف أنجو من هذه الكارثة . وبما أنني لم أسافر قبلا الى لبنان ولا أعرف إجراءات التأشيرة التي يزود بها المسافر ، فوجئت وأنا واقف بطابور الداخلين أنه يجب أن أدفع خمسة وثلاثون دولارا كرسم الطابع لدخول البلد ، وأنا لا أملك دولارا واحدا. خابرت على صديقي الذي ينتظرني خارج المطار لكي ينجدني، فقال بـأنهم لا يسمحون لأي كان أن يدخل المطار وأنه سوف ينتظرني خارج المطار وسيحل المشكلة ، وطلب مني أن اقترض من أحد المسافرين معي مبلغ الرسوم وسوف يرجعه له خارج المطار. فأضطررت أن أقترض من أحد الشباب الكرد مبلغ الرسم وإنتهيت من هذه المشكلة . ثم توجهت الى ضابط الجوازات لختم الجواز والسماح لي بالخروج من المطار. وسألتني الضابطة الشابة فيما إذا كنت حاجزا لغرفة بالفندق فأجبتها بالإيجاب ولكنها طلبت مني إبراز ألفي دولار كشرط لدخول البلد. فقلت لها أنني نسيت محفظتي ببغداد وجئت وليس معي دولار واحد. فرفضت ختم الجواز وأصرت على موقفها رغم مناشدتي لها بأن هذا أول سفر لي وأن هناك صديق ينتظرني خارج المطار ، وطلبت منها أن تحجز جوازي حتى أصل الى الصديق وآخذ منه المبلغ المطلوب، لكنها رفضت بإصرار وقالت بأن هذه هي التعليمات ولا تستطيع أن تخالفها. ونحن نتجادل بهذا الشأن لمحنا ضابط جوازات قريب منا وهو شاب وسيم جاء الينا وسألني " ما هي مشكلتي"؟. فقلت له" هذه أول سفرة لي الى لبنان ، وللأسف نسيت حافظة نقودي ببغداد والأخت هنا لاتريد أن تختم جوازي لأني لا أملك ألفي دولار . فقال" طبعا هذا حقها لأن التعليمات لاتسمح بدخول أي شخص من دون أن يملك المصاريف للبقاء في البلد" ثم بادرني بسؤال" ما هو عملك" ؟. فقلت له " أنا كاتب صحفي". قال" وماذا جئت تفعل في لبنان ". قلت " معي كتاب جئت به لأطبعه هنا في بيروت ". سألني" وما هذا الكتاب "؟. قلت" هو مذكرات مام جلال ". سألني" هل تقصد فخامة الرئيس جلال طلباني". قلت " نعم هو ذاك". قال" هات جوازك " فسلمته جوازي وإذا به يأخذه الى مقصورته ويختمه ، ثم أدى لي التحية العسكرية وكأنني قائد عسكري برتبة جنرال وقال " تفضل جوازك وأهلا ومرحبا بك أنت والرئيس طلباني شرفتونا في لبنان ".

لم أتمالك نفسي وكادت الدموع تنسكب من عيني وأنا أشعر بالزهو والإفتخار وأنا بهذا الموقف ، فرددت مع نفسي " لله درك يا مام جلال حتى بعد رحيلك إسمك ينجدنا ويخصلنا من المشاكل ". الآن فهمت كم هو عظيم هذا الرجل ، وعرفت أيضا كم أنا فخور بأنني جندي ضمن مسيرة هذا القائد الكبير الذي يحظى بكل هذا القدر من الإجلال والإحترام بين شعوب العالم .. فمجدا لك يا مام جلال وأنت ترقد بمثواك المنير. أنحني لك إجلال وأكبارا يا من رفعت رأسنا ورسمت لنا طريق النضال الصحيح ، نم قرير العين أيها الخالد، فيكفي كردستان فخرا أنك مررت فوق ترابها يا قاهر الموت ويا جلال الكرد .