مرة بعد أخرى، يخفق النظام العالمي ممثلاً في المنظمات الأممية في إيجاد حلول للأزمات والحرائق في المنطقة الأكثر سخونة في العالم الآن، وهي سوريا، حيث عجز مجلس الأمن الدولي لوقت طويل عن بناء موقف جاد وملزم للتعامل مع معاناة المدنيين في الغوطة الشرقية وتركهم تحت قصف جوي وصاروخي بشع للنظام من دون أي مقدرة على التصدي لهذه الوحشية.

القوى الدولية اكتفت من جانبها بتبادل الاتهامات بالمسؤولية عن المجازر التي يرتكبها نظام الأسد، فيما جدد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا والاتحاد الأوروبي، دعوتهما لوقف عاجل لإطلاق النار في الغوطة المحاصرة.

بدا مجلس الأمن في مواجهة المجازر عاجزاً ومشتتاً ومنقسماً على نفسه، واكتفى الجميع بالتعبير عن مواقفهم بمفردات ومصطلحات تتباين في شدتها وحدتها، ولكنها لم تخرج في مجملها عن المواقف الكلامية التي لا يمكن أن تخفف من وقع المأساة الانسانية التي تشهدها هذه المنطقة، حتى أن الاتحاد الأوروبي قد عبر عن عجزه عن إيجاد كلمات لوصف ما يحدث في الغوطة الشرقية!

لاشك أن تكرار هذه المآسي والمجازر إنما يذكر بفشل النظام الدولي في امتلاك آليات فاعلة لتطبيق المبادئ والقوانين والالتزامات والمواثيق التي يقرها أعضاء الأمم المتحدة، فالجدل الدولي الذي رافق حالات عدة من التدخل العسكري الدولي لأغراض إنسانية قد حد من هذا التدخل الذي بات يخضع لأغراض مصالحية للقوى الدولية، فضلاً عن أن صمت الأمم المتحدة وعجزها عن التصدي للقوى الإقليمية والدولية التي تنتهك القوانين الدولية قد أفرز حالة من السيولة والفوضى في النظام الدولي، وشجع بعض الدول والأنظمة على ارتكاب مزيد من الانتهاكات!

لو أن الأمم المتحدة قد تصدت للنفوذ الإيراني التوسعي في مراحله الأولى على سبيل المثال لما انزلق الصراع في الملف السوري إلى هذه الحالة الحادة من التنافس والصراع بين القوى الإقليمية والدولية. ولو أن الأمم المتحدة تصدت للتدخل التركي في عفرين السورية لما انزلق المشهد السوري إلى مزيد من الفوضى والعنف والقتل.

التقارير الإعلامية تقول إن روسيا تعمدت تأجيل إصدار قرار مجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية من أجل توفير فرصة إضافية لقوات الأسد وحلفائه للقضاء على تحصينات المعارضة قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي، بينما اكتفى الرئيس الأمريكي بالقول إن ما يحدث في الغوطة الشرقية يمثل "عار على الإنسانية"، وهكذا يجد العالم نفسه في مواجهة إشكاليات أخلاقية تنسف أي حديث عن القيم الإنسانية وغير ذلك.

المؤسف أن المشهد المعقد في سوريا يزداد تعقيداً وتأزماً وليس هناك شواهد أو بارقة أمل واحدة توحي بأن الغد القريب قد يحمل الأمل في تحقق السلام في هذا البلد العربي العريق، فإيران لا تنوي الخروج من سوريا، ويؤكد مسؤولوها ذلك علناً، والولايات المتحدة كذلك لا تعتزم الانسحاب من سوريا، وتركيا تتوغل كل يوم في الأراضي السورية، وروسيا باقية باعتبارها صاحبة الإنجاز الخاص بالقضاء على الإرهاب هناك، أما الرهان على المفاوضات بين النظام والمعارضة فيبدو نوع من هدر الوقت في ظل تضارب المصالح وتحول فصائل المعارضة إلى وكلاء لأصحاب المصالح على الأرض في سوريا!

الغوطة الشرقية قد لا تكون الأخيرة في مشاهد الذبح والمجازر في سوريا، فالحصون الأخيرة للارهاب، لن تنهار بسهولة، ولا أحد يفكر في مصير الميليشيات وهذا الكم الهائل من القوات والخبراء والمستشارين الذي يجعل من الأراضي السورية المكان الأخطر في سطح الأرض في المرحلة الراهنة، لدرجة أن بعض المراقبين يتوقعون نشوب الحرب العالمية الثالثة من باطن الصراع السوري!!