لقد فرضت عليّ القضية الفلسطينية بعد موقف الرئيس الأمريكي ان أكرسلها مقالاً جديداً بعد سلسلة طويلة من مقالات ودراسات سابقة . وأقول لبادئ ذي بدء ، انني من جيل تربى على سماع خطب وأغان عن فلسطين(فلسطين الشهيدة راح تتقسم والله حرام) ولم أكن أتعمق في الأمور بل يجرفني الحماس مع الشارع والقيادات العربية والفلسطينية. وفي عام 1937 حدثت ضجة، احتجاجات على مشروع الكتاب الأبيض البريطاني ، حين كانت بريطانيا دولة الانتداب على فلسطين. سرت مع الرافضين دون ان اعرف محتوى وأبعاد ومدلول ما ورد في المشروع البريطاني المقترح. وحين انضممت الى الحركة الشيوعية كان شعارنا (دولة ديمقراطية واحدة للعرب واليهود) كما كنا نهتف (نحن أعداء الصهيونية وأصدقاء اليهود) وحين جاءت لجنة التحقيق الدولية للعراق بعيد الحرب الثانية شاركت في مظاهرة احتجاج شيوعية ، طاردتها الشرطة فاعتصمنا في كلية الهندسة، وبعد ساعات قفزنا على الجدران وذهبت الى سوق الأقمشة والسجاجيد لمقابلة القائد الشهيد زكي بسيم الذي أراد الاطلاع على ما جرى. وفوجئ الحزب الشيوعي بقرار التقسيم، وبعد فترة قصيرة أصدرت الأحزاب الشيوعية العربية بيانا مشتركاً يؤيد التقسيم كحل لابد منه. وحين قامت الدول العربية بالحرب على إسرائيل أيدناها، وهي الحرب التي فشلت وكان الثمن خسران الفلسطينيين لمساحات شاسعة من الأراضي التي خصصت لهم في قرار التقسيم. وفي بداية الخمسينيات قامت الحكومة العراقية بإجراءات تشجع يهود العراق وتدعوهم للهجرة الى إسرائيل ، مستغلة عمليات إرهاب صهيونية لنفس الغرض. وكانت الهجرة اكبر خدمة لإسرائيل. وفي السنوات الأخيرة من عملي السياسي عدت الى رفع شعار الدولة الواحدة رغم انه كان غير واقعي. وقضيت السنوات الأولى من مساهماتي في منظمة اليونسكو مكرساً نشاطي للقضية الفلسطينية، وكان لي شرف المبادرة لدعوة عرب اليونسكو للعمل من اجل ان تقبل اليونسكو منظمة التحرير مراقبا فيها. فكان لنا ما أردنا عام 1974. وفي ندوة صحفية لمجلة شؤون عربية في اليونسكو صرح مراقب فلسطين عهد ذاك، الراحل عمر مصالحة، بان عزيز الحاج هو من جمع عرب اليونسكو حول القضية الفلسطينية ، كنت شديد الحماس ، وخرجت من منظمة اليونسكو لأتلقى أخبار اتفاق أوسلو فكتبت مقالاً يؤيد الاتفاق رغم انه كان اتفاقا جزئيا ومرحليا، وكان تأييدي متفقاً مع موقف الشاعر الراحل محمود درويش، الذي قال عن الاتفاق (لا يرضيني ولكنني لا ارفضه) كان موقف القيادة الفلسطينية هنا مرناً وواقعيا حيث استعادت غزة والضفة، وكان بالإمكان ان تصبحا أساسا وقاعدة قويين للدولة الفلسطينية المنشودة لولا انقلاب حماس على الشرعية ، ومحاربتها لفتح، وتحولها نحو النظام السوري.... كان الموقف الفلسطيني كما قلت مرناً هنا ، خلافاً لموقف قيادة مفتي فلسطين عام 1937 حين عارض المشروع البريطاني الذي كان يقضي بقيام دولة فلسطينية عربية مستقلة على ان يكون ربع السكان يهوداً... كان الرفض فلسطينيا وعربيا فخسر الشعب الفلسطيني أهم وأثمنفرصة سنحت له لقيام دولته المستقلة منذ ذلك الوقت . وبدلا من القبول انخدع الفلسطينيون والعرب بالدعايات النازية المغلوطة باسم فلسطين ، فسارت العواطف مع المحور الفاشي نكاية ببريطانيا.... وخسر الفلسطينيون فرصة هامة أخرى عام 2000 حين عرض بيل كلينتون على الراحل ياسر عرفات مشروعا لاسترداد 90% من الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون وترك البقية لمفاوضات تاليه وتنازلات متبادلة في الأرض وراح الفلسطينيون نحو انتفاضة مسلحة لم تدم، واخذوا يمزقون صور كلينتون ويدوسون عليها بالأقدام. وقد توجه فيما بعد مستشار سابق لعرفات بخطاب إليه ينتقد فيه الرفض وقال أنهم صاروا يندمون على ذلك. وقد استشهد المفكر الفقيد العفيف الأخضر بذلك الخطاب في مقال لنا بجريدة الحياة عام 2000 تحت عنوان (أنها لثورة حتى الهزيمة). ومع ذلك ، بدأت المفاوضات من جديد بعد الولاية الثانية لجورج بوش، ودعوته لحل الدولتين، وتأكيده في الجمعية العامة بان قيام دولة فلسطينية هو لصالح إسرائيل أيضا. وفي انابوليس توصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي الى اتفاق مبدئي حول كل القضايا مع ترك موضوع المستوطنات الى مفاوضات مستقبلية وغير معلن عنها ، وقد توصلوا الى خارطة طريق مشتركة. ثم جاء اوباما بخطبه المنمقة التي خدعت العرب فتصوروا انه سيقدم على طبق من ذهب دولة فلسطينية ناجزة. ومع اوباما وضع الجانب الفلسطيني ولأول مرة شرط وقف المستوطنات أولا للشروع بالمفاوضات من حيث اتفقوا في انابوليس.

ونعرف كل التطورات اللاحقة والمؤلمة حيث تراجعت القضية الى وراء، ووراء، رغم الاعتراف الدولي بحل الدولتين . وهو اعتراف أكده الموقف الدولي الرافض لقرار ترامب. ان قرار ترامب المقامر والأحمق، قد ادخل القضية في مأزق كبير وخطير ، بل هناك خطر حتى على الضفة الغربية نفسها من لوبي الاستيطان وانفلات اليمين الإسرائيلي المتطرف.هناك من يدعون الى الكفاح المسلح ، وهناك من يرون الحل في اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، مع انه لن يسترجع أرضا. أما خيار حرب عربية فمن باب الخيال المحض. كما لا بد من القول بأن كل الاحتمالات عن الموقف الأمريكي واردة ، سواء في تقلبات ترامب نفسه او في الدور الأمريكي بعد ترامب... 

الموقف معقد جداً والحالة مؤلمة ، فلنترقب، ونحن نقول ، عساها تنفرج من حيث لانتوقع..........