تُدرك دولة الامارات العربية المتحدة انها مستهدفة بشكل اساسي وبكل قوة من صانعي الارهاب ، وعلى الارجح ادراكها لهذه الحقيقة كان واضحا ببداية أتخاذ دول الامارات سَن قوانين خاصة لمحاربة التطرف ، فقد اصدر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله قانون (1) عام 2004 بشأن مكافحة الجرائم الارهابية ، والقانون الاتحادي الذي صدر فيما بعد من رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آلنهيان رقم (39) عام 2006 فيما يخص التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية، وقانون رقم(7) لعام 2013 الخاص بإنشاء مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف ، وهي بمثابة أول مؤسسة بحثية وتطبيقية مستقلة لمكافحة التطرف العنيف بجميع أشكاله ومظاهره ، ودعمها المتواصل في بناء مراكز وابحاث ودراسات قيمة للتصدي للفكر المتطرف ، كل هذه الوقائع وغيرها جعلها في قائمة صانعي الارهاب لمحاربتها ، لانهم مدركين تماما ان القضاء عليهم يأتي من خلال التوعية الثقافية والاهتمام بجيل المستقبل وتوعيته وفق اسس سليمة وارثاء ثقافة العيش المشترك والمحبة والسلام .

إن توسع الصراع في الشرق الاوسط منذ اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي اواخر عام 2010 وبداية 2011 ، بيّن تماما ان الشعوب أصبحت سلاحا بيد اصحاب القرار العالمي ، فبانتهاء الحروب العسكرية المباشرة في منطقة الشرق الاوسط التي سميت بحروب الخليج ،( 1980 –1988 بين ايران والعراق ، أغسطس 1990 – فبراير 1991 احتلال العراق للكويت ) ، أدركت دول الشرق الاوسط عامة والخليج خاصة انها البداية لتفتيت الشرق واستباحة الارض وغزو عقول البشرية وانمائها بالإرهاب والتطرف من قِبل الدول ذات المطامع والغزوات ، وبدأ الجميع يستقوي بدول غربية وبناء تحالفات مع القوى العظمى في سبيل ضمان بقاء بلادهم بعيدة عن اية خطط مستقبلية تهدف لزعزعة استقرارها ، لكن الدولة التي كانت أكثر نضجاً وتعمقاً بالبحث عن حلول جذرية لا مؤقتة كانت دولة الأمارات العربية المتحدة ، التي انتهجت سياسة امتداد جسور المحبة والثقافة بين الحاكم والشعب ، واسست كيانا متينا من الداخل للتصدي لأي ارهاب خارجي ، وفتحت ابواب ثقافتها الناضجة امام الملأ ونجحت بجدارة في استقطاب اصحاب العقول المُفكرة والمُنتجة حتى باتت عاصمتها أبو ظبي منبراً للحضارات القديمة والحديثة ، وهو ما ادى الى استخدام بعض الدول ادوات خاصة لهد مشروع الحضارة الاماراتية بغية استمرار الارهاب وتوسعه من دولة الى اخرى ، كما حصل في العراق بعد حرب 2003 وامتد الى سوريا ولبنان ومصر واليمن ، حيث ان المنظمات الاسلامية المتشددة والمتطرفة الارهابية اوجدت لنفسها من خلال المال السياسي من قطر وتركيا وايران اراضي واسعه في تلك الدول لبسط نفوذها ، وكان السلاح اداة اجبارها على الشعوب لتقديم الطاعة لهم ، لكن السلاح الاقوى كان الجهل الذي اغر بالكثيرين لاحتضان الارهابيين داخل مناطقهم وانضمامهم اليهم ، وهو ما يبين ان دولة الامارات العربية المتحدة تحارب في جميع هذه الدول ضد الارهاب ، فنشر الوعي والحكمة والعدل والمساواة والثقافة التي تنتهجها يجتاز جميع الحدود ليصل الى العقول الجاهلة التي اصبحت سلعة لتجار الحروب ، وهي خطوات في غاية الأهمية لبداية تفكك المؤسسات الارهابية من الداخل دون ان يقترب منها احد .

القوى العظمى وعبر مرور الزمن أسّست قاعدة متينة في الشرق تُعتبر ثغرة للدخول إليها متى ما شاءت وبغطاء شرعي، وتلك القاعدة أضعها ضمن نظرية : الوهم الذاتي : وهي خلق طرفي نزاع داخل الإنسان وتتألف من نقطتين : النقطة الأولى : طرف ينتظر فرصة تاريخية ليثبت نفسه ووجوده كإنسان ذو عقل وضمير وموهبة وعنصر فعال في بناء دولته ، والنقطةالثانية : طرف ينتظر فرصة ذهبية ليبيع نفسه وطبعاً لا لوم عليه من الناحية العملية في غياب دولته التي لم تحتضه لينضم إلى الطرف الأول ، وفق هذه النظرية التي تطابق تماماً للثغرة التي أنشأتها القوى العظمى تكشف أنّهم لجأوا إلى الطرف الأول وتقديم الدعم المالي والفكري من خلال المخططات وكأنها فرصتهم التي انتظروها ، وسرعان ما يكتشفون بعد فوات الأوان أنهم كانوا من الطرف الثاني للنظرية ، أمّا توجُّههم للطرف الثاني فلا يحتاج لأي عناء لأنهم مستعدون لفعل كل ما يلزم فيسبيل إسقاط دولتهم وحكمِها لأنها كانت بمثابة العدو وطبعاً دون أن يكون لديهم البديل الأصح لتلك الدولة معتمدين بذلك على مموليهم . وبهذه النظرية التي استنتجتها من واقع ما يجري في الشرق الأوسط استطاع الغرب وأصحاب القرار العالمي باستملاك دول المنطقة في قبضة مصالحها إلى الأبد، وربما دولة الإمارات هي من بين جميع الدول التي كسرت هذه القاعدة ونجحت في الاعتماد الذاتي وهيّأت لشعبها رفاهية مطلقة وتطور وحضارة وكان العامل الأساسي لنجاحها الابتعاد عن السياسة والتمسك بثروة العقل التي أبدعت بثراء هائل من الفكر السليم ، وظلت تصارع تلك المخططات بكل ثقافتها وامكانياتها .

امام الامارات تحديات كبيرة على الارجح لن تستطيع لوحدها التصدي لتلك المؤامرات ، رغم اقتراب المملكة العربية السعودية من خطها والبدء بالتنسيق حول تكملة المشروع معا ، الا انه تبقى على دول المنطقة ان تحاول الدخول في ذاك الحلف بشكل فعلي على ارض الواقع ، فالتطرف الفكري الذي يؤدي الى الارهاب يجتاح العقول دون طرقِ ابوابها ، مستغلين بذلك الدين والفقر كمفتاحٍ ولا يصدهم سوى ثراء العقل والفكر .

كاتب وباحث سياسي كردي