المرحوم موسى عنتر الصحفي والمناضل الكردي والذي قٌتل في عام 1992 وهو في السبعين على يد الأجهزة السرية للدولة التركية في دياربكر يذكر في مذكراته باللغة التركية في الصفحة 29 ما يلي : القرويون الكرد كانوا يأتون بالحطب على ظهر الحمير ليبيعوه في سوق مدينة ماردين التي يعيش فيها الكرد والعرب والسريان وتقع الى الجنوب الشرقي من تركيا وعلى الحدود السورية . الحادثة تعود الى الثلاثينات من القرن الماضي . ثمن حمولة الحطب على ظهر الحمار كان يباع ب 50 الى 60 قرشاً تركيا (الليرة التركية كانت تساوي دولاراً امريكياً حينها) . سعرالحمار مع الحطب كان 5 الى6 ليرات. الكرد يستعملون كلمة (تشو تشو)عند سوقهم للحمير، ووقتها لم يكونوا يعرفون كلمةً واحدة بالتركية . عدد من القرويين البؤساء كانوا يسوقون الحمير المحملة بالحطب بإتجاه سوق ماردين مرددين صيحاتهم بـ( تشو تشو) غافلين عن الكمين الذي نصبته الجندرمة التركية لهم على أبواب المدينة . فجأةً هاجمت الجندرمة القافلة وبدأت بالضرب المبرح والشتائم البذيئة . القرويون كانوا مندهشين لما يحدث ويسألون الجندرمة عن الجريمة التي إرتكبوها . كلما زاد الكلام والصياح كلما إزداد حدة الضرب والاهانة ولم يكونوا يعرفون أن كثرة الكلام كانت تزيد من سقف عقوبتهم.

المساكين لم يكونوا يدرون أن السر هو في كلمة (تشو تشو) . هذه الكلمة كردية . عقوبة النطق بأي كلمة غيرتركية كانت تكلف صاحبها 50 قرشاً أي ما يساوي ثمن حمولة الحطب التي جاء بها ليرتزق من ورائها . بقية الكلمات التي كان القرويون يستعملونها للإستفسار أو الآهات التي كانت تنم عن الألم كانت تدخل ضمن فاتورة العقاب.

يستمر العم موسى في سرده ويقول : كان أحد هؤلاء "المجرمين" واحداً من أخوالي . حجز الجنود الحمار و حمولته وقدر السعر بـ 5 ليرات، كما أنه أدخل نظارة الجندرمة لمدة يومين قاسى فيها كل أنواع التعذيب الوحشي الذي يشتهر به الاتراك ويعلم به كل العرب منذ العهد العثماني . بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر وصل القرية جابي الأموال (تحصيلدار) ومعه دورية الجندرمة . طالبو خالي بدفع بقية الغرامة وكانت سبع ليرات (الغرامة كانت 12 ليرة،خمس ليرات دفعت عند وقوع "الجريمة" أي ثمن الحمار وحمولته) . يبدو أنه كان قد لفظ 24 كلمة كردية في ماردين . الجندرمة هددته بالحجز على موجودات الدار إذما لم يدفع الغرامة أضطر الخال المسكين الى بيع خمسةٍ من عنزاته مسدداً بذلك غرامةجريمة التكلم بالكردية.

بعد ذلك التاريخ تحولت ماردين طبعاً وبقية المدن الكردية الى مدينة أشباح يخيم عليها صمت القبور. لا أحد يعرف التركية. التكلم بغيرالتركية يعني العقاب والغرامة الباهظة. لا أحد يتكلم خارج الدار. الكلام بالإشارات فقط وكأن كل أهل المدينة بكاملها هم من الطرشان.

هذا مثال عابرمن التاريخ التركي في بدايات تشكيل الجمهورية الاتاتوركية ويميط اللثام عن العنصرية والهمجية التي مورست ضد الكرد. إذا أراد البعض معرفة المجازر التي أرتكبت في مدينة ديرسم (تم تبديل الإسم الى تونجلي التركية) عامي 1937 و 1938 فما عليه إلا كتابة كلمة (ديرسم) على محرك الغوغل ليجد ان حتى حلبجة ستبدو اقل همجية مقارنة بمجازرديرسم لولا السلاح الكيميائي الرهيب .

التاريخ التركي ضد الكرد يتكرر الآن في عفرين على يد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبامرته بقايا داعش تحت اسم الجيش السوري الحر .