-1-

في مقال سالفٍ أشار هذا القلم المتواضع بلُطف الى ضحايانا الذين سوقّناهم للعالم ليُفسدوا.. فأجادوا الفساد وأثخنوا العالم جراحا، وشوهوا سمعتنا وثقافتنا وديننا، ثم انكفأوا عائدين الينا ليقتلونا وينشروا الخراب في اوطاننا.

ابناؤنا القتلة هؤلاء، هُم أولا الثمار الشيطانية للمال السائبالذي ما كان من رقيب أو حسيب عليه.

الوفرة الباذخة التي قُيضتْ لبعض أهلنا فهزّتهم وأُربكتهم، وحيرتهم، فيمَ وأين يستثمرونها؟

أفي الإحسان والعطاء وإعمار الأرض والإسهام في توفير الخبز والأمن والصحة لأخوتنا في الدول الفقيرة وبالتالي كسب قلوب الناس لثقافتنا وديننا وتأمين السلام العالمي وسلامنا الشخصي وتنمية اقتصادنا وعلاقاتنا الإنسانية في بيئتنا الوطنية ومن ثم القومية؟ أم في سبيل آخر أجدى؟

الواقع.. من التجني أن نحلمَ أو نتوقع مثل هذا الخيار، فليس في ثقافتنا مثل هذه السوابق الكريمة إلا ما ندر وفي حالات فردية وغالبا ليس بحسن نية، بل للتباهي والتفاخر والادعاء.

وإذن فلا مناص من خيار آخر.

تجهيز غازٍ في سبيل "الله"...!

غازٍ يقتل أولئك الذين يمدوننا بالدواء والغذاء والعلم النافع والمواصلات المريحة والكشوف العلمية العظيمة. أولئك الذين أخرجوا بعلومهم ثروات ارضنا المكنونة منذ آلاف السنين، أولئك الذين عمرّوا بلدانهم وعلّمونا كيف نُعمر بلداننا فنحقق "إن شئنا" جنّة الأرض دون أن نُحرم من جنّة الآخرة.

-2-

أبناؤنا العاقّون هؤلاء والممول البغيض المريض ذاته الذي مولهم،الجميع ضحايا...ضحايا ثقافة الانفصال، الانعزال، الإكراه.. الموروث الإكراهي المُتغلغل في العقل الجمعي لشعوبنا منذ أيام القبيلة الجاهلية الصحراوية وصراعاتها من أجل بعير أو مرعى أو امرأة أو قصيدة هجاء، عبورا الى النص المقدس بتفسيره الأحادي الانتقائي، وقُدما صوب الحديث الذي وُضِع (من أجل دراهم السلطان) ممهورا بختم المُرسل الكريم الذي رحل قبل الوضع بعشرات السنين.

ثم الحرمان.. الحرمان المادي والعاطفي والثقافي والتربوي،غياب الكتاب.. الموسيقى.. اللوحة الفنية.. العمل الإبداعي الحرّ، العلاقات الأقل تزمتا، الحضور النسوي الكثيف المسؤول، الأنثى القوية المتعلمة العاملة الواعية المسؤولة تربويا والقادرة على خلق توازنٍ عقلي وسلوكي لدى الأبناء.

الأم الحُرّة الإرادة والأُخت المُكتفية بذاتها المُنشغلة بانشغالات إيجابية تسمو بروحها وعقلها وحضورها البنّاء في مجتمعها،والحبيبة الناضجة عقليا وعاطفيا والزوجة القادرة على أن تضيف وتُغني الشريك بالرأي الصائب والشغف الإيجابي النبيل والروح الإنسانية السامية.

غياب هذا مجتمعا شكل وأنتج تلك البضاعة التي رفدنا العالم بها ورُدت اليوم الينا مُرفقةٍ بفواتير ثقيلة رهيبة.

إلا ليت أولياء الأمور بكروا بالحجر على السفيه فلا يهدر ماله في تجارة خاسرة سببت لكل فردٍ فينا، صغيرنا وكبيرنا تلك المصائب التي يشيب لهولها الولدان.

إلا ليتهم...!

-3-

البلد الكريم الصغير الذي اقطنه منذ ما يفوق الربع قرن، ورغم قسوة البرد فيه حيث القطب الشمالي، فيه من الدُفء الإنساني وحالة الرضى والطمأنينة والاكتفاء المادي والروحي والثقافي ما يعجز اللسان عن وصفه.

كُل أديان العالم مُجتمعة، كُل ثقافات العالم مُجتمعة، كٌل الطوائف والأعراق من كُل انحاء العالم تجدها هُنا.

وجميعها لها نصيبٌ عادل في الثروة الوطنية والحماية الدستورية والقانونية والرعاية المادية والتشجيع والدعم لثقافاتها وطقوسها والحق في إقامة أماكن ممارسة الطقوس والشعائر بكل حرية.

ومن المُحرم قانونا والمنهيُ عنه عُرفاً مُناقشة العبادات والديانات والعقائد إلا من باب الاستزادة المعرفية وبغاية التهذيب.

أوَ نرجو أن نرى شرقنا يوما يكون مثل هذا، على الأقل في أن يستوعب ابناءه ذاتهم بحدبٍ وحُب وانشراح صدرٍ لاختلافهم الذي يغني الصورة ويبهج النفس ويُسعد الربّ؟

أظن ذلك..إذ.. نشهد اليوم تباشير وعيٍ فتيٌ مُستنير مُبارك في ارض الرسالة، وهل أجدر من أرض الرسالة في حمل الأمانة..!

بالقطع لا.