هل قٌدر للشعوب العربية أن تدفع فاتورة الخطط الجامحة لنظام الملالي الإيراني؟ ألا يكفي ما يتحمله الشعب اليمني الشقيق جراء تدخلات إيران ورغبتها الاستعمارية في السيطرة على مقدرات الدولة اليمنية على وكلائها الحوثيين؟ وألا يكفي ما يدفعه العراقيون من أمنهم واستقرار بلادهم جراء التمدد الطائفي الإيراني لتحقيق حلم السيطرة على هذا البلد العربي العريق؟ وهل جاء الدور على السوريين ليتحملوا المزيد من أوزار التدخل الإيراني في دولتهم؟ هذه التساؤلات باتت تلح على الأذهان في ظل التوقعات المتزايد بنشوب مواجهة عسكرية فوق الأراضي السورية بين عملاء إيران ووكلائها الطائفيين من ميلشيات الحرس الثوري والمرتزقة الذين جلبتهم من دول عدة بدعاوى طائفية مستهجنة، وبين إسرائيل التي باتت تنظر بقلق بالغ للدور الذي تخطط له إيران في سوريا.

من الناحية الاستراتيجية البحتة، وبمعزل عن نظرتنا المؤكدة، كعرب وطرف في صراع تاريخي لم يجد طريقه إلى الحل بعد مع إسرائيل، فإن قلق جنرالات الجيش الإسرائيلي من تمركز الحرس الثوري في سوريا له مايبرره، لاسيما أن إيران تطبق في سوريا بوضوح نظرية نقل الصراع إلى أراضي الغير، وتكتيك الذراع الطولي، ولكن وفق تطبيق مغاير لما تنتهجه إسرائيل، التي تتبنى النظرية ذاتها في حروبها، فالجيش الإسرائيلي يميل دائماً إلى تطبيق نظرية نقل الصراع إلى أراضي الغير بسبب افتقار إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي وانكشافها جغرافياً في مواجهة أي ضربات جوية أو صاروخية، ولكن إيران تطبق هذه النظرية لسبب مغاير يتمثل في نشر الفوضى وتوسيع نطاقها من دون تحمل أعباء خوض حروب في العمق الإيراني!

من يتابع الصحافة العالمية، يدرك أن هناك توقعات متزايدة بنشوب صراع إيراني ـ إسرائيلي على أرض سوريا، فصحيفة "التايمز"البريطانية ذكرت في أكثر من مقال إن إيران وسوريا على شفا الحرب، وان إسرائيل وجهت تحذيرات ضمنية لإيران بأن الجيش الإسرائيلي جاهز لضرب الميلشيات الإيرانية في سوريا.

يقول المراقبون الغربيون أن الوضع الآن يتجه الآن إلى المواجهة المباشرة بعد حرب بالوكالة خاضتها إيران ضد إسرائيل من خلال تدريب وتمويل ميلشيا "حزب الله"اللبناني، وحركة "حماس"الفلسطينية، وأن إرسال طائرة من دون طيار إيرانية محملة بالمتفجرات باتجاه إسرائيل، تغيرت المعادلة، بحسب هؤلاء المراقبين، ولكني اعتقد أن إيران لم تكن تخوض حروباً بالوكالة ضد إسرائيل طيلة الفترة الماضية، وأن تمويلها ودعمها للميلشيات لم يكن يستهدف خوض حروب ضد إسرائيل بقدر ما كان يسعى إلى تنفيذ مخطط إيراني واسع لبسط النفوذ الإيراني اقليمياً.

تخشى إسرائيل تمركز الحرس الثوري في قواعد عسكرية دائمة في سوريا، ومن ثم تبدو التوقعات متزايدة بشأن توجه إسرائيل نحو توجيه ضربة وقائية لمنع المخطط الإيراني في هذا الشأن، ولكن الأمر بالنسبة لنا، كدول عربية، يبدو مثار تساؤلات أكثر أهمية لأن تمركز ميلشيات الحرس الثوري في سوريا يمثل استمراراً لنهج إيران في مخالفة القوانين والأعراف الدولية، ومواصلة نشاطها التوسعي في الدول العربية والمجاهرة بالتواجد غير القانوني على أرض دولة عربية، وهو ماكان يسعى الملالي إلى تنفيذه في اليمن أيضاً.

يرى المراقبون الغربيون أن روسيا بمقدورها نزع فتيل مواجهة محتملة بين إيران وروسيا من خلال الضغط على إيران لسحب قواتها من سوريا، ولكن هذا الأمر يبدو مستبعداً في ظل لعبة تقاسم المصالح الدائرة بين روسيا وإيران وتركيا.

الحقيقة أن إيران تعمق دورها الإقليمي في نشر الفوضى والاضطرابات، والمتوقع أن يتصاعد هذا الدور عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في منتصف مايو المقبل كما هو متوقع، لذا فإن هناك مسؤولية كبيرة على المجتمع الدولي لمواجهة الخروقات الإيرانية في مجمل الدول العربية وإلزام إيران بسحب ميلشياتها والمرتزقة التابعين لها من كل الدول العربية، والكف عن تزويد الميلشيات الطائفية في اليمن وغيره بالصواريخ والعتاد العسكري، الذي يستخدم في تهديد أمن الدول العربية المجاورة.