كنت من أحد أشد معارضي إستفتاء إقليم كردستان للإنفصال عن العراق . ولم أتردد من التعبير عن رأيي هذا في عديد من مقالات كتبتها قبل إجراء ذلك الاستفتاء اللعين الذي أوصل حال شعبنا الكردي الى الحضيض بسبب تهور مسعود بارزاني وعدم تحسبه لتداعيات هذه المغامرة الطائشة .

إستتبع الإستفتاء قيام الحكومة الاتحادية باتخاذ العديد من الاجراءات العقابية ضد إقليم كردستان ، ورغم أنني منذ البداية وجدت بأن تلك الاجراءات الظالمة ستكون عقيمة ودون جدوى لمعاقبة السلطة البارزانية الحاكمة التي أصرت على الاستفتاء ،وأن الشعب الكردستاني وحده من سيدفع الثمن وليست السلطة الحاكمة ، ولكن يبدو أن بغداد أصرت ومازالت تصر على إرتكاب المزيد من الأخطاء ضد شعب كردستان . ولن أتجاوز الحقيقة إذا قلت بأن بعض أطراف الحكومة العراقية هم مسؤولون بالدرجة الأولى في تبرير قيام بعض القومجيين الكرد بمحاولة فصل كردستان عن العراق ، وحتى تبرير استفتاء البارزاني ، لأن هناك العديد من الإجراءات اللاقانونية واللادستورية تتخذها سلطات بغداد لحد اليوم لايذاء الشعب الكردي وشحنه ضد السلطة الاتحادية. واليكم بعض تلك الاجراءات التعسفية :

1- يباع البنزين في المناطق الخاضعة للسلطة الاتحادية بـ450 دينار للتر الواحد، في حين يباع في مدن كردستان بأكثر من 700 دينار . والمعلوم أن أسعار المحروقات عموما تؤثر بشكل كبير على الوضع المعيشي للمواطنين ولحالة إستقرار الأسعار في الأسواق .

2- يستفيد موظفو الحكومة الاتحادية من كل القروض والسلف التي تطلقها المصارف الحكومية ، في حين أن موظفي الاقليم محرومون من هذه السلف والقروض ، وكأنهم سكان كوكب آخر ، أو هم لا ينتمون للعراق . أضف الى ذلك أن سلم الرواتب والأجور والمخصصات تختلف بشكل كبير بين موظفي الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم وكأنهما فعلا دولتين منفصلتين.

3- أوقفت تركيا رحلاتها الجوية الى مطار السليمانية رغم أن مليارات الدولارات تخرج من هذه المحافظة لصالح التجار الآتراك ، ورغم أن هذا الموقف الشوفيني من تركيا يؤثر على مواطني هذه المحافظة، لكن الحكومة الاتحادية مازالت ساكتة تتفرج على هذه المعاناة اليومية للمواطنين دون أن تقوم بواجباتها على الأقل بأستدعاء السفير التركي والضغط لارغام تركيا على اطلاق رحلاتها الى السليمانية.

4- حين تقدمت القوات الاتحادية نحو كركوك لبسط سيطرة الدولة العراقية عليها ، كان الهدف هو بسط سلطة القانون على هذه المحافظة كما ادعى السيد العبادي مرارا وتكرارا. ومع سيطرة تلك القوات على المحافظة عادت الابار والحقول النفطية الى تحت سيطرة الحكومة الاتحادية ، وبذلك انتهت عمليات السلب والنهب لنفط المحافظة من قبل جماعة البارزاني وجلاوزته ، ولكن نرى اليوم أن الحكومة الاتحادية تتخلى عمدا عن أكثر من 300 ألف برميل نفط يستخرج يوميا من حقول وآبار مناطق كردستان ، دون أن تبالي بعوائدها التي يذهب القسم الأكبر منها الى جيوب العائلة البارزانية ، فإذا كان النفط كما أشار الدستور هو ملك للشعب العراقي ، يفترض أن تحاول الحكومة الاتحادية الراعية للدستور أن تستخرج هذه الثروة من يد المافيات الكردية وتتصرف بها وحدها لضمان توزيع عادل لهذه الثروة، فالسكوت عن تصدير هذه الكمية الهائلة من النفط هو مشاركة فعلية في جريمة نهب ثروات الشعب.

5- أطلق السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي العديد من التصريحات المتتالية حول المنافذ الحدودية واعتبارها جزءا من السلطة الاتحادية، لكنه يغض الطرف اليوم عن استعادة سيطرة الدولة على تلك المنافذ ، رغم أن قوات حكومته الاتحادية كانت قاب قوسين أو ادنى من السيطرة العسكرية التامة على تلك المنافذ التي تدر بدورها ملاييين الدولارات لجيوب المافيات السلطوية بكردستان.

6- أمرت الحكومة العراقية باستعادة سيطرة الجيش العراقي على محافظة كركوك واعادتها الى السلطة الاتحادية، وقد تمكنت هذه الحكومة من تحقيق أهدافها ، ولكن منذ توقف القتال في عملية السيطرة مازالت محافظة كركوك منفصلة تماما عن محافظات اقليم كردستان بسبب اغلاق الطريق الرابط بين أربيل وكركوك من ناحية التون كوبري ، وادى ذلك الى ان يلقى المواطنون المسافرين على هذا الطريق للوصول الى السليمانية وكركوك وبغداد مشقات كبيرة بسبب بعد المسافة ، فلا نعرف لحد الان الاسباب الموضوعية لاغلاق الطريق البري بين اربيل وكركوك وبغداد ، اللهم الا لحاجة في نفس يعقوب البغدادي.

7- منذ سنين عديدة تقصف الطائرات والمدافع التركية قرى ونواحي و مدن كردستان الحدودية . وفي ظل صمت الحكومة الاتحادية تجرأت تركيا على اجتياح وغزو الاراضي العراقية بالشمال ، حتى أن رئيس الوزراء التركي بينالي يلدرم قال بعنجهية وصلافة أن الجيش التركي أقام 11 معسكرا ثابتا داخل أراضي كردستان العراق ، يضاف اليها 18 معسكرا سابقا للاستخبارات والتجسس الموجودة أصلا في كردستان. السؤال هو: اذا كان حزب مسعود بارزاني متواطئا مع تركيا بهذا الشأن، فما بال الحكومة الاتحادية تسمح لنفسها وهي دولة ذات سيادة أن يجتاح جيش بلد آخر أراضيه بحجة ملاحقة معارضيه ، وكيف تسمح الحكومة الاتحادية أن تخضع جزء من أراضيها الى احتلال دولة أجنبية ؟.

اذا كانت هذه السياسات التي تتبعها الحكومة الاتحادية هي لمجرد مجاملة الأحزاب السلطوية الفاسدة في كردستان، فبهذه الحالة ستكون الحكومة الاتحادية شريكة في الجرائم التي تقترفها العائلة البارزانية ضد الشعب الكردي ، وأذا كان الأمر مجرد لعبة سياسية على قاعدة ( شيلني وأشيلك ) فهذا دليل آخر على تواطوء مخزي من أطراف عراقية حاكمة مع عصابة البارزاني الناهبة لثروة كردستان. أما اذا كان الأمر مجرد اهمال متعمد ولا مبالاة بوضع المواطن الكردستاني ، فإن تداعيات هذه السياسة الشوفينية الخاطئة لن تكون سهلة وستدفع القوى السياسية الثمن باهضا بعد أن تنكشف الأمور وتوضع النقاط على الحروف .