اربعة امراض صاحبت ولادة نموذج النظام السياسي العراقي لمرحلة مابعد حرب ٢٠٠٣ .

المرض الاول هو التدخل الخارجي الدولي و الاقليمي في بناء اسس النظام السياسي وتشكيلاته.

و الثاني هو اثر المال الفاسد في السياسة ودور السياسة في تنامي عُقد الفساد وتغذيتها.

اما المرض الثالث فهو تاثير السلاح المنفلت الخارج عن سيطرة الدولة او ما يعرف بالميليشيات في تشكيل الحكومة وتوازن القوى داخل الدولة.

المرض الرابع هو المحاصصة الطائفية وتحولها الى احد اعراف النظام السياسي العراقي وتجذرها في مفاصل الدولة .

هذه الامراض العضال الاربعة ولدت مع دخول الاحتلال ودخول كل تلك القوى والشخصيات السياسية التي نسجت علاقاتها مع القوى الاقليمية والدولية. بل وقد تعمدت تلك القوى زراعتها في جسد العراق لتتأكد من ان الدور الاستراتيجي للعراق قد تم حسمة بصورة مستدامة لصالحها ولفترة طويلة.

الولايات المتحدة التي ادركت عمق ازمتها في الملف السياسي العراقي قد ادركت مبكرا وما بعد احداث ٢٠٠٣ انها متورطة في تعقيدات هذا الملف وانها يجب ان تخرج من هذه الورطة باسرع وقت وباقل الخسائر. جون نيكسون في كتابه ( Debriefing The president) او استجواب الرئيس يقول " في مطلع ٢٠٠٤ ادركت الولايات انها في المكان الخاطئ" وهو يؤكد بان الولايات المتحدة فتحت في العراق حمامات الدم خاصة وان ادارة جورج بوش الابن لم تحسب حساب الجماعات الارهابية التي انتشرت في العراق بدعم من ايران.

امراض العراق العضال كان يتم التعاطي معها طيلة السنوات السابقة بواسطة المسكنات الموضعية والتي كان الجميع يعرف بان اثارها الجانبية اكثر ضرراً في بنية السياسة العراقية من ازمات العراق المتواصلة.

واستمرت جرع المسكنات في تحطيم مناعة الجسد العراقي واضعاف امكانياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبناء على كل ماسبق ليس من المستغرب ان لا يتفاجئ الشارع العراقي بكل الاحداث التي تلت الانتخابات العراقية الاخيرة التي جرت في أيار ٢٠١٨. العراقيون لايزالون محتفظين في ذاكرتهم القريبة بكل الاحداث السيئة التي رافقت كل نسخ الانتخابات السابقة منذ ٢٠٠٦، وهم ايضا يأسوا من انهم سوف يشهدون اي تحسن في جسد العراق السياسي.

هذه الانتخابات بالتحديد انهت مرحلة المسكنات والتلاعب بالاسماء فلم يعد يجدي مع التدخل الخارجي اي اخفاء او تخفي كل وجوه اللعبة الاقليمية في العراق باتت واضحة. ولم يعد قاسم سليماني او السفير الايراني في العراق او حتى مبعوث المرشد الاعلى يخفون اجتماعاتهم مع قادة الكتل والاحزاب السياسية، وكذلك الولايات المتحدة لم تهد بحاجة الى ان تخفي دعمها لهذا الطرف السياسي او ذاك.

والمال الفاسد لم يعد يخفي منصاته ولا يوجد في العراق من تخفى عليه الاسباب التي تجعل هذا الكم من المرشحين للانتخابات البرلمانية يتقاتلون للفوز بالمقعد النيابي طمعاً بالانتفاع المباشر او الحصانة التي تضمن لهم حماية سرقاتهم.

اما الميليشيات فهو المرض العضال الذي خرج من المناطق المضلمة الى ملعب السياسة ليقدم نفسه بكل صلف كممثل شرعي للعراقيين وهو نفسه الوباء الذي ابتلى به اهل العراق واحتاروا في مواقفهم حياله فهو قاتل داعش بقيادة وتوجيه ايراني وهو قادر ان يتحول الى سلسلة من العصابات والمافيات التي تخنق امن المواطن وتهدد السلم الاجتماعي الهش. انه الوحش الذي تغذية عوامل الفقر والبطالة والضلم وتستفاد منه مراكز القوى الدينية والسياسية في العراق.

اما المحاصصة الطائفية هذا المحرم الذي تشتمه كل القوى السياسية العراقية ولكنها تشتهيه ومتشبعة بمبادئه ومنتفعة منه كل الانتفاع. ورغم ان كل تلك القوى السياسية حاولت ان تتطهر منه الا ان هذا التطهير وقتي فقط في فترات الدعاية الانتخابية ثم سرعان ما تعود كل تلك الكتل والاحزاب الى التخندق الطائفي الذي هو درسها الاول في حكم العراق.

العراق السياسي يأن من امراضه العضال ولم يعد يجدي اي علاج وقتي لهذه العلل بل ان الحديث يدور اليوم عن ترسيخ الواقع البشع لهذه الامراض واعتبارها قدر لابد من قبوله والتعامل معه.فليس يجدي التطهير في سياسيين احترفوا التعامل مع عللهم ونجحوا في نقله الى الجيل الثاني من المنتفعين .وليس يجدي الكي في جسد احرقته ويلات الحروب والمذابح والدمار.