التصعيد الاخير بين غزة واسرائيل، ليس الاول ولن يكون الاخير والاحوال هناك مرشحة لمزيد من القصف المتبادل حتى وان لم يكن متكافئا ابدا.
اسرائيل تمتلك اقوى ترسانة عسكرية في المنطقة ومصنفة من الدول الاقوى في العالم من الناحية العسكرية وحماس وباقي فصائل غزة تمتلك صواريخ متوسطة المدى بدائية الصنع بغالبيتها، وتمتلك طائرات ورقية وبالونات حارقة.
موازين القوة تميل بالطبع لصالح الجيش النظامي الكبير وصاحب احدث الاسلحة والتقنيات الا ان كل جولات المواجهة بين اسرائيل وحماس منذ العام 2007 وحتى الان لم تنته بانتصار اسرائيل ولا بهزيمة حماس بل بميزان رعب جديد بعد كل مواجهة بحيث يدعي الطرفان ان كل منهما انتصر في جولة الحرب المدمرة التي تدمر بالاساس قطاع غزة وتعيده في كل مرة سنوات الى الوراء., ويعاود الطرفان الكرة والنتيجة ذاتها، مزيدا من الدمار واليأس والانطواء وابتعاد فرص الحل.
الفلسطينيون في غزة هم كباقي البشر يريدون حياة كريمة واستقرار اقتصادي وامني ولكن حماس تراهن على عدم قدرة اسرائيل تدمير غزة واحتلاها من جهة لانه من المعروف في الحروب العصرية ان لا غلبة لجيش نظامي مقابل حرب الشوارع او ما درج تسميتها حرب العصابات، وسكان غزة يئسوا من وضعهم ولم يعد لديهم ما يخسروه ولا افق للخروج من سجنهم الكبير المغلق على اسرائيل وعلى البحر وعلى مصر.
مما لا شك فيه هنا ان قوة اسرائيل الهائلة تقف عاجزة امام نحو مليوني فلسطيني اعزل في قطاع غزة وبضعة الالف من المسلحين، ولا ارى اي نية لاسرائيل بقتل هؤلاء لا من الناحية العملاتية العسكرية ولا من الناحية الاخلاقية فقط لكي تسجل النصر على حماس، هذا من جهة وبالمقابل فان اسرائيل لا تستطيع ان تسوغ اي عملية تقتل فيها الابرياء وتدمر الاحياء والمرافق لترفع علمها فوق انقاض غزة تلك البقعة التي انسحبت منها عام 2005.
اما حماس المرتبكة بقيادة سكان غزة وتحت حصار عربي واجنبي فانها لا تقدم للغزيين اقل ما يتمنون من حياة عادية وحرية تحرك واقتصاد مستقر وامن وامان ناهيك عن الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وعقوبات السلطة الفلسطينية على حماس وسكان القطاع.
القيادة الاسرائيلية الحالية المتمثلة باليمين المتبجح بالقوة وكثرة الصراخ والتهديد والوعيد تقف ضعيفة جدا سياسيا وعسكريا بالرغم من ترسانة الدولة العبرية الهائلة والتي تمتلك على ذمة الصحافة الاجنبية اسلحة نووية وقنابل هايدروجينية تستطيع محو مدن ودول في المنطقة وخارجها، قيادة تل ابيب الحالية لا تستوعب شيئا بسيطا وهو الحوار والحديث مع حماس في غزة. فحتى الان لم نسمع اي اسرائيلي يميني او وسطي او حتى يساري يتحدث عن ضرورة محاورة حماس، وكأن هؤلاء يتسابقون على تعريف حماس انها ارهابية متناسين ان السلام يُصنع مع الاعداء وليس مع الاصدقاء او الحلفاء. وتكفي الاشارة هنا ان اسرائيل وطيلة عقود رفضت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الا ان الواقع ارغمها على ذلك واليوم منظمة التحرير شريكا في اتفاق سلام مع اسرائيل.
على قادة اسرائيل اليوم ان يمتلكوا الشجاعة الكافية مثل تلك التي تحلى بها يتسحاك رابين وان يتحدثوا مباشرة مع حماس للتوصل الى حل او هدنة او اتفاق ما يحقن دماء الابرياء في غزة وفي اسرائيل، فاستمرار العمليات العسكرية لن تجدي نفعا للجانبين، ومن جهة اخرى على قادة حماس تبني جرأة الراحل ياسر عرفات للحوار مع الاسرائيليين والتوصل لاتفاق يرضي الطرفين، فحماس قوة فاعلة ومؤثرة في غزة في الضفة الغربية ايضا، وانخراطها ضمن منظمة التحرير وتبني حل الدولتين او اي حل من هذا القبيل، ضمن الثوابت الفلسطينية والمبادرة العربية، من شأنه حقن دماء الفلسطينيين واقامة العدل الممكن لا المطلق كما اشار اليه الراحل محمود درويش عام 1988 في وثيقة استقلال فلسطين.
فهل نرى شجاعة اسرائيلية للحديث والحوار مع حماس، وجرأة حمساوية من اجل فلسطينيي غزة والضفة الغربية والشتات، لانه من الواضح ان لا انتصار لاي من الطرفين في المواجهات العسكرية مهما طال الزمن وتطورت الاسلحة والتقنيات.