يقول المثل الشعبي الذائع الصيت في مجتمعاتنا (غراب يقول لغراب .. وجهك اسود), ويقصد به باختصار الشخص الذي يعيب على الغير ما هو فيه, هذا المثل ينطبق تماما على ( الحكومة العراقية الکليبتوقراطية ـ Kleptocracy) بعد ان اعلنت تضامنها منذ البداية مع تظاهرات واحتجاجات إقليم كوردستان التي نددت بالأوضاع الاقتصادية الصعبة والظروف المعيشية المزرية للمواطنين في الإقليم، ودعت إلى القيام بإصلاحات حقيقية والالتزام فعليا بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، الأمر الذي اعتبرته السلطة في الإقليم (عملًا تخريبيأ ومخالفاً للقانون ) .

وعلى خلفية المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها مدن إقليم كوردستان التي بدأت شرارتها في مدينة السليمانية , دعا رئيس مجلس الوزراء السيد حيدر العبادي السلطات في إقليم كوردستان إلى احترام حق التظاهر السلمي واحترام الإرادة الشّعبية ، مؤكّدا أن الحكومة الاتحادية لن تقف (مكتوفة الأيدي ) في حال تم الاعتداء على أيّ مواطن في الإقليم , كما عبرعن تضامنه مع المتظاهرين في الإقليم بعد ان تعرضوا للقمع الوحشي والإهانات والاعتقالات على يد القوات الامن الكوردية ( الأسايش ) .

حاول السيد العبادي من خلال تضامنه مع المتظاهرين في إقليم كوردستان ان يرمي التقصير وما جرى على الإقليم وشعبه في خانة الطرف المقابل , وحاول ان يظهرمن نفسه قدرالامكان بالمظهر الحسن واللائق امام ابناء الشعب الكوردستاني والمنطقة والعالم , وحاول أن يمثل دور( هرقل العظيم ) صاحب الانجازات والانتصارات والاصلاحات الفريدة وكواحد من أعظم قادة العراق واكثرهم حنكة وبراعة في السياسة والحكم ، الا أن قمع إنتفاضة تموزالتي اجتاحت وسط وجنوب العراق قبل ايام كشف المستور، على الرغم من انه مكشوف منذ عام 2003 ، لكن البعض يحتاج إلى زيادة إيضاح والادلة , ليقتنع بان الحكومة الاتحادية (المتمسكة بالسلطة والثروة والمحاصصة المقيتة ) لاتختلف عن الحكومة (الأوليغارشية ـ Oligarchy) في الإقليم (المتمسكة بالسلطة والثروة والمحاصصة الحزبية والمنافع الشخصية ) , وان ما يجمع بين المركز والإقليم هو اكثر بكثير مما يفرق بينهما فهما وجهان لعملة واحدة . 

ان اطلاق يد الأجهزة الأمنية وقوات مكافحة الشغب والمليشيات المتعاونة معها لقمع وسحق ( إنتفاضة الخبز والكرامة ) وتطبيق انذار ( ج ـ الاستنفار العام ) بعموم العراق بامر من القائد العام للقوات المسلحة السيد العبادي وحظر التجوال واعطاء الضوء الاخضرلقمع المتظاهرين والناشطين الذين يطالبون بتوفير (العمل والتعليم والصحة والكهرباء والماء النقي ) ومشاكل كثيرة اخرى والتي تبحث عن حلول لم تجدها منذ 15 عاما ) ,و إجبارالمعتقلين على (توقيع تعهد بعدم مشاركتهم في التظاهرات )و كذلك إصدار أوامر بقطع الانترنيت والاتصالات ,وأعتقال الصحفيين الذين يغطون وقائع التظاهرات و ذلك لحجب المعلومة عن العراقيين و المجتمع الدولي , اضافة الى مقتل 9 متظاهر واعتقال المئات الاخرى منذ بدء شرارة الانتفاضة التموزية في المدن العراقية لحد كتابة هذا المقال , كل هذه الانتهاكات المريعة بحق المنتفضين العزل دليل اخرعلى فشل الحكومة الاتحادية في قيادة العراق نحو الديمقراطية والامان والتنمية المجتمعية بعد ان عانى الشعب العراقي ولعقود طويله من ظلم وجورالنظام البعثي الفاشي .

ان إنتفاضة تموز2018 اثبتت , ان أساليب الأجهزة الأمنية العراقية القمعية ازاء المنتفضين في البصرة والتي تعد إحدى أغنى المحافظات العراقية ، لاحتوائها نحو 70 بالمئة من احتياطيات النفط العراقي وفي مدن الجنوب الاخرى لاتختلف بشيء عن أساليب الاجهزة الامنية القمعية في إقليم كوردستان تجاه المنتفضين والمحتجين على تفشي البطالة وسوء الخدمات وتأخر صرف الرواتب في مواعيدها، وتطبيق نظام الادخارالاجباري, وان الانتهاكات المريعة التي ارتكبتها (بغداد واربيل) تجاه الشعب حتى هذه اللحظة كافية لإسقاطهما ، وان تطبيق الانذار ( ج ) وإطلاق الرصاص الحي، والتعذيب الجسدي، وعمليات الاختطاف والتهديدات والملاحقات التي تنفذها السلطة الاتحادية والمحلية تجاه المنتفضين العزل الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة ، وقائع صارخة على ازدواجية( بغداد واربيل ) في تطبيق الأحكام والقوانين، ناهيك عن التناقضات في الأقوال والأفعال , وكافية أيضا لان تكون ردود افعال المنتفضين والمحتجين العزل خارج حسابات الحكمة ... فكما تقول الحكمة الشهيرة: ( من يزرع الريح يجني العاصفة ) ...!

أختتم مقالي هذا بمقولة للفيلسوف الصيني كونفوشيوس تقول : ( جبانٌ من يرى الحق ولا يسانده ) .