في إطار سعي إماراتي دؤوب للحفاظ على مرتكزات الأمن والاستقرار الإقليمي، وتحصين الأمن القومي العربي والخليج ضد كل مهددات الاستقرار، نجحت والوساطة الإماراتية الحكيمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في رأب الصدع وانهاء الخلافات المزمن بين أثيوبيا واريتريا عبر جهود دبلوماسية مكوكية خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، حيث قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة رسمية إلى اثيوبيا، كما استقبلت الامارات رئيسي الدولتين في زيارات رسمية أثمرت عن هذا النجاح المهم على صعيد الاستقرار في القرن الافريقي.

الخلاف بين أثيوبيا واريتريا يمتد لأكثر من عقدين، وكان يحتاج إلى دور حكيم لطرف يحظى بثقة الطرفين وصداقتهما على حد سواء، كي يمكن لهذا الوسيط أن ينجح في تقريب وجهات النظر من خلال ما يتمتع به من ثقة وقناعة لدى طرفي النزاع بحسن نواياه ورغبته الصادقة في انهاء هذا الخلاف تحقيقاً لمصلحة البلدين والشعبين الصديقين.

في التاسع عشر من مايو الماضي قام رئيس الوزراء الاثيوبي بزيارة رسمية إلى الامارات، وفي منتصف يونيو الماضي، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بزيارة إلى أديس أبابا حيث عقد جلسة محادثات مثمرة مع رئيس وزراء إثيوبيا ، وفي الثالث من يوليو الجاري، استقبل ولي عهد أبوظبي رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، في سلسلة من المحادثات والزيارات التي حظيت باهتمام الأوساط السياسية اقليمياً ودولياً، ولكن لم ترشح عن هذه الزيارات أي أنباء عن وساطة إماراتية محتملة بين البلدين المتنازعين، بل ذهبت معظم التوقعات في اتجاهات مغايرة تماماً، وحلق بعضها إلى خيالات لا علاقة لها برغبة الامارات في تقريب وجهات النظر وانهاء هذا الخلاف الضار بالأمن القومي العربي والخليجي. وتحدثت وسائل اعلام الفتنة المعادية عن سيناريوهات من وحي خيال مموليها وبناء على استنتاجات مريضة لأصحاب الأجندات الذين يتوهمون الكثير من الخطط الخبيثة ولا يقدرون على استيعاب فكر قيادة تعمل لمصلحة امتها العربية وتؤمن بأن السلام والاستقرار هو السبيل الوحيد للتنمية لمصلحة جميع الشعوب وأن نبذ الاحتراب والصراعات هو الضمان للأمن والاستقرار الإقليمي.

الجانب الأثيوبي قال على لسان وزير خارجيته، ورقينه جبيو إن ما وصل إليه البلدان، كان بفضل الجهود التي بذلها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كصديق لإريتريا وإثيوبيا. من جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس إن المصالحة "تظهر أن رياح أمل جديدة تهب في إفريقيا".

لم يكن الخلاف الاثيوبي الاريتري سهلاً بحيث يمكن توقع التوصل إلى تسوية سياسية له في وقت قصير، فالدولتين خاضتا حرب دامية امتدت عامين (1998 ـ 2000) وبينهما أجواء تشبه أجواء الحرب الباردة منذ نحو عقدين من الزمن، وهناك توترات أقرب إلى التصعيد منها إلى التهدئة، ولكن الأمل في النتائج الكبيرة التي يمكن أن تتحقق عبر تسوية هذا النزاع كانت الدافع وراء الوساطة الإيجابية الحثيثة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

هل كان يتخيل أي من المراقبين قبل أشهر أن تعرب اثيوبيا عن رغبتها في أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن جارتها اريتريا؟ وهل كان يتخيل أحدهم أن هذا الخلاف العميق يمكن أن يتحول إلى تقارب بوتيرة متسارعة ورغبة رسمية واضحة في التعاون وتعويض ما فات خلال سنوات التوتر والصراع؟

هذه الخطوة الإيجابية أو الرياح الجديد كما أسماها الأمين العام للأمم المتحدة تطور إيجابي في غاية الأهمية وسط طوفان من التحركات والخطط التآمرية للدول الممولة للإرهاب والقوى التوسعية الإقليمية التي تعمل على تعميق الخلافات ونشرها بين دول الإقليم، فالمصالحة ستنعكس ايجاباً على الشعبين الاثيوبي والاريتري، فهي خطوة في مصلحة البلدين وتأخرت طويلاً ولكنها كانت بحاجة إلى جهود طرف مخلص يسعى للخير والأمن والسلام للجميع.

اثيوبيا تسعى لطفرة تنموية لشعبها، ولن يتحقق لها ذلك سوى عبر سلام مع جارتها اريتريا سواء لانهاء النزاع والتوتر، او لضمان منافذ للتجارة الاثيوبية عبر مرافىء اريتريا، التي تحتاج بدورها إلى الاندماج مع العالم ودول الجوار، وتطوير بنيتها التحتية واقتصادها لإنعاش اقتصادها.

مكافحة التطرف والإرهاب هدف رئيسي للإمارات ودول التحالف العربي، وهذا أحد مسلمات العمل الدبلوماسي لهذه الدول، وتحقيق هذا الهدف الحيوي لن يتأتى عبر الجهود العسكرية والأمنية فقط، بل يتطلب أيضاً مسارات عمل موازية على الصعد الثقافية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية وغير ذلك، ومن بين أهم وسائل تحقيق هذا الهدف القضاء على النزاعات والحد من المناطق الرمادية التي يغيب فيها الأمن وتستغلها تنظيمات الإرهاب في ممارسة أنشطتها، ةلعل منطقة القرن الافريقي كانت تمثل أحد اهم عوامل انتشار الإرهاب بسبب وجود نزاعات عدة بين دول هذه المنطقة الحيوية ومنها النزاع الاثيوبي الاريتري، حيث استغلت تنظيمات الإرهاب هذا النزاع في التمدد ونشر أفكارها المتطرفة. كما كان التعاون الغائب بين الدولتين الاقليميتين عائقاً امام تضافر الجهود في مكافحة التطرف والإرهاب وتحول الأمر إلى استقطاب للدول الممولة للإرهاب التي استغلت الخلاف في أحيان كثيرة في تحقيق أهدافها ومصالحها.

بكل صراحة، تعد هذه الوساطة الإماراتية الناجحة هي صفعة قوية لمخطط المتآمرين الإقليميين مثل قطر وغيرها، حيث استغلت النزاعات في القرن الافريقي لتلعب أدوار خبيثة للإضرار بدول عربية وخليجية عدة، ومن ثم جاءت المصالحة لتنسف خطط قطر في استغلال هذا الصراع ونشر الفتن والاستفادة منها.