دائرة الخلافات تتوسع .. وكل طرف متمسك بمواقفه
المالكي يرفض أسلوب الترهيب لحزبي طالباني وبارزاني


أسامة مهدي من لندن: تصاعد الخلاف بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والحزبين الكرديين الرئيسين بزعامة الرئيس جلال طالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بشكل مفاجئ اثر رفضه اليوم ما اسماه باسلوب الترهيب الذي يستخدمه الحزبان ازاء تشكيل مجالس الاسناد انطلاقا من حسابات ضيقة تشعر بأنها اصبحت تهدد مساحات نفوذهما وطروحاتهما التي تتقاطع مع المصلحة العليا للبلاد مؤكدا انه ليس من المسوغ اتهام العشائرالعربية والتركمانية بأنها من المرتزقة كما عبر عن اسفه لحملة quot; التشويه والاتهامات quot; الكردية إزاء دعوته لتعديل الدستور موضحا ان هذه الضجة تتناقض مع الاتفاق على التعديل الذي شكلت بموجبه لجنة في مجلس النواب ماتزال تمارس دورها لتعديل البنود التي اثير حولها الجدل مشددا على ان الدستور بحاجة الى المراجعة والتعديل.

واشار الى أن خطوة تشكيل مجالس الإسناد كانت ضرورية لحفظ الأمن والنظام في المحافظات التي شهدت انفلاتاً امنياً قبل نجاح قواتنا المسلحة بتثبيت الامن والاستقرار. واوضح ان مجالس الاسناد لقيت ترحيباً كبيراً من جميع الاحزاب والقوى السياسية الوطنية بما فيهم الحزبان الكرديان اثناء عملية التصدي للارهابيين والخارجين عن القانون لكن هذا الترحيب انقلب الى الضد - ومع شديد الاسف - حين رأت بعض الاحزاب ومن منطلق الحسابات الضيقة ان مجالس الاسناد اصبحت تهدد مساحات نفوذها وطروحاتها التي تتقاطع مع المصلحة العليا للبلاد.

واضاف ان العشائر قد لعبت في اطار مجالس الانقاذ والصحوات في محافظة الانبار 100 كم شمال غرب بغداد) دوراً محورياً ، وبالتعاون مع القوات المسلحة في التصدي واحباط مخطط تنظيم القاعدة الارهابي وازلام النظام البائد في جر البلاد الى هاوية الحرب الطائفية مثلما تصدت العشائر للخارجين عن القانون في عمليات صولة الفرسان في محافظة البصرة وبشائر السلام في محافظة ميسان وخطة فرض القانون في العاصمة بغداد وباقي المحافظات.

مجالس الاسناد ليست ميليشيات

واكد المالكي ان مجالس الاسناد التي لم تشكل على اساس حزبي او طائفي قد جسدت التعاون بين المواطنين والاجهزة الامنية في الدولة والذي شكلت إحدى أهم ركائز عملية تثبيت الامن والاستقرار في عموم البلاد .. مشددا بالقول ان مجالس الاسناد ليست ميليشيات مسلحة ولن تكون كذلك وفق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة ولا تستهدف أي مكون من مكونات الشعب العراقي ولم تعلن وقوفها الى جانب اي حزب او طائفة او قومية عدا وقوفها الى جانب أمن وسيادة واستقرار العراق وان نشاطها تطوعي يصب في خدمة الوطن وهي من متبنيات المصالحة الوطنية وما تفرع عنها من مجالس للعشائر والكيانات المنحلة والصحوات كما انها منسجمة مع مبادئ الدستور حسبما جاء في الفقرة ثانيا من المادة 45.

وقال انه ليس من الإنصاف بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها هذه المجالس في دعم الدولة في اخطر مرحلة مرت بها البلاد ان يكافأ شيوخ ووجهاء العشائر العربية والكردية بوصفهم بالمرتزقة والجحوش وإذا كان البعض من ابناء العشائر الكردية قد انضموا في السابق الى افواج الجحوش فذلك لايبرر تعميم هذا الوصف على جميع العشائر الكردية ولايسوغ اتهام العشائر العربية والتركمانية بانها من المرتزقة. والجحوش هم مسلحون من الاكراد شكلهم في وحدات شبه عسكرية لمواجهة ما اسماه بالمتمردين من عناصر الاحزاب الكردية الذين كانوا يرفعون السلاح ضده.

وعبر رئيس الوزراء العراقي ايضا عن استغرابه لأسلوب الترهيب الذي تضمنه البيان المشترك الصادر عن المكتب السياسي للحزبين الكردستانيين في مطالبة حكومة اقليم كردستان بمنع اي مواطن او شيخ عشيرة في اقليم كردستان وخارجه من الانخراط في صفوف هذه المجالس ،وهو ما يعد انتهاكاً خطراً للحريات وتجاوزاً على الحقوق الدستورية للمواطنين.

دعوة الى الحوار

وقال المالكي في الختام quot;نجدد الدعوة للاخوة في الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ولجميع شركائنا في العملية السياسية ،للابتعاد عن التصعيد الاعلامي واللجوء الى لغة الحوار والتفاهم بعيدا عن إطلاق البيانات والتصريحات التي تزيد الوضع تعقيدا وتزعزع الأمن والاستقرار والانسجام بين مكونات الشعب العراقي الواحد وان يكون العراق همنا الاول والأخير بعيداً عن الحسابات الضيقة وإعتماد الدستور أساس لحل خلافاتنا وليس عبر اساليب التحريض والتهديدquot;.

وكانت قيادتا الحزبين الكرديين الرئيسين قد رفضتا امس الاول موافقة المالكي على إنشاء مجالس اسناد في محافظة كركوك الشمالية الغنية بالنفط التي يطالبون بها. فقد اكدت قيادتا الحزبين اثر اجتماع في مدينة اربيل (220 كم شمال بغداد) انهما quot;ترفضان رفضاً قاطعاً تشكيل مجالس الإسناد في كركوكquot;. وقال الحزبان في بيان عقب الاجتماع quot;مرة اخرى ظهرت مسألة مجالس الإسناد في كردستان والمناطق المتنازع عليها من قبل السيد رئيس الوزراء العراقي وقد اعلن سابقاً المكتبان السياسيان للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وكذلك التحالف الكردستاني وحكومة اقليم كردستان موقفهم الرافض لمثل هذا المخطط الخطر الذي يخلق بشكل من الأشكال ظاهرة المرتزقة (الجحوش) في كردستان والمناطق المتنازع عليها.quot;

الاكراد: أحياء لظاهرة المرتزقة

واكد الحزبان قائلين quot;أولاً : مجالس الإسناد مخالفة للدستور الدائم والقانونين المصادق عليها من قبل مجلس النواب العراقي. ثانياً : تشكيل هذه المجموعات والفرق المسلحة لايتلاءم مع فكرة اغلبية القوى السياسية العراقية والرأي العام المطالب بحل الميليشيات. ثالثاً: تشكيل هذه القوة العشائرية احياء للعلاقات المتخلفة وهذا مخالف للعميلة الديمقراطية وتقدم المجتمع والحياة المدنية التي يناضل من اجلها الجميعquot;. وشددا على القول quot;ان المكتبين السياسيين يعلنان رفضمها التام لتشكيل هذه المجالس باي ذريعة كانت على مستوى العراق عامة وكردستان والمناطق المتنازع عليها خاصة. وتشكيل هذه المجالس احياء لظاهرة المرتزقة ومخالف للدستور والقانونquot; على حد قولهما.

وفي ختام بيانهما الذي وزعه مكتب اعلام الاتحاد الوطني قال الحزبان الكرديان الرئيسان quot;في الوقت الذي نعلن فيه موقفنا السياسي المشترك هذا ضد مايسمى بمجالس الاسناد نطالب من حكومة إقليم كردستان ان تمنع اي مواطن ورئيس عشيرة من كردستان من الانخراط في صفوف هذه المجالس ومن يخالف هذه القرارات لن يشمله قرار العفو العام الذي صدر بعد انتفاضة عام 1991 وسيحاكم كذلك على التهم السابقةquot;. وقالت مصادر عراقية ان مخاوف الحزبين الكرديين هذه من مجالس الاسناد تتأتى من خشية انخراط عناصر من العشائر العربية والتركمانية وقسم من الاكراد الذين يختلفون مع الحزبين الكرديين في هذه المجالس والوقوف بوجه نشاطهما في المناطق المتنازع عليها والتي يطالب بها الاكراد وخاصة في محافظتي ديالى وكركوك.

وكان رئيس مجلس محافظة كركوك الكردي رزكار قال في وقت سابق إن quot;المجلس أبلغ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعدم حاجة المحافظة لتشكيل مجالس إسناد في المناطق التابعة لهاquot;. وأوضح أن quot;الأجهزة الأمنية في محافظة كركوك أكدت عدم حاجتها إلى تشكيل مجالس للإسناد في المحافظة نظرا إلى استقرار الوضع الأمني حاليا فيهاquot;. وأكد أن quot;الدستور العراقي لم يعط أي صلاحيات لأي مسؤول بتشكيل قوات غير نظامية خارج المؤسسات العسكرية التي حددها، والمتمثلة في الجيش والشرطةquot; على حد قوله. كما انتقد قائد شرطة الأقضية في محافظة كركوك العميد سرحد قادر وهو كردي موافقة المالكي على انشاء مجالس اسناد في المحافظة .. وقال quot;إنها قد تؤثر سلبا في الوضع الأمنيquot; مشيرا الى ان خلف قرار الحكومة تشكيل مجالس اسناد دوافع سياسية . مؤكدا أن كركوك مستقرة أمنياً وليست هناك حاجة عملية الى مثل هذه المجالس .

وكان المالكي وافق قبل أيام خلال استقباله جمعا من رؤساء عشائر ووجهاء محافظة كركوك (260 كم شمال بغداد) على تشكيلِ مجالس إسناد في محافظة كركوك على أن تراعي هذه المجالس التنوع الموجود في المحافظة وأن لا تلغي أحدا ولا تستثني أحدا شرط أن تساند الحكومة العراقية المركزية في القرارات والقوانين التي تتخذها بشأن كركوك. واعلن المالكي موافقته على انشاء المجالس خلال استقباله وجهاء ورؤساء عشائر في المدينة . وقال الناطق باسم الحكومة علي الدباغ ان وجهاء محافظة كركوك عرضوا المشاكل والصعوبات التي تعاني منها المحافظة في المجال الأمني والخدمي، ووجه مجلس الوزراء الجميع الى ضرورة التعايش والتآخي بين جميع مكونات كركوك . وأشار إلى موافقة المالكي على تشكيل مجالس اسناد في مركز المحافظة والأقضية والنواحي التابعة لها على ان تحفظ هذه المجالس التنوع الموجود فيها وألا تلغي احدا ولا تستثني احداً.

ويؤكد مسؤولون حكوميون أن مجالس الإسناد تختلف بآليات عملها واهدافها عن مجالس الصحوة التي شكلت في المناطق السنية على رغم ان العشائر هي القاسم المشترك بينهما. وكان قرار الحكومة العراقية تشكيل مجالس اسناد في محافظات الجنوب فجر جدلاً واسعاً بين حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي و المجلس الأعلى العراقي الذي يتزعمه عبدالعزيز الحكيم وهما القوتان الرئيستان في الحكومة. ودافع حزب الدعوة عن مجالس الاسناد باعتبارها تلعب دوراً ايجابياً في دعم الحكومة والعملية السياسية والمساعدة في تأمين الأوضاع الأمنية فيما اعتبر المجلس الأعلى أن هذه المجالس شكلت لتكون منفذاً لنفوذ حزب الدعوة على حساب الاحزاب الأخرى خلال انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها نهاية كانون الثاني (يناير) المقبل ما استدعى قراراً حكومياً بمنع تشكيل مجالس اسناد تابعة لأحزاب سياسية وحصر تشكيلها بالحكومة.

يذكر أن مجالس الإسناد تشكلت منتصف العام الحالي بدعوة من المالكي لشيوخ ووجهاء العشائر في المحافظات الجنوبية لإسناد القوات الأمنية لكن هذا الاجراء لاقى معارضة من قبل بعض القوى السياسية التي اعتبرتها وسيلة لكسب الولاءات في الانتخابات المحلية المقبلة. وتعتبر مدينة كركوك من أهم المناطق المتنازع عليها ويعيش فيها خليطا من العرب والاكراد والتركمان والمسيحيين وتحتوي على خزين هائل من النفط يعتبر الأكبر في شمال العراق.

وخلاف حول تعديل الدستور

وجاءت المعارضة الكردية لتشكيل مجالس الاسناد في كركوك بعد يومين من خلاف عنيف بين الاكراد والمالكي اثر دعوته السبت الماضي لتقوية صلاحيات الحكومة المركزية على حساب صلاحيات الاقاليم والمحافظات. وقد رفض سياسيون اكراد على الفور هذه الدعوة وعدوها مضادة للدستور وتفقد المالكي شرعيته. وقال فلاح مصطفى رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة اقليم كردستان ldquo;اذا اردنا تقوية العراق فيجب أن يكون ذلك من خلال تقوية الأقاليم والمحافظات وليس بعكس ذلك كما يطالب المالكيrdquo;. واوضح ان الاكراد ldquo;مع تغيرات تجرى على الدستور العراقيrdquo; ولكن وفق الآلية المحدد في الدستور وبشرط ان تصب التغيرات في اطار توسيع الحريات القومية والدينية وسيادة القانون أما ldquo;بالنسبة إلى تغييرات تصب في تقليص صلاحيات الاقليم نحن نرفض هذا تماماrdquo;.

معروف ان عدة خلافات ما زالت من دون حل بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان ومنها اضافة الى هاتين القضيتين خلاف حول عقود النفط والغاز التي تعقدها حكومة أقليم كردستان مع شركات نفط عالمية لاستغلال النفط في الاقليم ولاتعترف بها حكومة بغداد واخر حول حصة الاقليم من الموازنة العامة حيث يطالب الاكراد ويحصلون منذ 5 سنوات على نسبة 17% منها .. لكن الحكومة المركزية تقول انها يجب ان تكون 13% اعتبارا لنسبة عدد الاكراد بالنسبة إلى مجموع السكان العراقيين ثم قضية كركوك والتي يطالب بها الاكراد والحكومة غير متحمسة لذلك وتسعى إلى تعطيل تنفيذ المادة الدستورية 140 المتعلقة باجراء استفتاء واحصاء سكاني فيها .