لجنة تنصيب أوباما تحدد سقف المساهمات الفردية
واشنطن: تواصل إدارة بوش، حتى في أيامها الأخيرة، حملتها الطويلة لعزل سوريا وكيل الاتهامات لها من مساندة الإرهاب إلى تقويض أمن لبنان، ثم محاولة حيازة قُـدرات نووية. وواصلت إدارة بوش التّـحريض على استعداء المجتمع الدولي لسوريا، بل وتورّطت في شن هجوم بطائرات الهليكوبتر على قرية البوكمال داخل سوريا بالقرب من الحدود مع العراق. فهل يأتي انتخاب باراك أوباما بمستقبل أفضل للعلاقات السورية الأميركية؟

لمناقشة هذه القضية، استضاف مركز الحوار العربي في واشنطن السفير السوري الدكتور عماد مصطفى، الذي أكّـد في بداية النّـدوة على أن انتخاب باراك أوباما يمثل خطوة هائلة، ليس في تاريخ الولايات المتحدة فحسب، وإنما في تاريخ الإنسانية، حيث يشكِّـل وصول أوباما إلى أهمّ وأقوى منصب في العالم، رغم أنه ينتمي إلى أقلية كانت تُـعاني من الاضطهاد والتّـفرقة العنصرية إلى منتصف القرن الماضي، سابقة تاريخية، حيث لم يسبق في تاريخ إمبراطوريات العالم أن وصل شخص من خلفية مُـماثلة، إلى قمة السلطة في إمبراطورية عالمية.

وأعرب السفير عماد مصطفى عن اعتقاده بأن باراك أوباما سيقدّم صورة مغايِـرة تماما لما اعتاد عليه الأميركيون لشخص الرئيس، من خلال إقراره بأنه يقرأ بنهم ويتعرّف على الأفكار السياسية الكبرى، وأن لديه اهتمامات فكرية وثقافية، مما سيقدمه كقارِئ مدقّـق لتاريخ الإنسانية والعلوم السياسية، وبذلك، سيتميز بمدارك فكرية متطوّرة يمكن أن توفر له دِرعا واقيا من محاولات مستشاريه التأثير عليه بشكل أو بآخر، ممّا سيقلص من خطورة الانزلاق وراء مغامرات خرقاء تجسّـد الانعدام الفكري للرئيس الأميركي، كما حدث مع رؤساء أميركيين سابقين.

ولكن السفير السوري سارع إلى التّـنبيه إلى عدم المبالغة في التفاؤل بما سيأتي به انتخاب باراك أوباما، لأن النظام الأميركي يقوم على مؤسسات سياسية راسخة الجذور وليس على أشخاص، ولكن ما يمكن قراءته هو اختيارات أوباما لأشخاص مثل رام إيمانويل كرئيس لهيئة موظفي البيت الأبيض وغيره من اليهود الأميركيين كمستشارين مقربين له، مما يعكس حقيقة مدى التّـغلغل والنفوذ القوي الذي يتمتع به أنصار إسرائيل في الساحة السياسية الأميركية لضمان أن يبقى أوباما كغيره من الرؤساء الأميركيين، الصديق الصّدوق لإسرائيل، ولكن على الجانب الآخر، هناك مؤشرات إيجابية تتعلّـق بالمنهج السياسي للرئيس المنتخب والمدرسة الفكرية والسياسية التي ينتمي إليها والطرح العام الذي طرحه أثناء الانتخابات، توفر أساسا لشعور أقلّ بالقلق بالمقارنة مع إدارة الرئيس بوش وجوقة صقور الحرب الاستباقية والمحافظين الجُـدد التي أحاطت به.

ولعل أهم ما يُـطمئن بالنسبة لمنهج أوباما، أنه يعارض العنف العسكري والاستعانة أولا بالانخراط الدبلوماسي والحوار وإشراك حلفاء أميركا والمجتمع الدولي في البحث عن الحلول الممكنة للمشكلات والأزمات الدولية، بما في ذلك الحوار مع خصوم أميركا.

وفي هذا الصدد، نبّـه الدكتور عماد مصطفى إلى أن سوريا ليست من خصوم الولايات المتحدة وأن كل مشاكل سوريا مع الولايات المتحدة، بدون استثناء، تنبثق من إسرائيل وليست مشاكل ثنائية بين واشنطن ودمشق.

الأمل في تحسين العلاقات السورية الأميركية

وتطرّق السفير السوري في ندوة مركز الحوار العربي في واشنطن إلى ما يُـمكن أن يطرأ على العلاقات السورية الأميركية من تحسّـن في المستقبل القريب فقال: quot;لدينا أمل قوي في القريب العاجل أن تتحسّـن هذه العلاقات، ليس فقط بسبب شخصية أوباما، ولكن لأن مُـعظم المحيطين به فيما يتعلّـق بالسياسة الخارجية، سيكونون من المعتدِلين على الأرجـح، ونحن لا نطلب من الرئيس الأميركي القادم تفضيل المصالح العربية على المصالح الإسرائيلية، كل ما نطلبه منه هو تفضيل المصالح الأميركية على المصالح الإسرائيلية، وسيكون هذا إنجازا عظيما جداquot;.

وأعرب الدكتور عماد مصطفى عن الأمل في أن يغلب على إدارة الرئيس أوباما القادمة منطق الوسط الحصيف العقلاني، الذي عبّـر عنه السناتور الديمقراطي جون كيري والسناتور الجمهوري شاك هيغل في مقال مشترك، طالبا فيه بانتهاج أسلوب الحوار مع الأطراف المختلفة في الشرق الأوسط عِـوضا عن أسلوب الاستعداء ومحاولة فرض العزلة على من لا ترتضي واشنطن سياساتهم في المنطقة، وهو منطق استند إليه تقرير بيكر ndash; هاملتون، الذي يطالب بانخراط سياسي ودبلوماسي أميركي مع كل من سوريا والعراق ودول الجوار.

وقال السفير السوري، إن منطق الحوار العقلاني سيكون من صالح الولايات المتحدة، حيث أن سنوات بوش الثمانِ، التي استهدفت عزل سوريا، أسفرت بدلا من ذلك عن تقلّـص الدور الأميركي في المنطقة، بينما تمكّـنت سوريا وقطَـر من إرساء أسُـس لإنهاء الأزمة الرئاسية في لبنان بمعزل تامّ عن أي تأثير أميركي، كما تمكّـنت تركيا من ترتيب حِـوار سوري إسرائيلي غير مباشر، رغم الضغوط الأميركية للحيلولة دون أي صفقة سلام يُـمكن أن تُـسفر عنها مفاوضات سورية إسرائيلية.

وردّا على سؤال عما إذا كانت سوريا تستشف من تصريحات أوباما ما يدفعها إلى الاعتقاد بإمكانية تبنِّـيه موقفا عادلا من قضايا الشرق الأوسط، وبالتالي، إمكانية تحسين العلاقات السورية الأميركية، قال السفير عماد مصطفى: quot;من السابق لأوانه أن نحكُـم منذ الآن على سياسة ورُؤية الرئيس القادم وإدارته من خلال التصريحات أثناء الحملة الانتخابية أو من خلال خطاب أوباما الشهير أمام اللّـوبي الإسرائيلي المعروف بالإيباك، الذي كتبه له السفير الأميركي السابق في مصر وإسرائيل دانيال كيرتزر، والذي استهدف كسر حدّة العداء الذي كان مُـتبلورا بشدّة تجاه أوباما من قِـبل اليهود الأميركيين في البداية، ولكن سيمكن الحكم المبدَئي على توجّـهات إدارة أوباما، متى تمّ تشكِـيل فريق السياسة الخارجية والأمن القومي في تلك الإدارة، بل والطاقم المُـحيط بنائِـبه جوزيف بايدن. أما الحكم النهائي على توجّـهات واستراتيجيات إدارة أوباما، فستستند إلى الممارسة الفعلية، وتعمد سوريا في هذا الصّـدد إلى تخفيض سقف التوقّـعات كثيرا، رغم الإقرار بالأهمية الكبرى لانتخاب زعيم له فِـكر مستقل مثل أوباما، وبرغم إدراك سوريا لأن انتخاب أوباما يعكس رفضا شعبيا أميركيا لكل ما كانت ترمز إليه إدارة بوش، ولكن بشكل عام تتوقّـع سوريا مستقبلا أفضل لعلاقاتها مع الولايات المتحدة في عهد أوباماquot;.

وقال السفير السوري، إن عددا لا بأس به من الوفود الأميركية المقرّبة من الرئيس المنتخب، قامت بزيارات إلى سوريا لجسّ النبض والوقوف على حقيقة المواقف السورية حِـيال المنطقة بشكل عام، وهذه ظاهرة طيِّـبة تمكِّـن الطرفين، السوري والأميركي، من استشراف آفاق محتملة للحوار والتفاهم، بدلا من الاستعلاء ومحاولة فرض العزلة على من تختلف مواقِـفهم عن الموقف الأميركي، ولكنه نبّـه إلى أنه من السّـذاجة السياسية مطالبة الرئيس الأميركي بالقيام بدور المدافع عن القضايا والمصالح العربية، فهذا دور يجب أن تقوم به الأطراف العربية منفَـردة ومجتمعة، لا أن تتفتّـت وتسعى بعض تلك الأطراف للتّـحالف مع من يُـناصبون المصالح العربية العداء، لذلك، يجب أن لا ينتظر أحد الكثير من الرئيس المنتخب أوباما، قبل أن تبذل الأطراف العربية الجُـهد اللازم لتطوير إستراتيجية عربية تستند إلى المصالح العربية المشتركة.

ونبّـه الدكتور عماد مصطفى، إلى أن النظام الأميركي يسمح بتسجيل رسمي لجماعات الضغط التي تروّج لمصالح الدول الأخرى في الولايات المتحدة، ومن المؤسف أن العرب تركوا الساحة للُّـوبي الإسرائيلي ولم يمارسوا حقّـهم في الضغط على الإدارة الأميركية من أجل تحقيق المصالح العربية، فيما واصل اليهود الأميركيون مُراكمة نفوذهم على مدى عشرات السنين من خلال جماعات الضّـغط ومراكز البحث والتّـحليل السياسي، وتساءل في نهاية مداخلته: quot;هل سيحاول العرب التأثير على بعض مفاصل اتِّـخاذ القرار في الولايات المتحدة، بدلا من انتظار ما الذي سيجيء به أوباما؟quot;..

محمد ماضي- واشنطن