هاجس الخلافة المسيطر على النظام يرهن مستقبل البلاد
أوباما وأزمة الخلافة القادمة فى مصر

محمد حميدة من القاهرة: quot;أوباما وأزمة الخلافة القادمة في مصر quot;تحت هذا العنوان ناقش جيفري ازارفا زميل معهد quot;انتربرايquot; الأميركي في دراسة جديدة للمعهد، قضايا السياسة الخارجية في مصر تلك التي ستواجهها الإدارة الأميركية الجديدة، وأبرزها قضية الخلافة القادمة، وما يجب أن تفعله الإدارة بقيادة الرئيس المنتخب باراك اوباما حيال هذه القضية الشائكة، وشكل العلاقة مع الرئيس القادم، واستراتيجياتها المقبلة في التعامل مع مصر. تقول الدراسة إن الرئيس المنتخب باراك أوباما تطرق في أحاديثه كثيرًا الى أولوياته فى منطقة الشرق الأوسط وكيفية تعامله مع العديد من التحديات في هذه المنطقة، إلا أن سجل مصر جاء خاويًا، لكن لن يبقى ذلك طويلاً، فمصر ربما لا تشكل أولوية في الوقت الحاضر بالنسبة إلى أوباما، إلا أن إدارته ستكون قريبًا في حاجة إلى خطة لتغيير القيادة في مصر تسهم في استقرار البلد على المدى الطويل.

وتضيف الدراسة ان مصر تدخل اليوم فترة من التقلب والتغيير، لا يجب ان تتم بمنأى عن رقابة اوباما. فالرئيس مبارك الذى رأس مصر لمدة خمسة دورات رئاسية أميركية، سوف يغادر قريبًا السلطة إما بمحض إرادته بعد انتهاء فترة ولايته الحالية التى تنتهي في عام 2011 أو لسبب خارج عن إرادته بالوفاة أو العجز. هذا على أقصى تقدير، لكن القضية بالنسبة إلى المصريين هو من سيخلفه. فقضية الخلافة تلاحق الرئيس مبارك منذ سنوات بسبب رفضه تسمية وريثًا أو تعيين نائبًا له. ومنذ عام 2000 أدى هذا المنصب الشاغر وخصوصًا مع بزوغ نجم نجله سياسيًا، إلى زيادة الحديث عن التوريث.

وعلى الرغم من نفي مبارك لمسألة التوريث -كما تقول الدراسة- إلا إن أفعاله لم تفلح في إسكات الشائعات. ومنذ أول انتخابات رئاسية تنافسية في عام 2005 وبدأ تنسيق ونسج مخطط التوريث. وفي عام 2007 مرر الحزب الوطني الحاكم من خلال البرلمان التعديلات الدستورية التى اصطنعت شروط حدت من المنافسة السياسية. و ليس من قبيل المصادفة أن جمال مبارك واحد من بين قلة قليلة مختارة تتوافر فيهم هذه الشروط. ولكن تتويج جمال ليس حتميًا، فهو شخصية مدنية يفتقر الى الخلفية العسكرية في بلد خرج كل رئيس منه منذ ثورة عام 1952 من رتب القوات المسلحة.

لكن السؤال: لماذا ينبغي ان تقلق إدارة اوباما القادمة؟، ليس لأن الخلافة سوف تبعد مصر عن صورتها الغربية، حيث يستبعد عدد كبير من الإسلاميين الاستيلاء على السلطة إلا في حالة وجود نضال رئاسي. لكن لأن مصر بعد الرئيس مبارك يمكن أن تدخل فى حالة طويلة من عدم الاستقرار او حتى ثورة إسلامية تمتد الى عدد من السنوات.

توضح الدراسة ان مصر تغرق في حالة من الاضطراب مع قلة المنافذ السلمية امام المعارضة، وأكثر من 40 % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وعدم قدرة الحكومة على الاستجابة لمعظم الاحتياجات الأساسية للمواطنين. ومن غير المبالغ فيه القول إن هاجس الخلافة الذي يسيطر على النظام يرهن مستقبل البلاد. وإذا تجنب الرئيس القادم الإصلاح ولم يدر الأزمات جيدًا، فإن استقرار مصر الطويل سيكون في خطر. وهو وضع يمكن أن يكون له أكبر تأثير على اتجاه العالم العربي عن الحرب على العراق أو أي قضية حالية أخرى.

وماذا يمكن أن يفعل البيت الأبيض المقبل صوب هذه الخلافة؟ تقول الدراسة، في الوقت الحالي مختصر الجواب هو quot;ليس كثيرًاquot; : في القاهرة وواشنطن يبدو جمال انه عزز وضعه في مقدمة المرشحين. فعلى الرغم من انتفاء اى صفة حكومية له ، إلا انه استطاع ان يتحدث مع كبار المسؤولين بإدارة بوش منذ عام 2003 في اجتماعات فسرت على أنها تأييد ضمني لترشيحه. ونظرًا لاحتجاجات المصريين بشأن quot;تدخلquot; الولايات المتحدة في شؤونها ، فإن الضرورة تقتضي أن تحذر إدارة أوباما من الخوضفي أي مزيد من هذا الجدال.

ولكن اذا انتهى جمال خلفًا لوالده، فإن ذلك من شأنه ان يترك خيارات الولايات المتحدة بين المطرقة والسندان حسبما يقول جيفرى، quot;ان ادارة أوباما ستكون في موقف لا تحسد عليه إما ان تدعم خلافة جمال أو تقف جانبا عند حدوثها، وفى كلا الحالتين يفسر ذلك على أنه فشل لواشنطن فى تعزيز الديمقراطية في مصر، ويلقي المواطنين بالجزء الأكبر من اللوم على أميركا كدوله راعية للنظام. ومع ذلك، الخيارات ليست كلها سيئة بشكل متساوٍ، لأن القادة العرب سوف يحذون حذو خلافة مصر ، وبالتالي إدارة اوباما ستكون في وضع أفضل اذا التزمت الصمت خشية أن تنقل رسالة خاطئةquot;.

وتضيف الدراسة ان هذا لا يعني أنها يجب ان تبقى على الحدود من كل الجوانب. بل ينبغى على الادارة أن تستخدم الفترة الانتقالية فى إعادة تأكيد أولوية الحاجة الإصلاح. وفى هذه الإثناء ضغط الولايات المتحدة سيكون حاسمًا مع الخليفة الجديد. ومن الضروري أن يضغط أوباما على عدة جبهات للمساعدة في خروجها من حالة الشلل.

وهناك مجالان رئيسان بحاجة الى ضغط الولايات المتحدة من أجل التغيير طبقًا للدراسة، الاول : إعادة تحديد الولاية الرئاسية، والثاني : الترخيص للأحزاب السياسية. بالنسبة إلى الأول فقدأحرز الكثيرون التقدم فيه بتعديل مبارك للدستور عام 2005 ليسمح بانتخابات شعبية وتعدد المرشحين ، ولكن الاستمرار في عدم وجود حدود للفترة الرئاسية أدنى بكثير مما هو مأمول. فالرئيس مباركترأس مصر لأكثر من ربع قرن، تقريبا أطول من أي فرعون في العصور القديمة. وإعادة العمل بنظام الدورتين الرئاسيتين كحد الأقصى، التى ألغاها الرئيس الراحل أنور السادات لن يسمح بالتداول السلمي للسلطة فقط ، ولكن من شأنه أيضا أن يساعد على محو الاعتقاد الشائع اليوم عن الرئيس، بأنه فى مقام الرب.

وفي ما يتعلق بالجانب الثاني، فإن احتكار النظام لعملية الموافقة او الترخيص للأحزاب يجب أن تعالج أيضا. فاللجنة البرلمانية مؤلفة فى معظمها من رجال الحزب الوطني, وتمارس في الواقع سلطة الاعتراض على تأسيس اى أحزاب جديدة ، وكما تستخدم سلطتها فى التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب التى يتم الموافقة عليها، ولذا يجب على إدارة اوباما أن تضغط كي تكون اي عملية ترخيص للأحزاب غير مسيسة.

ولكن هل تنجح إدارة أوباما فعلا فى متابعة هذا التغيير؟، خلال حملته الانتخابية تعهد أوباما بإصلاح حلفاء واشنطن. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ومصر كثيرًا ما وصفوا بأنهما تحالف وثيق ، الا ان العلاقات قد توترت في السنوات الماضية ، ويرجع السبب في جزء كبير منها الى الخلافات حول وتيرة ونطاق الإصلاح. لكن من الصعب تصور أن ادارة أوباما تريد ضرب المركب بصخرة حتى لو كان ذلك عن طريق دفع الإصلاح ، ولا سيما مع عدم التيقن من الخلافة التي تلوح في الأفق.

ومع ذلك ، حتى لو وضع اوباما الإصلاح السياسي على قائمة أولوياته ، سيقع أسيرا لواقع العلاقات المتوترة. فقد سكبت عدد قليل من القضايا المزيد من البنزين على العلاقات الثنائية بين البلدين أكثر من برنامج المساعدات الأميركية السنوية ، الذى حصلت مصر بموجبه على 60 مليار دولار فى شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية منذ اتفاق السلام مع اسرائيل عام 1979. ففي السنوات الأخيرة سعى أعضاء من الكونغرس إلى وضع شروط وقيود على المعونة كوسيلة للتعبير عن رفضهم لمستوى الديمقراطية فى مصر. وفي عام 2007 نجح الكونغرس فى تعليق 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية للضغط على مصر من اجل الإصلاح ومنع تهريب الأسلحة الى غزة. الا ان وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس افرجت عن الأموال quot;لأسباب تتعلق بالأمن القوميquot; وقد سبب ذلك غضبًا شديدًا لدى المسؤولين المصريين.

ولكن كما تقول الدراسة من غير المرجح أن تكون آخر مرة، فالنقاش حول وضع قيود على المعونة منذ ذلك الحين ربما هدأ ، لكنه سيعود قريبًا حيث انتهت صلاحية الاتفاق المشترك بين مصر وأميركا الذى عقد في عام 1998 لإعادة هيكلة برنامج المساعدات على مدى 10 سنوات، وخفض المعونة الاقتصادية بواقع 40 مليون دولار سنويًا مع عدم الاقتراب من المعونة العسكرية 1.3 مليار دولار ويجب ان يستبدل. وحاليًا لا تضمن مصر سوى الحصول على 200 مليون دولار مساعدات اقتصادية في عام 2009. وبعد ذلك مستقبل هذه المساعدة غير مؤكد.

والسؤال الذي يطرح نفسه : هل سيحارب أوباما لإبقاء المساعدات الاقتصادية على قيد الحياة؟، تقول الدراسة quot;من المفترضquot;. وبالتركيز اكثر على الدبلوماسية والتعهد بالقيام بدور أكثر مباشرة على صعيد القضية الفلسطينية- الإسرائيلية، التي تساعد فيها مصر بالتوسط تقليديًا، يبدو اوباما غير راغب في إثارة استياء القاهرة. لكنه فى يونيه 2008 ، كتب رسالة الى الرئيس بوش حثه فيها على quot;الضغط على مصرquot; لمحاربة حركة حماس وإيقاف تهريب الأسلحة عبر الحدود بين غزة ومصر. ولم يتطرق اوباما في الرسالة الى اي تفاصيل تخص الكيفية التي ينبغي على بوش ممارسة الضغط.

وتؤكد الدراسة ان هناك اعتبارات أخرى تشير الى احتمال استمرار تلك المساعدات مشيرة الى ملاحظة نائب مساعد وزير الخارجية السابق quot; سكوت كاربنترquot; ان المعونة يجب ان ينظر اليوم كجزء حيوي للحفاظ على التعاون الاستراتيجي مع مصر في الحرب على الارهاب. ومن المحتمل ان يأخذ اوباما بوجهة نظر مماثلة تقول انه بدون غطاء المساعدات الاقتصادية ستخضع المساعدات العسكرية الى مزيد من الاشتراطات.

وبغض النظر إذا كانت المعونة الاقتصادية ستوضع على الرف، من المحتمل أن يصبح الكونجرس القادم أكثر حزما ونجاجا في فرض قيود على المساعدات العسكرية ازاء استمرار تراجع مصر. وقد تزداد العلاقات الثنائية سوءًا في ظل إدارة اوباما على النقيض من اعتقادات المصريين. لكن من الممكن ان يتم تفادى ذلك إذا رسمت القيادة المصرية المستقبلية طريق الإصلاح. والفرصة متاحة امام رئيس مصر القادم لدفع بلاده في القرن الحادي والعشرين. ولكن الخلافة يمكن أن تكون بداية سلسلة من الأزمات في مصر وفيما يتعلق بالعلاقات المصرية الأميركية فى عهد اوباما.