بهية مارديني من دمشق:عبّر الكاتب الآشوري المهتم بقضايا الأقليات سليمان يوسف في تصريح خاص لايلاف عن قلقه على الحريات الدينية في سوريا ، وطالب السلطات متابعة ملفات جرائم ذات طابع طائفي وتشكيل لجان تحقيق وطنية خاصة تحقق في هذه الاعتداءات التي بدأت تقلق مسيحيي الجزيرة السورية والكشف عن الفاعلين واحالتهم الى القضاء لينالوا جزائهم العادل ، وقال quot;منذ نشأتها كدولة حديثة في عشرينات القرن الماضي، تميزت سوريا بالتسامح الديني والتآخي بين مختلف مكونات المجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع الديني والمذهبي والقومي والثقافي وبفضل هذا التسامح والتآخي، نعم المسيحيون- الذين كانت نسبتهم أكثر من 30% من سكان سوريا- كما باقي فئات وشرائح المجتمع السوري بالأمن والاستقرارquot;.وراى انه رغم التراجع الكبير في الحريات السياسية والفكرية وانحسار الهامش الديمقراطي الى أدنى مستوياته، منذ انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة وفرض قانون الطوارئ في آذار 1963 ،بقيت quot;الحقوق والحريات الدينيةquot; لغير المسلمين مصانة من غير أن تتأثر بقانون الطوارئ الذي قيد وبشكل كبير الحريات السياسية والفكرية في سوريا.وتمتع المسيحيون في سوريا بهامش جيد من الحرية والحقوق في ممارسة شعائرهم الدينية والاحتفال بأعيادهم الخاصة، قياساً لأوضاع المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط ذات الغالبية الاسلامية.

واستطر يوسف معتبرا انه يبدو أن الحريات والحقوق الدينية للمسيحيين السوريين لن تبقى على حالها مع تنامي وانتشار الأصولية الاسلامية في المجتمع السوري، الذي بدأ يتأثر بالمناخات والخطابات الطائفية والمذهبية السائدة المخيمة على اجواء المنطقة. فمن يعرف سوريا جيداً وعاش فيها وتجول في مدنها ودخل مطاعمها واقام في فنادق العاصمة دمشق، يمكنه أن يلحظ وبسهولة جداً مدى تراجع وانحسار مظاهر الحياة المدنية والحداثة عن واجهة المجتمع السوري وانتشار مظاهر التدين وأسلمة الحياة الاجتماعية في سوريا ، وبالمقابل،تراجعت وبشكل لافت المظاهر الشعبية لاحتفالات المسيحيين بمناسباتهم وأعيادهم الدينية،وذلك بسبب المضايقات والابتزازات التي يتعرض لها المحتفلون من قبل عناصر ومجموعات اسلامية مشاغبة،رغم نشر دوريات من الشرطة وعناصر أمنية في محيط الكنائس أيام الآحاد والأعياد.

وقال يوسف انه في سابقة خطيرة لم يشهدها المجتمع السوري من قبل، تم استهدافquot;كاهنquot; كنيسة السريان الأرثوذكس quot;في مدينة القامشلي، بينما هو في طريقه للاحتفال بالقداس الإلهي لعيد الميلاد المجيد(25كانون الأول) الماضي، وقد لاذ الجاني بالفرار من غير أن يلقى القبض عليه حتى الآن.أن هذا الاستهداف لرجل الدين المسيحي صباح يوم العيد والذي مس بالعمق مشاعر المسيحيين ليس حدثاً فردياً أو عادياً وعابراً، وانما ثمة جهة منظمة خططت لهذا العمل الجبان،بهدف نشر الرعب و الخوف في نفوس السريان الآشوريين وتهجيرهم من وطنهم كما حصل لآشوريي ومسيحيي العراق.فما حصل للكاهن السرياني في مدينة القامشلي ليس ببعيد، من حيث الزمان والمكان والأهداف، عن ما حصل ويحصل لرجال ورموز الكنيسة في مدينة نينوى quot;موصلquot; العراقية،الشبيهة بتركيبتها السكانية لمدينة القامشلي.

واضاف يوسف انه لهذا من الخطأ جداً ان تتعاطى السلطات السورية مع هذه القضية، ومع غيرها من أحداث مشابهة قد يشهدها المجتمع السوري،على أنها مشكلات وحوادث فردية وانهائها بمجرد اسقاط حق الادعاء الشخصي.ففي قانون العقوبات السوري موادquot; 462 و 463quot; تقضي بمعاقبة كل من يقوم بعمل أو سلوك أو يصرح بكلام من شأنه جرح أو المس بالمشاعر العامة وازدراء الأديان وشعائرها المقدسة.من دون شك،أن المجموعات المتطرفة والعناصر المسيئة في المجتمع تستفيد من التسيب في تطبيق القانون ومن الفساد المتفشي في أجهزة الدولة،ومن غياب الشفافية والنزاهة في المحاكم القضائية السورية،فضلاً عن أن أجهزة ومحاكم الدولة لا تخلو من بعض المتعاطفين مع الأصولية الاسلامية والمؤيدين للتطرف الاسلامي.

واشار الى ان قضية quot;خلع الصلبانquot; في بلدة القحطانية الصغيرة مرت من غير معاقبة الفاعلين،ويبدو أن ملف quot;هدم سور مدرسة سريانية قيد الانشاءquot;، في ذات البلدة، سيقفل وستقيد القضية ضد مجهول.ولا تبدو السلطات المعنية في محافظة الحسكة جادة في الوصول الى الشخص أو الجهة التي تقف خلف عملية الاعتداء على كاهن الكنيسة السريانية في مدينة القامشلي.وهنا تأتي مسؤولية السلطات السياسية العليا في البلاد في متابعة ملفات هكذا قضايا حساسة وتشكيل لجان تحقيق وطنية خاصة تحقق في هذه الاعتداءات الطائفية التي بدأت تقلق مسيحيي الجزيرة السورية والكشف عن الفاعلين واحالتهم الى القضاء لينالوا جزائهم العادل، وذلك لمنع حصول المزيد منها وللحد من مضعفاتها على التماسك المجتمع والسلم الأهلي،ولنشر الثقة والطمأنينة في الشارع المسيحي في مرحلة بدأ يهتز ويتزعزع الوجود المسيحي في المنطقة.ويبدو أن السلطات السورية بدأت تدرك حساسية المرحلة لهذا بدأنا نلحظ كثافة في الخطب والعظات والندوات المشتركة والموجهة لخطباء المساجد والكنائس والتي تؤكد جميعها على قيم العيش المشترك والتآخي بين الأديان.

واكد انه مضى نحو قرن كامل على قيام الدولة السورية وانحسر الوجود المسيحي فيها الى نحو 10%، وثمة أسئلة بدأت تطرح نفسها وتثار حول مستقبل الحريات والحقوق الدينية للمسيحيين.اذ يرى المراقبون للأوضاع السورية،بأن استمرار كبت الحريات السياسية والفكرية سيقوي نزعة التعصب والتطرف في المجتمع وسيفضي في النهاية الى ولادة quot;استبداد ديني مجتمعيquot; بموازاة الاستبداد السياسي، لكنه أشد وطأة، تمارسه الأغلبية العددية على الأقلية وسيجبرها على الانسحاب من الحياة العامة شيئاً فشيئاً والانكماش على الذات،مثلما حصل للمسيحيين في معظم دول المشرق العربي الاسلامي، بغض النظر عن نوايا وتوجهات السلطات السياسية وموقفها من قضية الوجود المسيحي.وثمة من يرى، بأن الانفتاح النسبي من قبل الدولة السورية على جذور وتاريخ المسيحية في سوريا،بدأ يثير حفيظة وحساسية الأصولية الاسلامية المتعشعشة في قاع المجتمع السوري.

ورأى يوسف أن الخوف من quot;البديل الاسلاميquot; في سوريا ، دفع بالمرجعيات المسيحية والمؤسسات الكنسية ونسبة غير قليلة من النخب المسيحية السورية الى التمسك بالنظام البعثي quot;النصف العلمانيquot; الذي يحكم سوريا.وزاد رصيد هذا النظام في أوساط المسيحيين بعد ويلات ومآسي المسيحيين العراقيين في ظل ديمقراطية الميليشيات الطائفية والعرقية والمذهبية والعشائرية التي مزقت العراق وهي تتصارع على السلطة.فرغم عيوب النظام القائم والقمع الذي يمارسه على المجتمع والفساد الذي تفش في عهده،وكذلك رغم تهميشه السياسي للمسيحيين السوريين، وتنكره للحقوق القومية للآشوريين(سريان/كلدان)،بات الشارع المسيحي في سوريا يفضل هذا النظام على أي نظام اسلامي قد يحكم سوريا.وبدأت الكثير من النخب السياسية المسيحية تعيد النظر في قضية التغيير السياسي في سوريا، على الأقل في هذه المرحلة،بعد تأكيد المعارضة السورية ممثلة بـquot;اعلان دمشقquot;على تمسكها بـquot;الهوية الاسلاميةquot; للمجتمع السوري والدولة السورية.