في خطاب ألقاه أمام الجلسة المشتركة لغرفتي البرلمان المصري (مجلسا الشعب والشورى)، في مستهل الدورة البرلمانية الجديدة، قال الرئيس المصري حسني مبارك إن حكومته نجحت في مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والأزمة الاقتصادية العالمية، بمواردها الذاتية وليس بالمساعدات أو الاستدانة من الخارج، منوها بأن مصر أدارت هذه الأزمة الاقتصادية الراهنة بحكمة ، ولا تزال تديرها من دون المساس بعجز الموازنة العامةquot;، على حد قوله .

وفي إشارة ذات مغزى، وبدت تلميحاً لأصداء الأزمة الأخيرة بين مصر والجزائر، بعد مباريات منتخبي كرة القدم في البلدين، وما أعقبها من أعمال عنف طالت بعض المصريين سواء في السودان أو الجزائر، اكد الرئيس مبارك ان مصر لا تقبل أي مساس بأبنائها، وقوطع مبارك مرات عدة بتصفيق حاد من قبل نواب البرلمان بغرفتيه ، الشعب والشورى، لدى تأكيداته أن حماية المصريين المقيمين في الخارج هي مسؤولية الدولة، ولن تتخلى عنها مهما كانت المبررات، غير أنه لم يشأ أن يربط صراحة بين هذه العبارات ذات الدلالات الواضحة، والأزمة المحتدمة على الصعيدين الرسمي والشعبي بين مصر والجزائر، والتي تمثلت في استدعاء سفيري البلدين للتشاور، والحملات الإعلامية المتبادلة بين الصحف وغيرها من وسائل الإعلام في البلدين .

وأعاد مبارك ثلاث مرات القول بمفردات ذات مغزى: quot;نضع سياستنا الخارجية في خدمة قضايا التنمية والداخل المصري وجالياتنا على اتساع العالم، إن رعاية مواطنينا بالخارج مسؤولية الدولة، نرعى حقوقهم ولا نقبل المساس بهم أو التطاول عليهم أو امتهان كرامتهم، وأقول بكلمات واضحة، إن كرامة المصريين من كرامة مصر، ومصر لا تتهاون مع من يسيء لكرامة أبنائهاquot;، حسب تعبير الرئيس المصري .

وتصاعد التوتر بين مصر والجزائر حول مباراتين حاسمتين في التصفيات لنهائيات كأس العالم، وأجريت المباراة الأولى في مصر يوم السبت الماضي، في ما كانت المباراة الثانية في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الأربعاء الماضي، ما أدى إلى مواجهات بين المشجعين ، وحملات متبادلة بين شتى وسائل الاعلام المصرية والجزائرية ، ما خلق مناخاً سياسياً وشعبياً متوتراً في العلاقات بين البلدين، على نحو غير مسبوق بهذه الدرجة من الحدة.

إسرائيل والفلسطينيون

كما تطرق مبارك أيضاً للوضع في الشرق الأوسط، وحمل إسرائيل المسؤولية عن تقويض فرص عملية السلام بمخططاتها لتهويد القدس وحفرياتها في محيط المسجد الأقصى، ومواجهات مستوطنيها وقواتها مع الفلسطينيين في الحرم الشريف .

وتوجه مبارك بحديثه إلى قادة إسرائيل قائلاً : quot;إنكم تضعون عقبات جديدة في طريق السلام، بدعوتكم للاعتراف بيهودية الدولة، والتفاوض على حدود موقتة للدولة الفلسطينية، واستبعاد القدس من مفاوضات الحل النهائيquot;.. وأضاف قائلاً quot;أوقفوا ممارساتكم في الضفة الغربية، ارفعوا حصاركم عن غزة، وكفاكم تعنتا ومراوغة، امتثلوا لنداء السلامquot;، على حد تعبير الرئيس المصري .

وتابع مبارك قائلاً : quot;سنظل على استعداد - كعادتنا - لدعم كل جهد صادق ونزيه يوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، يستأنف المفاوضات من حيث انتهت مع الحكومة الإسرائيلية السابقة وفق إطار زمني محدد وضمانات واضحة، مفاوضات جادة تلتزم بالشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام ، تحقق السلام العادل وتقيم الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدسquot; .
وتعرض مبارك للانقسام الفلسطيني بين الفصائل والمنظمات المختلفة، خاصة فتح وحماس قائلاً: quot;وفي السياق ذاته، فإننا لن نفقد الأمل في إنهاء الانقسام الفلسطيني الراهن، فهو متطلب ضروري للدفاع عن قضيتهم، ورفع المعاناة عن شعبهم ، لقد بذلنا جهودا مضنية منذ شهر مارس الماضي من أجل وفاق وطني يحقق المصالحة بين السلطة الوطنية والفصائل .

وبلغة تحذيرية واضحة قال الرئيس المصري quot;واصلنا هذه الجهود بالكثير من الصبر والمثابرة، رغم تباعد الرؤى والمواقف بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، ورغم ضغوط خارجية - نعلمها - مورست على الفصائل لإفشال الجهود المصرية، وأقول بكلمات صريحة وواضحة إن مصر لن تقبل المزيد من المماطلة أو أن تستمر هذه الجهود إلى ما لانهاية، وعلى الفصائل أن تتحمل مسؤوليتها أمام الشعب الفلسطيني وأمام التاريخquot;، على حد تعبير مبارك .

تشريعات ودعوات

وفي الشأن الداخلي الذي استحوذ على الجانب الأكبر من كلمة مبارك، كان لافتاً قوله quot;إنني كرئيس لكل المصريين أؤمن بأننا جميعا في خندق واحد ندافع عن القيم والمصالح المشتركة لشعبنا ، وتجمعنا وحدة الهدف والمصير، وإنني أمد يدي لكل مصري ومصرية لنعمل يدا بيد من أجل الوطنquot; .

ومضى مبارك موضحاً أنه سوف يحيل خلال الدورة البرلمانية الجديدة عددا من مشروعات القوانين المهمة ، quot;بغرض استكمال البرنامج الخاص لاحتواء تداعيات الركود الاقتصادي العالمي وتدعم استعدادات مصر لمزيد من النمو وفرص العمل، وتعزز تحركات توسيع قاعدة العدل الاجتماعي وجهود الارتقاء بالخدمات العامةquot; .

ونوه مبارك في هذا السياق بأنه سيتقدم للدورة البرلمانية الجديدة بطلب اعتماد إضافي لبرنامج ثالث للإنعاش الاقتصادي، يتجاوز عشرة مليارات جنيه مصري ليوجه بصفة أساسية لمشروعات المياه والصرف الصحي والطرق وقرى الظهير الصحراوي ، بغرض إعطاء دفعة جديدة لما حققته برامج تحفيز الاقتصاد المصري في مواجهة الركود العالمي الراهن .

وتابع الرئيس المصري قائلاً : quot;إننا نفتتح هذه الدورة البرلمانية الجديدة عاقدين العزم على مواجهة تحديات الداخل والخارج صفاً واحداً، وبروح وعزم المصريين، ونعلم أننا على الطريق الصحيح كما نثق في قدراتنا على التغلب على هذه التحديات ، كما فعلنا ذلك في العديد من الأوقات الصعبة والعديد من الصعاب والأزمات .. لدينا التزامات ثابتة تجاه البسطاء والفقراء ومحدودي الدخل ، والتزامات مماثلة تجاه الفلاحين والعمال وأبناء الطبقة الوسطى، وتجاه كل مواطن مصري وأسرة مصرية .

واختتم الرئيس المصري كلمته أمام البرلمان قائلاً إنه يطرح quot;رؤية لمجتمع مصري نحلم به ونسعى إليه باقتصاد تزداد موارده ينمو عاما بعد عام، وبنية أساسية أكثر تطورا واتساعا وجذبا للاستثمار، مجتمع يوفر المزيد من فرص العمل لشبابه ، والمزيد من الدخول لمواطنيه ، ويتيح لهم مستوى أفضل من الخدمات، ومستوى أفضل للمعيشة، ويرعى الفقراء من أبنائه ، ويواصل الاستهداف الجغرافي للقرى الأكثر احتياجا ، يمضي في تطوير العشوائيات، يعزز التكافل بين أبناء الوطن وينحاز للبسطاء والمهمشين.