عبد الهادي بوطالب

توفي أمس الأربعاء، بالعاصمة المغربية، الأديب والسياسي عبد الهادي بوطالب، عن عمر 86 عاما كان سيكملها يوم الثالث والعشرين من الشهر الجاري.

الرباط: برحيله فقد المغرب أحد أبرز وجوه ورجالات السياسة والفكر الذين طبعوا تاريخه المعاصر، سواء خلال مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، أو بعد الاستقلال حيث شارك الفقيد في أول حكومة ائتلافية، ممثلا لحزب الشورى والاستقلال، باعتباره أحد أبرز قيادييه مثل زميله الراحل أحمد بن سودة اللذين وحدهما مسار سياسي متشابه انتهى بهما في الديوان الملكي، مستشارين متجاورين قريبين من بعضهما ومن العاهل الراحل الملك الحسن الثاني، الذي أسند قبل ذلك مهام أخرى إلى بوطالب. اذ كان بوطالب وزيرا أساسيا في عدة حكومات سياسية وتقتنوقراطية، مشرفا على قطاعات حيوية كالعدل والخارجية والتعليم والإعلام، كما رأس مجلس النواب عام 1970، وهي تجربة في المجال التشريعي لم تعمر طويلا، فقد وضعت حدا لها محاولة الانقلاب العسكري الذي دبر ضد نظام الملك الحسن الثاني، الذي افلت من الموت بأعجوبة يوم التاسع من تموز/يوليو 1971 بقصرquot;الصخيراتquot;، بضواحي العاصمة المغربية حيث كان يحتفل بذكرى ميلاده وسط ضيوف مغاربة وأجانب، سقط منهم كثيرون برصاص الضباط الشباب المهاجمين.

ولم يكن الراحل بوطالب، متحمسا لتجربة رئاسة البرلمان، الذي قاطعته المعارضة ممثلة بأحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، التي اتخذت موقفا سلبيا من الاستفتاء على دستور عام 1970، واعتبرته تراجعا عن المكاسب التي تضمنها أول دستور للمملكة عام 1962، الذي أبطل العمل به عام 1965 إثر الاضطرابات العنيفة التي اندلعت يوم 23 آذار/مارس بمدينة الدار البيضاء، أعلن على إثرها حالة الاستثناء التي دامت حوالي خمس سنوات.

إقرأ المزيد:


المغرب يستعد للحسم في أكثر ملفات الإرهاب إثارة للجدل

محمد المجاهد:على قوى اليسار بلورة صيغة فيدرالية في المغرب

تشكيل فرق برلمانية يحكم خريطة تحالفات سياسية في المغرب

أول مصاهرة بين القصر الملكي المغربي وأوروبا

10 سنوات على حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس

التعديل الحكومي في المغرب.. ضرب عصفورين بحجر واحد؟

اعتقدت المعارضة أن العودة إلى الحياة البرلمانية الطبيعية ستتم عبر دستور متقدم عن سابقه، يؤسس لانفتاح نحوها، لكن الملك الحسن الثاني، فاجأ المغاربة وأحزابهم بدستور مقنن للحريات العامة، قلص عبره دور البرلمان الذي أصبح غرفة واحدة، وأحاط الملك نفسه بصلاحيات مطلقة، دون أن يتنازل للحكومة عن سلطات تنفيذية مهمة.

وتميزت علاقة بوطالب بالملك الحسن الثاني، بالشد والجذب، تحكم فيها مزاجهما الصعب. فقد جعله الملك ضمن الدائرة المقربة إليه وأسند إليه أدوارا سياسية دقيقة ودبلوماسية، سواء في الداخل والخارج، دون أن ينجو من فترات غضب ملكي كانت تطول أحيانا ثم تنتهي بالصفح عنه وإعادته إلى واجهة الأحداث.

ولم ينس الملك الحسن الثاني أن بوطالب، الذي لقنه أصول اللغة العربية وآدابها وحببها إليه، بعد أن اختاره الملك الراحل محمد الخامس ضمن الأسرة التعليمية بالمعهد المولوي التابع للقصر الملكي، مكافأة له على تفوقه في امتحان تخرجه من جامعة القرويين التي منحت بوطالب شهادة العالمية وهو لا يزال شابا.

ومن المؤكد أن الحسن الثاني كان يقدر نبوغ بوطالب، وتضلعه في علوم اللغة العربية التي أبدع بها نصوصا أدبية رائدة بوأته مكانة مميزة في مشهد الأدب المغربي الحديث، ومن هنا سر تلك العلاقة المضطربة بينهما والتي انتهت بخروج بوطالب من الديوان الملكي وإنهاء مهامه كمستشار، اذ ان الملك الحسن الثاني لم يعد يتحمل، بسبب وطأة المرض في سنواته الأخيرة، أية معارضة لأفكاره، بينما كان بوطالب يعتقد أن من واجبه إسداء المشورة الخالصة للملك.

استطاع بوطالب وهو خريج جامعة تقليدية المتضلع في الفقه والثقافة الكلاسيكية، أن يستوعب اللغة الفرنسية لدرجة الإتقان، متفوقا على من درسوها بانتظام. ولما وجد نفسه سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة الأميركية عام 1975 في أوج بدايات أزمة الصحراء، نجح في الانتصار على حاجز اللغة الإنجليزية، فتعلمها حتى صار متحدثا بها، شارحا لمن يهمهم الأمر سياسة بلاده الخارجية.

ويدل سجل المناصب والمسؤوليات التي اضطلع بها أنه مثل بالنسبة للملك الحسن الثاني quot;الوزير الذي لابد منهquot; بالنظر إلى ماضيه الوطني، وكونه سياسيا محنكا وخطيبا مفوها وكاتبا بارعا وعصاميا نادر المثال. وقد يكون ما أثار إعجاب الملك فيه الدائم، عدا تلك الصفات، أنه قارئ ظل يلتهم الكتب التي لم تفارقه إلى أن فارق الحياة.

إذ على الرغم من المهام التي تقلدها إلى جانب الملك الحسن الثاني، وتأزم علاقته بأحزاب المعارضة، فإنه حظي باحترامها، فقد اعتبرته خصما سياسيا جديرا بالاحترام. وعندما قرر الملك الحسن الثاني طي صفحة الماضي تدريجيا والانفتاح على المعارضة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بإشراكها في تدبير الشأن العام، فإن بوطالب ساند ذلك التحول، وينسب إليه أنه شارك في تحرير دستور 1992 المعدل عام 1996 الذي أرسى أسس تجربة الانتقال السياسي في المغرب التي توجت بتشكيل حكومة التناوب بقيادة السياسي عبد الرحمن اليوسفي.

خرج بوطالب من دواليب السلطة ليستعيد دوره ومكانه في الجامعة وفي المنتديات الثقافية، محاضرا مدافعا عن التحديث والإصلاح السياسي الذي جعله الملك محمد السادس شعار عهده.