برن:لم يسمح اللقاء الذي جمع مؤخرا نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي بوزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري على هامش الدورة 39 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بتجاوز الخلافات لكنه شكل أول لقاء على أعلى مستوى منذ اندلاع هذه الأزمة التي يبقى حلها مرهونا بمواصلة المفاوضات الدبلوماسية.

لم تتحقق الآمال التي عبر عنها نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي في مفتتح المنتدى الاقتصادي العالمي باحتمال تجاوز الأزمة التي تمر بها العلاقات الليبية السويسرية منذ اعتقال شقيقه هانيبال القذافي وزوجته ألين في أحد فنادق جنيف يوم 15 يوليو 2008 بسبب سوء معاملة اثنين من الخدم الخاصين.

ومع أن هذه اللقاءات لم تسفر عن التوصل إلى حل نهائي لهذه الأزمة التي تسمم العلاقات بين برن وطرابلس إلا أنها كانت بمثابة quot;كسر للجليدquot; بين الطرفين نظرا لأنها المرة الأولى التي يتقابل فيها، إن صح التعبير، مسئولان من أعلى المستويات بدل الاكتفاء باللجان الدبلوماسية والخبراء القانونيين.

لقاء quot;جيدquot;.. quot;بناءquot;.. quot;إيجابيquot;

اللقاء الذي تم يوم الخميس 29 يناير في منتجع دافوس على هامش مشاركة كل من سيف الإسلام القذافي ووزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري في المنتدى الاقتصادي العالمي استغرق حوالي 45 دقيقة. وإذا كان الجانب السويسري قد اكتفى بوصف اللقاء ببعض العبارات الدبلوماسية من قبيل quot;بناءquot; أو quot;إيجابيquot;، فإن سيف الإسلام ترك مجالا للتفاؤل برؤية المشكلة تُسوى قبل انتهاء أشغال منتدى دافوس يوم الأحد 1 فبراير.

وما ساعد على هذا التفاؤل هو تصريح ناطقين باسم وزارة الخارجية السويسرية ببرمجة لقاء آخر بين الجانبين يوم الجمعة 30 يناير.

وعلى العكس من تكتم الجانب السويسري حول فحوى اللقاء ومجرياته، لم يتردد سيف الإسلام في إغراق وسائل الإعلام السويسرية بتصريحات متفائلة مفادها أنه quot;يعمل جاهدا للتوصل الى تسوية... لأن البلدين هما الخاسر الأكبر في هذه القضيةquot;.

quot;الاعتقال جرى بطريقة غير ملائمةquot;

تصريحات سيف الإسلام لعدد من وسائل الإعلام السويسرية وووكالات الأنباء العالمية سمحت بالحصول على بعض التوضيحات بخصوص تصور الجانب الليبي للأزمة القائمة مع سويسرا منذ حوالي 7 أشهر.

فقد صرح سيف الإسلام لوكالة quot;أسوشايتد برسquot; على هامش منتدى دافوس مساء الجمعة 30 يناير بأن على سويسرا أن تعتبر أن عملية اعتقال هانيبال القذافي وزوجته كانت quot;غير مجديةquot; وأنها تمت quot;بطريقة غير ملائمةquot;. ووصف سيف الإسلام القذافي اعتقال شقيقه quot;بالأمر المحزنquot;، كما شدد على أنه كان بمثابة quot;غلطة وأن سويسرا مستعدة للتعبير في تصريح لها على أن ذلك كان غير مجد وتم بطريقة غير ملائمةquot;.

والملاحظ أن هذه الإستنتاجات تتطابق مع ما توصل إليه رجل القانون لوسيوش كافليش، العضو السويسري في اللجنة المشتركة الليبية السويسرية التي شكلها البلدان للنظر في هذه القضية، عندما انتقد طريقة تدخل شرطة جنيف في عملية الاعتقال وأوضح بأنه كان من الممكن الحصول على نفس النتيجة لو تم الاكتفاء بتقديم استدعاء للمثول بدل إرسال حوالي عشرين فردا من قوات الشرطة.

نريد quot; العدالةquot; وquot;الحقيقةquot;

وفي حوار خص به صحيفة لوماتان الصادرة يوم 31 يناير في لوزان، كشف سيف الإسلام عن مزيد من التفاصيل بخصوص هذه الأزمة القائمة في العلاقات بين سويسرا وليبيا. إذ أوضح بأن سويسرا وبتعبيرها على حد قوله quot;اعترفت بأن اعتقال شقيقي في جنيف كان غير مجد وتم بطريقة غير ملائمةquot;، كما أشار الى أن ليبيا quot;تنتظر منها اتخاذ خطوات لتفادي تكرارquot;، ما يعتبره نجل القذافي quot;غلطة شرطة جنيفquot;.

وأوضح سيف الإسلام القذافي للصحيفة بأن quot;المهم ليس الاعتذار بل بالدرجة الأولى معرفة الحقيقة فيما جرى، وإحكام العدالةquot;، وهو ما يمكن أن يتم - حسبما يفهم من قوله - من خلال quot;معاقبة مرتكبي تلك التجاوزاتquot;.

يجدر التذكير في هذا السياق بأن السلطات السويسرية على المستوى الفدرالي أو المحلي في كانتون جنيف (وحتى الخبير السويسري الذي شارك في لجنة التحقيق المشتركة السويسرية الليبية)، قد أشارت بشكل من الأشكال الى انتقادات بخصوص طريقة تدخل الشرطة عند إيقاف هانيبال القذافي وزوجته، إلا أيا منها لم تتحدث عن ارتكاب انتهاكات أو مخالفات لا للقوانين السويسرية ولا للقانون الدولي المعمول به.

وإذا كان قد تردد بعض الكلام - لم يتأكد رسميا - عن إمكانية تقديم اعتذار حول الطريقة التي تمت بها عملية التوقيف، إلا أن أحدا لم يتحدث عن ارتكاب انتهاكات تتطلب تقديما للمحاكمة أو تسليط عقاب ما.

رفض ليبي؟

وساطة سيف الإسلام التي تمت - حسب ما أوضح ذلك منذ البداية - بطلب من السلطات السويسرية فتحت مجالا للتفاؤل خصوصا بعد التطمينات الأولية التي قدمها نجل الزعيم الليبي، وزاد من حجم هذا التفاؤل ترقب الجميع للرد الليبي على الاقتراحات التي قد تكون سويسرا صاغتها من جديد للخروج من الأزمة.

ويبدو أن هذه الاقتراحات اشتملت كما أوضح سيف الإسلام على quot;أفكار لتحسين التعاون بين البلدينquot;، وتشمل حسبما يبدو قطاعي الصحة والسياحة، إضافة إلى تليين شروط منح التأشيرات لمواطني البلدين.

لكن سيف الإسلام القذافي أوضح أن quot;حل الأزمة مرهون بموقف الحكومتين وما يقوم به هو فقط دور حامل الرسائلquot; بين الطرفين موضحا بصريح العبارة أن quot;والده وحكومته سيدرسان الاقتراحات السويسريةquot;.

وحسبما تناقلته بعض وسائل الإعلام، يبدو أن الرد الليبي كان بالرفض لهذه الاقتراحات السويسرية التي لا تُعرف تفاصيلها ولم يكشف عنها رسميا من طرف الجانب السويسري الذي اكتفى بالتوضيح بأن quot;المفاوضات ستتواصل على المستوى الدبلوماسيquot; بين البلدين.

الخاسر الأكبر: سويسرا وليبيا

لكن سيف الإسلام القذافي الذي أوضح منذ البداية بأن اللقاء الذي تم مع وزيرة الخارجية كان بطلب من برن عبر عن قناعته بأن quot;الخاسر الأكبر في هذه العملية هما البلدان: سويسرا وليبياquot;.

وفي حواره مع صحيفة لوماتان لخص المسألة برمتها على أنها quot;قصة مفتعلة من قبل الخادمين اللذان قدما شكوى ضد شقيقه من أجل الحصول على حق اللجوء في سويسراquot; مضيفا بأنهما يكونان بذلك quot;الرابحان في هذا الاحتيالquot;، على حد قوله.

أما quot;الخاسر الأكبر في العمليةquot;، حسب سيف الإسلام القذافي دائما quot;فهما البلدان اللذان دُمّرت العلاقات بينهما بسبب هذين الشخصيينquot;.

وعن وضع المواطنين السويسريين اللذين احتجزا مباشرة بعد توقيف هانيبال القذافي في جنيف وبعد أن هددت شقيقته الدكتورة عائشة بالمعاملة بالمثل بقولها quot;العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلمquot;، واللذان لا زالا ممنوعيم من مغادرة الجماهيرية بعد أن تم احتجازهما لفترة بتهمة انتهاك قوانين الهجرة، فقد أوضح سيف الإسلام بأنه quot;لم يكن يعلم أنهما يخضعان لحظر بمغادرة التراب الليبيquot;، وهو ما أثار الاستغراب في أوساط المراقبين.

لكن سيف الإسلام القذافي - وفي خطوة تؤشر لوجود رغبة في تهدئة الأوضاع - وعد بالنظر في قضية المواطنين السويسريين ومحاولة التدخل quot;وفقا لما تسمح به القوانين الليبيةquot;، منتهيا الى اعتبار أن quot;ما تم في جنيف كان غلطة... ولا يمكن أن نصلح غلطة بارتكاب غلطة أخرىquot;.