المسيرة الأولى منذ تدمير مرقد الإمامين العسكريين مطلع 2006
مئات آلاف الشيعة والسنة إلى سامراء لإعلان نهاية العنف الطائفي

أسامة مهدي من لندن: في مسيرة حاشدة موحدة هي الأولى من نوعها توجه مئات الالاف من العراقيين شيعة وسنة الى مدينة سامراء التي شهدت تدمير قبة ومنارة ضريح الامامين العسكريين لدى المسلمين الشيعة في المدينة مطلع عام 2006 والذي تسبب بعنف طائفي غير مسبوق اجتاح عموم العراق وأدى إلى مقتل آلاف المواطنين وتهجير اكثر من اربعة ملايين منهم الى داخل البلاد وخارجها وتدمير واحراق حوالى 150 مسجدًا سنيًا حيث حشدت القوات العراقية آلاف العسكريين لحماية المشاركين في المسيرة، واعتقلت عددًا من المسلحين الذين كانوا يستهدفونهم.

ويؤدي مئات الاف العراقيين الذين تدفقوا على مدينة سامراء ( 125كم شمال بغداد ) اليوم صلاة جمعة شيعية سنية موحدة في جميع المساجد القريبة من صحن ضريح الامامين العسكريين الذي يضم مرقدي الامام الحسن العسكري واخيه الامام الهادي وذلك لمناسبة ذكرى وفاة الاول تأكيدا لتوحد أبناء الطائفتين وأعلانا شعبيا لانتهاء العنف الذي كان سيجر البلاد الى حرب أهلية طائفية مدمرة. والعسكري هو الامام الحادي عشر وولد في المدينة المنورة عام 232 هجرية وانتقل مع أبيه علي الهادي إلى سامراء حتى توفى عام 260 هجرية. ويعتبر مرقدًا الإمامين علي الهادي والحسن العسكري واحد من أربعة مراقد شيعية رئيسية في العراق أضافة الى تلك التي في النجف وكربلاء والكاظمية في بغداد وشيد خلال القرنين العاشر والحادي عشر.

وتعرض مرقد الإمامين العسكريين إلى تفجيرين الأول في 22 شباط (فبراير) عام 2006 أسفر عن انهيار القبتين الذهبيتين للمرقد واندلعت في أعقابه موجة عنف وتهجير طائفي كانت بين تداعياتها سلسلة عمليات تفجير طالت مئات الجوامع السنية في بغداد والمحافظات الجنوبية على أيدي متشددين. اما التفجير الثاني فحدث بعد سنة تقريبًا على الأول بوساطة قصف أصاب مئذنة وباحة المرقد حيث مثل ذلك مرحلة مفجعة في تاريخ المدينة التي هجرها ثلثا سكانها وامتنع الزوار عن التردد على عتباتها حيث يعيش فيها حوالى 300 الف مواطن هم خليط من الشيعة والسنة. لكن المدينة بدأت مؤخرًا ومع تقدم عمليات اعمار المرقد تشهد توافد حوالى 15 الف زائر من مختلف انحاء العراق يوميًا.

وقد تم الاعلان اليوم عن تشكيل غرفة عمليات أمنية وخدمية وصحية بمكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء نوري المالكي تضم ممثلين عن الوزارات الامنية والخدمية لتأمين اداء الحشود التي تدفقت على المدينة الزيارة في اجواء امنة. وتمكنت القوات الامنية في مدينة سامراء أمس من إلقاء القبض على أربعة مسلحين كانوا يستعدون لاستهداف الزائرين. وقال قائد عمليات سامراء اللواء quot;رشيد فليحquot; ان quot;الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على أربعة إرهابيين كانوا يرومون استهداف الزوار القاصدين الى سامراء لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكريquot;. واضاف quot;التحقيق ما زال جار معهم لمعرفة الجهات التي تقف وراءهمquot;.

ويتوافد على سامراء منذ ثلاثة ايام مئات الاف الزوار لاحياء ذكرى وفاة الإمام العسكري بعد الدعوة التي وجهها الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر للقيام بزيارة مليونية وصلاة موحدة في المدينة. ويقوم حوالى 20 الف عسكري بحفظ امن المدينة والطرق المؤدية اليها من مختلف المدن الاخرى وخاصة الطريق الدولي مع بغداد البالغ طوله 125 كيلومترًا ومعظمها كان تحت سيطرة المسلحين لاكثر من سنتين. وقد اقام سكان سامراء خيما وسرادقات لمساعدة الزائرين القادمين وتقديم الطعام والشراب لهم اضافة الى توفير جميع المستلزمات الطبية والصحية حيث انتشرت مخيمات طبية على طول الطرق الى المدينة.

وقال عبدالله حسين جبارة نائب محافظ صلاح الدين في تصريح صحافي quot;إن المحافظة وترحيبًا منها بالزائرين قررت تزويد سامراء بالكهرباء طيلة يوم الزيارة مع زيادة أعداد الصهاريج التي تنقل الماء وأخرى للوقود وإرسال تعزيزات صحية مزودة بأدوية الطوارئ والاسعافات الاولية مع زيادة اعداد سيارات الاسعاف وفرق لمعالجة الاختناقات في المجاري ، وتزويد المدينة بمئات من دورات المياه الوقتيةquot;. وأضاف جبارة quot;أن المحافظة وبالتعاون مع قيادة عمليات سامراء عززت جميع نقاط التفتيش والمراقبة داخل وخارج المدينة تحسبا لأي أعمال ارهابية قد تستهدف الزوارquot;.

وكان الصدر قد دعا الثلاثاء الماضي الى مسيرة مليونية شيعية سنية مشتركة الى مدينة سامراء واقامة صلاة الجمعة فيها حيث توشك عمليات اعمار القبة والضريح هناك على الانتهاء. وقال الصدر quot; ان من المصلحة ان ادعو العراقيين لملحمة جديدة تسطر فيها اروع معاني التلاحم العقائدي والوطني فبكون الشيعي يدا بيد مع السني ويكون السني حاضنا للشيعي لتكون هذه الملحمة المليونية شوكة بعين الاستعمار والاحتلال فنثبت للعالم اجمع اننا منتصرون وقادرون على ادارة بلدنا صفا واحدا بلا محتل ولا ارهاب ولا طائفية ولا نزاعات موحدين ارضا وشعباquot;.

واضاف الصدر في بيان وزعته مكاتبه المنتشرة في انحاء العراق quot;لذا ادعو المؤمنين لزيارة مرقد الاملمين العسكريين في سامراء المقدسة في ذكرى شهادة امامنا العسكري اي في الثامن من ربيع الاول على ان تكون هذه الملحمة مسيرة دينية خالية من السياسة الدنيوية وبعيدة عن الاهواء والاحزاب لنقيم مع اخواننا في سامراء صلاة جماعة او جمعة موحدة في المرقد الشريفquot;. ودعا quot;الحكومة العراقية عموما والجهات الامنية الحكومية خصوصا لحماية هذه الملحمة الدينية السلمية العراقية العقائدية المحصنة ليكون الجميع في حمى حكومتهم وليكونوا بعيدين عن الاحتلال والارهاب والمليشيات المندسة من هنا وهناكquot;.

وكانت مسيرة مماثلة دعا لها الصدر الى سامراء عام 2007 تم الغاؤها خوفًا من حوادث عنف يتعرض لها المشاركون فيها وذلك في خضم مواجهات كانت تقودها القوات العراقية والاميركية ضد جيش المهدي التابع للصدر او منشقين عنه شكلوا مجموعات مسلحة وصفتها الحكومة بالخارجة على القانون.

وتواصل لجنة اعمار المرقدين التي تضم ممثلين عن الحكومة العراقية ومنظمة اليونسكو اعادة البناء حاليا بكلفة تصل الى خمسة ملايين دولار حيث تم انجاز مراحل متقدمة من أعادة بناء أروقة الحرمين العسكريين. وشمل البناء ثماني قباب داخلية من أصل 12 تعلو الأروقة الأربعة وبقي اربع منها يجري العمل للانتهاء منها قريبا. كما اكتملت الاعمال المدنية للأروقة وتنتظر تثبيت المرايا المقطعة فنيا للسقوف وللجزء العلوي من الجدران والتغليف بالمرمر للجزء الأسفل وكتائب البلاط الكربلائي للآيات القرآنية.

واشار زهير الأنصاري احد خبراء الآثار المكلفين من قبل اليونسكو على اعادة البناء إن الذهب من عيار 24 قيراطاً وهو أغلى وأرقى انواع الذهب سوف يستخدم في عملية اكساء طابوق القبة المذهبة وقد تم اختباره بنجاح في مختبرات بريطانية. وكان المالكي زار سامراء مؤخرًا وقال للصحافيين ان ثلاثة أعوام مرت على الفاجعة توقف فيها الزمن العراقي والإسلامي حين استهدف الحقد الدفين المقدسات والوحدة بين العراقيين سنة وشيعة وأكراداً وارادوا إشعال فتنة طائفية. ومن جهته اعتبر حقي الحكيم مسؤول اعمار المرقد ان تفجير تفجير المرقدين كان حادثة مؤلمة في تاريخ العراق نجح العراقيون بامتياز في اجتيازها بالتخلص من كل اشكال العنف والإرهاب بعدما كان تفجيره بداية لمحنة.