عددهم يتجاوز 2.7 مليون وقوانين العمل والتأمينات تستبعدهم
العمال الأطفال.. وجع في قلب مصر

quot;الطفولة

الطفولة الضائعة: قوانين مشرعة ورقابة غائبة

محمد حميدة من القاهرة: أطفال في عمر الزهور لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات، تختفي ملامحهم البريئة خلف الشحوم والأتربة.. أجبرتهم الظروف على التخلي عن اللعب، والتخلي عن طفولتهم سعيا وراء لقمة العيش بشروط السوق.. يتعرضون للعنف والقسوة والقمع والاستغلال ويمارسون أعمالا خطرة تصيبهم بإضرار صحية خطرة وقد يلقون حتفهم أثناء نقلهم الى أماكن العمل في سيارات غير آمنة. مشهد بات مألوفا لكل من يتعامل مع ورش النجارة وإصلاح السيارات المنتشرة وغيرها من الأعمال التقليدية المنتشرة في أرجاء المحروسة.

محمد عبد الرحمن، 8 سنوات واحد من ضمن أعداد كبيرة متزايدة من الأطفال المصريين اضطرته ظروف الفقر والعوز الى ترك المدرسة والانضمام الى سوق العمل في وقت مبكر من حياته لمساعدة أسرته المكونة من 5 أفراد. يقول محمد انه ينزل يوميا عدا الجمعة من منزله الساعة الثامنة صباحا ولا يعود قبل العاشرة مساء. ويعمل محمد صبيا في إحدى ورش ميكانيكا السيارات، ويقوم بمهام شتى منها حمل معدات وألواح حديدية تزيد عن وزنه، وهو ما يعرض حياته للخطر والإصابات. يقول محمد إنها quot;حياة ليست باليسيرة عليه لكن ما باليد حيلةquot;.

حال quot;محمدquot; لا يختلف عن أحوال أكثر من 2.7 مليون طفل في مصر بحسب الإحصاءات الرسمية، وأكثر من 5،5 ملايين طفل بحسب الدراسات والإحصاءات غير الرسمية، يعملون في مهن شتى. وتظهر دراسات التوزيع النسبي للأطفال العاملين في الفئة العمرية 6-14سنة، أن الغالبية يمارسون أنشطة 64 % زراعية و 14 % حرفية و 11 % تجارية و 9 % الخدمات و2 % المجال الصناعي.

ويعمل العمال الأطفال من الجنسين في ظروف قاسية أكثر من 9 ساعات يوميا في المتوسط وأكثر من ستة أيام أسبوعيا وهو ما يتجاوز أوقات العمل التي يقضيها الكبار، ومكمن الخطورة ان جميع الأطفال العاملين تقريبا يعملون بصورة غير رسمية ومن دون بطاقات عمل أو شهادات صحية مما يعني أنهم لا يتمتعون بأي حماية قانونية، وتؤكد دراسات ان حوالي الثلث quot; يعانون من المعاملة السيئة والعديد من أشكال العنف التي يلقونها من أرباب العمل والمشرفين عليهم. كما تتعرض حياة اكبر نسبة من الأطفال العاملين فى القطاع الزراعي للخطر من خلال نقلهم في عربات غير امنة quot; أطفال التراحيل quot; وتسجل دفاتر الحوادث العشرات من الحوادث التي راح ضحيتها المئات من الأطفال أثناء نقلهم إلى أماكن العمل.

quot;عبد الرحمنquot; والد الطفل محمد لا ينفى مسؤولية الفقر عن عمل ابنه و يعترف ان لديه طفلين آخرين يعملان في حرف أخرى، ويلقي باللوم على المجتمع والمدرسة. ويقولquot; ان العملية التعليمية في مصر تدفع الأطفال الى التسرب، والمجتمع على الجانب الآخر لا يقف بجانب هذه الأطفال أو إلى جوار أسرهم quot;.

تقول الدكتورة سناء مبروك في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية،quot;عمل الأطفال حاجة واستغلال معا، موضحة أن الأطفال يلجأون للعمل او تدفعهم أسرهم للعمل بدافع الحاجة لكن هناك من يستغل هذه الحاجة بصورة بشعة، مشيرة الى أنها أعدت دراسة عن quot;فاعلية السياسات الاجتماعية في مواجهة الفقرquot; وخاصة في المناطق العشوائية وتوصلت الى انquot; السياسات ليست الا شعارات quot;، واكتشفت ان الأطفال العمال في المناطق العشوائية يعيشون واقعا أليما، ويستغلهم عمال الورش أسوأ استغلال ويسيئون معاملتهم ويعطونهم مقابلا ماديا ضئيلا مقارنة بساعات العمل الكثيرة في غياب الدور الرقابي من قبل أجهزة الدولة على أصحاب هذه الورش.

وتنمو ظاهرة عمالة الأطفال في مصر على الرغم من جهود الدولة للقضاء عليها وقد اقرت مؤخرا قانون الطفل لحمايته من اسوأ أشكال العمالة، إلا انه في نظر البعض من المعنيين يحتاج الى إعادة مراجعة.

يقول هاني هلال رئيس المجلس المصري لحقوق الطفل: quot;القانون يعد من انضج التشريعات المصرية التي تتساوى مع المواثيق الدولية،وعلى الرغم من انه عالج الكثير من الإشكاليات المرتبطة بعمالة الأطفال، الا انه لم يوفر مظلة الحماية لقطاع كبير من الأطفال وتقيد بالقطاعات التي تناولها قانون العمل، فلم ينظم عمالة الأطفال في القطاع الريفي والزراعة ولم يرد نص قانوني خاص بخدم المنازل او العاملين لدى ذويهمquot;. ويضيف: quot;ان القانون ايضا يتعارض مع قانون العمل والتأمينات والنقابة، فالأطفال في سن 14 لا يمكنهم الالتحاق بالنقابات قبل سن 15 عاما ولا يمكنهم الاستمتاع بالتأمينات قبل سن 18 عاما، كما انه يتعارض مع اتفاقية العمل الدولية عام 1973 التي ترفع سن الحد الأدنى لتشغيل الأطفال الى 16 عاماquot;.

ويرجع هلال سبب التفاوت بين الإحصاءات لعدم وجود تعريف موحد لعمالة الأطفال وإذا كان الخدم في البيوت والأطفال العاملين لدى ذويهم يعتبرون من عمالة الأطفال. ويضيف :quot;لدينا في مصر مشكلتان الأولى تتعلق بالوضع الاقتصادي الذي يعتبر السبب الرئيس للعمالة، والثانية تتعلق بسوء العملية التعليمية وتفككها والتي تتسبب في تسرب الأطفال من المدارس،ولا يستبعد دور الأسرة في المشكلة أيضا، فتوقف الطفل عن العمل يدفع الأسرة الى إجباره على العودة مرة أخرى، لذلك لابد ان يكون هناك إعانات للأسرة والطفل حتى يعود الى التعليم كما يجب تحمل مصاريفه ومساعدة الأسرة على تعويض الدخل الذي كان يساهم فيه الطفل.

وتصل مساهمة الطفل العامل -كما يقول هلال -بحوالى 30% من دخل الأسرة ويوجد أطفال يعيلون أسرهم بالكامل مثل عمال المحاجر في صعيد مصر ويصل دخل الطفل الى 50 جنيها في اليوم وقد تسبب منع قانون الطفل الجديد عمل الأطفال في المحاجر في أزمة لهذه الأسرة.

ومن جانبها ترى الدكتورة فيفيان فؤاد- المجلس القومي للطفولة- ان موضوع عمالة الأطفال متشابك ويحتاج لسياسات جذرية وهو ما يتم بين وزارة الأسرة والسكان والوزارات المعنية مثل التضامن الاجتماعي والتربية والتعليم وتضيف ان التشريعات وحدها لا تكفي، والى جانب دور الدولة مجرد قيام الجمعيات الأهلية باستضافة طفل عامل وتنمي قدراته فمن شأن ذلك ان يترك بصمة نفسية على الطفل وتحقيق التوازن في وجدانه.

أما حنان الصعيدي مدير إحدى الجمعيات المناهضة لعمالة الأطفال تقول إن الحالة الاقتصادية عامل مهم في استمرار او ابتعاد الطفل عن المدرسة ومن ثم لابد من معالجة هذا الأمر. وقد نفذت حنان مشروع إعادة 300 طفل إلى التعليم مرة أخرى بالإضافة إلى عمل تدريب تحويلي ل 200 طفل من مهن خطرة إلى مهن آمنة.

أما الدكتور علاء السبع -هيئة انقاذ الطفولة البريطانية في مصر- يرى ان المجتمع المدني ليس وظيفته الوحيدة تقديم خدمات لكن الأهم هو الترويج للنموذج في القضايا الاجتماعية،فالجمعيات الأهلية وصلت في الخارج الى quot;بيوت خبرةquot;، ويكفي ان يتجمع عدد من الجمعيات للعمل على تقديم مشروعات قوانين بديلة وصياغة أخرى للتشريعات مثار جدل والسعي لكسب تأييد المجتمع لتكون معبرة عن مصلحة الجمهور المستهدف.