600 ألف طفل يتقاضى أعلاهم أجر 35 يورو شهريا
تواطؤ مجتمعي يحكم عمالة الأطفال في المغرب

أحمد نجيم من الدار البيضاء: تشغيل الأطفال في المغرب أمر مألوف، هناك تواطؤ كبير داخل المجتمع المغربي بخصوص هذا الملف، لكن هذا التواطؤ بدأ يفضح بفضل جمعيات نشيطة. تفتخر مدينة فاس المغربية بكسبها معركة تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة بأوراش الصناعة التقليدية، إذ أعلنت السلطات المحلية وجمعيات المجتمع المدني أنها نجحت في عودة 800 طفل تقل أعمارهم عن 12 سنة إلى المدرسة، وضمن لـ 400 آخرين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و15 سنة مكانا بمراكز حماية الطفولة. لكن هذا الأمر لا ينطبق على جميع الأطفال، فهذه المدينة تستمر في استغلال الأطفال دون 12 في عدد من أوراش الصناعة التقليدية البعيدة عن أعين السلطات وجمعيات المجتمع المدني، وزير التشغيل والتكوين المهني جمال أغماني، أقر بنفسه صعوبة محاربة هذه الظاهرة، عندما قال إن القطاع غير المهيكل يشغل عددا أكبر من الأطفال، وفي محاولة لمحاربة هذه الظاهرة، أعلن عن تخصيص 43 مفتشا شغل مهمتهم الوحيدة quot;رصدquot; حالات الأطفال الذين يستغلون في هذا القطاع، بالإضافة إلى quot;التتبعquot; وquot;التحسيسquot;.

وكان مشروع أطلقته المندوبية الجهوية لكتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية بدعم من السلطات المحلية وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة quot;اليونيسيفquot; ومنظمات غير حكومية ومكتب العمل الدولي منذ سنة 2000، أوضح أن مجموعة من المهن تزاولها الأطفال في ظروف شاقة وخطرة، وحددت هذه المهن الحدادة والزليج والخزف وصياغة الحلي والميكانيك.

الطبع يغلب التطبع

لقد اعتاد المغاربة تشغيل أطفالهم بهذه المهن، فمنذ السنوات الأولى، تبعث الأسرة أطفالها لquot;تعلم الصنعةquot;، وتزداد نسبة هذه العينة من الأطفال، لدى العائلات المعوزة، فالطفل يصبح موردا ماديا للعائلة، أمام هذه المعضلة لجأ برنامج الدولة بشراكة مع الجمعيات إلى اعتماد quot;الإقناعquot; عوض quot;الإكراهquot;. إقناع الأطفال والعائلات والصناع التقليديين، وقد أدت هذه الخطة بعضا من نتائجها، إذ وافق الصناع التقليديون، حسب ما أوردته وكالة الأنباء المغربية الرسمية، على تقليص ساعات عمل هؤلاء الأطفال، والسماح لهم مرتين في الاسبوع (في فترة ما بعد الظهيرة) بالذهاب الى المركز حيث يستفيدون من برامج تعليمية غير نظامية (الحساب واللغتين العربية والفرنسية)، ومن حصص تعليمية تعرفهم بحقوقهم، فضلا عن أنشطة ترفيهية.

وقد انخرط صناع تقليديون أبدوا تحفظهم في البداية في هذه الجهود، وحرصت جمعية لمهنيين ميكانيكيين على توفير مقرات لإقامة مركز لحماية الطفولة.
وفي الوقت الذي أكد فيه حرفيون أن فقدان هذه اليد العاملة لم يؤثرفي نشاطهم، أقر البعض الآخر بجدوى استبدال الاطفال بنسوة يتقاضين أجرا أكبر، ولكن بمردوية أفضل.

كما استقبل صناع تقليديون أخصائيين اجتماعيين، مرفوقين أحيانا بمفتش الشغل، مع quot;انتشالquot; الاطفال الذين يقل سنهم عن 12 سنة من الورشات، سيعمل الاخصائيون الاجتماعيون على إقناع الآباء بإرسال أطفالهم الى المدرسة، وذلك من خلال إبراز مزايا التعليم، وتزويدهم بالادوات المدرسية والملابس.
أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و15 سنة، فسيتم توجيههم الى المراكز الستة لحماية الطفولة المحدثة بمناطق تتمركز بها ورشات الصناعة التقليدية بالمدينة العتيقة، والاحياء الهامشية.

وحسب التقديرات، فإن مدينة فاس تشغل أكثر من ثلث الشريحة السكانية المتراوح أعمارها ما بين 6 و15 سنة، والتي تعمل في قطاع الصناعة التقليدية، أي ما بين 10 و15 ألف طفل ينحدر أغلبهم من المدينة العتيقة والاحياء الهامشية الفقيرة.

ويشغل قطاع الزرابي أكبر عدد من الأطفال، وخاصة الفتيات الصغيرات اللائي يتراوح سنهن ما بين 6 و12. واللائي يعانين ظروفا عمل قاسية، إذ يشتغلن بمعدل لا يقل عن 10 ساعات في اليوم، مقابل أجر هزيل يتراوح ما بين 200 و350 درهما شهريا (قرابة 35 يورو تقريبا)، أي خمس مرات أقل من الحد الادنى للأجر.

تشغيل الأطفال بالأرقام

وكانت آخر دراسة حكومية أعدت بمبادرة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافية quot;اليونسيفquot; ومنظمة العمل الدولية والبنك الدولي وجود 84 في المئة من إجمالي الأطفال العاملين في المغرب وعددهم 600 ألف طفل في القرى.

وكشفت الدراسة أن نحو 1.3 مليون طفل من الفئة العمرية بين 7 و14 سنة لا يذهبون إلى المدرسة حيث إن الإصلاحات لم يبدأ فيها إلا حديثا ولم تصل إلى نتائج ملموسة بعد. وعزت الدولة ارتفاع الرقم إلى محاربة الفقر التي تستدعي إدراك الآباء الذين يشغلون أبناءهم إلى أن تحسين وضعهم الاجتماعي يجب أن يمر عبر إدخالهم المدرسة وليس بتشغيلهم.

وبخصوص تشغيل الأطفال، فإن الدراسة أظهرت أن 50 في المائة من 3500 طفل شملهم البحث يتعرضون لمخاطر عالية أو عالية جدا و3 في المائة فقط لا يواجهون أي خطر.

ومن ضمن المخاطر تعرض هؤلاء الأطفال للمبيدات الحشرية والفطرية وحمل أعباء ثقيلة والعزلة والتعرض للشمس خلال قيامهم بالعمل ومصاعب أخرى.
وحددت الدراسة أسوأ عمل يواجه تشغيل الأطفال في المغرب يتمثل بالاستغلال الجنسي لأغراض تجارية.