quot;إيلافquot;: عندما وقع انفجار الشهر الماضي في انبوب لنقل الغاز الطبيعي من تركمنسان الى روسيا ، فجَّر معه نزاعا سياسيا تمتد آثاره أبعد من البلدين. ولاحظ مراقبون ان روسيا في الوقت الذي نفت ان تكون لديها أي دوافع سياسية وراء الحادث ، أغفلت quot;بالصدفةquot; ان تبلغ تركمنستان في الوقت المناسب بأنها ستخفض ما تأخذه من الغاز الطبيعي التركمنستاني. وإذ كانت تركمنستان تضخ في الانبوب أكثر مما كانت تأخذ روسيا فقد انفجر الانبوب وانفجرت معه اعصاب عشق آباد غيظا على موسكو.

تعمدت الحكومة التركمنستانية ، تعبيرا عن امتعاضها من روسيا ، ان تعلن توجهها نحو الغرب بعقد صفقة كبيرة في مجال الطاقة مع شركة المانية أحاطتها بضجة اعلامية صاخبة. ولكن الكرملين سرعان ما أعاد تركمنستان الى دائرة نفوذه في آسيا الوسطى عندما هدد بسحب مساعداته الأمنية لها. وتقول مؤسسة quot;ستراتيجي فوركاستquot; Strategy Forecast للابحاث ان انصياع تركمنستان تبدى عندما عرضت على روسيا ان تستملك انبوبا لنقل الغاز من تركمنستان الى ايران. ولدى طهران ما يكفي من الأسباب الوجيهة لأن تشعر بالقلق إزاء مثل هذا الكرم. فان الكثير من سطوة روسيا الجيوسياسية نابع من شبكة الأنابيب والمنشآت التي تمر عبر اراضي جمهوريات سوفيتية سابقة لامداد الغرب بالطاقة. والاروبيون زهقوا من استخدام روسيا ورقة الطاقة لأغراض سياسية وهم يبحثون عن مصادر وطرق بديلة تمدهم باحتياجاتهم منها مثل انبوب باكو ـ تبلبيسي ـ جيهان وانبوب quot;نابوكوquot; اللذين يتخطيان الشبكة الروسية. ولدى روسيا مصلحة حيوية في اجهاض مثل هذه المشاريع كلما سنحت الفرصة.
اين ايران من كل هذا؟
ان ايران التي تمتلك ثاني أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم توفر حلا لمشاكل الغرب مع روسيا بسبب امدادات الطاقة ، شريطة ان تتمكن طهران ، بطبيعة الحال ، من تسوية جملة قضايا شائكة مع الغرب قبل ان يصبح من الممكن رفع العقوبات المفروضة عليها ودخول الشركات الغربية لتحديث صناعتها النفطية والغازية المتداعية واستثمار احتياطاتها الضخمة التي ما زالت مطمورة. والمؤكد ان روسيا ستقف بالمرصاد لأي افق كهذا حتى وإن بدا بعيدا.

في حال تنفيذ الاتفاق مع عشق آباد على ملكية انبوب الغاز ستتحكم روسيا حينذاك بإثنين من شرايين ايران الكبرى لنقل مصادر الطاقة هما انبوب تركمنستان ـ ايران وانبوب آخر يمد ارمينيا بالغاز الايراني أُنجز نباءه في عام 2007. وكانت طهران تريد ان يكون انبوب ايران ـ ارمينيا منفذا آخر لتوسيع نفوذها في منطقة القوقاز. ولكن هذا الانبوب أُخضع للسيطرة الروسية حتى قبل ان تبدأ ايران بضخ الغاز عبره بموجب اتفاقية وقعتها مع ارمينيا في اوائل عام 2008. فقبل عامين على توقيع الاتفاق ، في 2006 ، سيطرت مؤسسة غازبروم الحكومية الروسية العملاقة على الشركة المسؤولة عن تشغيل انبوب ايران ـ ارمينيا الذي يغذي محطات الكهرباء الارمنية التي تعتمد ايران بدورها عليها لمدها بالطاقة الكهربائية.

تستورد طهران نحو 8 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الذي تضخه عشق آباد اليها عبر انبوب تركمنستان ـ ايران ولكن خلافات نشأت بينهما العام الماضي بشأن تسعير الغاز. وعمدت تركمنستان بسبب هذه الخلافات الى غلق الانبوب بصورة اعتباطية على غرار ما يفعل الروس عندما تريد موسكو ايصال رسائلها الى الغرب.

من شأن توقف الامدادات التي تتلقاها ايران من تركمنستان أو تعطيلها ، ان يضعها في موقف صعب للغاية. فرغم ان ايران نفسها منتج كبير لمصادر الطاقة لكنها ايضا ثاني أكبر مستورد للبنزين في العالم بسبب تدني قدراتها في مجال التكرير ، وهي الآن تفتقر الى البنية التحتية اللازمة لامداد السوق المحلية بالغاز الطبيعي وتصدير ما يكفي منه لتحقيق عائدات. وبالتالي عندما تقطع تركمنستان عنها امدادات الغاز يتعين على ايران أن تأخذ ما تحتاجه من الغاز الذي تصدره الى تركيا بواقع 7.3 مليار متر مكعب سنويا ، ويكون هذا عادة على حساب العائدات التي تدخل الخزينة الايرانية من صادراتها الغازية.

كان الايرانيون اصلا يواجهون متاعب مع تركمنستان لضمان امدادات ثابتة من غاز الأخيرة اليها قبل هذه التطورات. وإذا انتقلت ملكية انبوب تركمنتسان ـ ايران الى روسيا ، كما هو متوقع ، فإن خيارات ايران ستكون حتى أقل منها في الوقت الحاضر.

يرى محللون ان روسيا تريد التوثق من ان أي احلام تراود الاوروبيين باعادة بناء الجسور مع ايران واقامة صلات في مجال الطاقة تغنيهم عن الامدادت الروسية ، ستبقى اضغاث احلام. وان موسكو باستملاكها انابيب نقل الطاقة التي تربط ايران بآسيا الوسطى والقوقاز ، ستكون في موقع أقوى للتأثير في مواقف طهران وسياساتها. ولدى روسيا اوراق أخرى اولها شحنات الوقود النووي لمحطة بوشهر وليس آخرها مبيعات الاسلحة ، لتشجيع ايران على الاستمرار في تعنتها مع الغرب. ويذهب المحللون الى ان بقاء الغرب منشغلا مع ايران سيصرف الانتباه عما تفعله روسيا في جوارها الاوروبي ـ الآسيوي.

قسم الترجمة- عبد الإله مجيد