المرشح مير حسين موسوي

دبي: في الوقت الذي يزمع فيه إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية يوم 12 يونيو/ حزيران القادم، تبرز صراعات تتخطى مجرد أسماء المرشحين، لتمتد إلى ما يخفونه وراءهم من قوى متباينة تشمل الأجنحة المتصارعة ضمن النخبة الإيرانية الحاكمة، الممثلة بالجناحين الرئيسيين، الإصلاحي والمحافظ، مع تيار ثالث يبدو تائها بينهما. ورغم ما يذكر في وسائل الإعلام عن وجود صراع ثنائي فقط ضمن النخبة الحاكمة ما بين إصلاحيين ومحافظين، إلا أن هذا الأمر غير دقيق كليا، ذلك أن التيار الثالث، الوسطي بينهما يبدو، بحسب مراقبين، أقرب إلى الدقة.

فمن جهة يمكن اعتبار المرشح مير حسين موسوي، الذي يمثل الإصلاحيين، المعبر عن الفئة ذات الميول quot;اليساريةquot; ضمن الإصلاحيين، إذ نلاحظ أنه مدعوم من تيار الرئيس السابق، محمد خاتمي، المعروف بميوله quot;اليساريةquot; المعتدلة، التي ترى أن على الدولة التدخل بالاقتصاد، وعدم ترك الأمور وفقا لتيارات السوق الحرة.
وبدت إرهاصات هذا التوجه عندما قدم موسوي مؤخرا برنامجا اقتصاديا يركز على محاربة التضخم، منتقدا الرئيس محمود أحمدي نجاد، لأنه لا يرى أن يتم توزيع عائدات النفط على شكل مبالغ نقدية على الناس، بل يجب أن تُستغل للمساعدة على quot;خلق الوظائف والوحدات الصناعية التي تزيد الإنتاج.quot;

كما يشي برنامج موسوي بمطالب تغلب عليها النزعة الإصلاحية التحديثية، التي ترى أن التصنيع هو ديدن الحضارة الحديثة، وأن الدخول إلى بوابة العالم المعاصر لا يتم دون الصناعة. وتكمن ملامح أخرى للتوجه التحديثي لموسوي من خلال تشجيعه للفنون والآداب، فهو مهندس معماري متميز ورسام، ويشغل حاليا منصب رئيس الأكاديمية الإيرانية للفنون.

المرشح مهدي كروبي وموسوي بعد مناظرة تلفزيونية

ولكن يبدو أن ميوله quot;اليساريةquot; ليست مطلقة، ففي لقاء مع مجلة quot;شبيغل انترناشيونالquot; الألمانية يوم 27 إبريل/ نيسان الماضي، أشار إلى أنه يسعى لضم القطاع الخاص للمساهمة في الإصلاح الاقتصادي للبلاد، كما أنه أعلن عن تشجيعه لإيجاد قنوات تلفزيونية خاصة في إيران، بعيدا عن قبضة وملكية الحكومة.

من جهة أخرى، يعتبر نظيره الرئيس الحالي والمرشح لولاية ثانية للرئاسة، محمود أحمدي نجاد، أقرب إلى اليمين التقليدي الذي يدور في فلك المرشد العام للثورة الإسلامية، علي خامنئي، الذي يسمح بوجود نوع من الهامش الاقتصادي الحر. لكن لا تدعم السياسة الاقتصادية التي يؤيدها هذا الجناح الليبرالية الاقتصادية بشكل مطلق، فهو يرى ضرورة وجود نوع من التكافل الاجتماعي الذي يتجلى بالجمعيات الخيرية وتحصيل الزكاة لمساعدة الفقراء والمعوزين للتخفيف من وطأة اقتصاد السوق.

مناصرو الرئيس الإيراني أحمدي نجاد

فمن جهة، يرى نجاد ضرورة إيجاد طريق وسطية بين quot;الرأسمالية الغربيةquot; وسياسات التدخل الحكومي في الاقتصاد، مثل دعم المواد الغذائية والوقود في محاولة لإيقاف جنون ارتفاع الأسعار في إيران، خصوصا وأنه رغم حصول حكومته على أعلى عوائد للنفط بتاريخ البلاد، إلا أنها سجلت أعلى نسبة عجز في الميزانية منذ قيام الثورة الإسلامية. وقد اتسمت سياسات نجاد، بحسب مراقبين بالتقلب، وهو ما ظهر من خلال إقدامه في السنوات الثلاث الأولى من حكمه بطرد الكثير من المدراء والاقتصاديين من مؤسسات الدولة، مستبدلا إياهم بمقربين من خطه السياسي، وهو الذي عده الكثيرون كارثة على اقتصاد البلاد.

وتجلت معارضة اتجاهات نجاد الاقتصادية عندما قام 50 اقتصاديا إيرانيا بارزا بكتابة رسالة مفتوحة له في 15 يونيو/ حزيران عام 2006، متهمين سياساته بأنها quot;غير علميةquot;، ومشيرين إلى أن سياسة توزيع عائدات النفط التي انتهجتها حكومته لم تكن مجدية في تخفيض حدة ارتفاع الأسعار في إيران. كما أن الاقتصاديين رأوا في نفس الرسالة أن سياسات نجاد الخارجية خلقت الكثير من التوتر، مما ضيع فرصا استثمارية كثيرة على البلاد.

المرشح محسن رضائي

وبالمقابل، لا يبدو أن المرشحين الآخرين في الانتخابات بعيدين عن محوري نجاد وموسوي. فمهدي كاروبي، كان من الجناح المعارض لسياسات الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، التي نادت بالسوق المفتوح، حيث رأى ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد. كما يلاحظ مراقبون أن كاروبي يحظى بشعبية في الريف، مما يشير إلى أن سياسته الاقتصادية لن تتعد أن تكون إصلاحية على الأرجح.

بالمقابل، يلف الغموض موقف المرشح الرابع والأخير في الانتخابات، محسن رضائي، الذي لم يظهر حتى الآن ميلا واضحا لأحد الأجنحة البارزة، رغم أنه يعتبر محافظا معتدلا. فالواضح من خطاباته سعيه إلى إيجاد صيغة توفيقية لمصالحة جميع أطراف النخبة الحاكمة الإيرانية، حيث يرى أنه من الضروري أن يقوم بتكوين حكومة ائتلافية من كل أجنحة النظام quot;رافضا الأحاديةquot;، وداعيا إلى الاستفادة من كل طاقات الاتجاهات المحافظة والإصلاحية، وداعما للاعتدال.

وتبقى النخبة الليبرالية اليمينية في الثورة التي ترى أن التوسع الاقتصادي والعمل على الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد الإيراني غائبة، حيث لم يظهر حتى الآن مرشح واضح لهذه الفئة يدعم توجهها بشكل كامل وصريح.ويذكر أن الرئيس الإيراني الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تولى الحكم ما بين عامي 1989 و1997، كان يعتبر الممثل لهذا الاتجاه، حيث رأى مراقبون أن سياسته الاقتصادية تتسم بترك حرية السوق بأكبر قدر ممكن، رغم أنه من الناحية السياسية يعد محافظا.