الحرب الباردة انتهت... لكن التوترات لا تزال ساخنة
اختبار شاق ينتظر أوباما في موسكو

إعداد أشرف أبو جلالة : وسط أجواء لا تقل في الأهمية السياسية والإستراتيجية عن تلك التي أحاطت بزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لكل من المملكة العربية السعودية ومصر مطلع شهر يونيو / حزيران الماضي، تأتي الزيارة التي يعتزم أوباما القيام بها بدءًا من يوم غد وعلى مدار ثلاثة أيام إلى روسيا لتحظى بالقدر نفسه من الأهمية على كافة الأصعدة، ليس لكونها أول زيارة يقوم بها أوباما لموسكو كرئيس للبلاد فحسب، وإنما لطبيعة المتغيرات التي تشهدها العلاقات بين البلدين خلال هذه الأثناء في عدد من القضايا. وسائل الإعلام في كلا البلدين واصلت اليوم متابعتها وتغطيتها الشاملة للزيارة، وسط حالة من الشغف والترقب انتظارًا لما ستؤول إليه تلك الزيارة المرتقبة.

صحيفة quot;برافداquot; الروسية خصصت من جانبها تقريرًا استفاضت فيه بالتحليل أجواء الزيارة من الناحيتين السياسية والأمنية، وإن لفتت في البداية الانتباه لفحوى المقابلة التي أجراها أوباما مع وكالة إيتار- تاس الروسية ومحطة روسيا التلفزيونية، وقالت الصحيفة إن أوباما حرص في أول مقابلة له كرئيس للولايات المتحدة مع وسائل الإعلام الروسية على التحدث عن العلاقات التي تجمع بين الدولتين، كما عبر عن رأيه في الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين. كما رأى أوباما في سياق حديثه أن الدولتين تحظيان بفرص جديدة الآن، وقد ينجحان في استغلالها إذا ما كانا يرغبان في تدشين سبل التعاون فيما بينهما بشأن قطاع عريض من القضايا.

كما أكد أوباما أنه يريد من الكريملن أن يعرف أن الولايات المتحدة تُعامل روسيا بكل احترام، وأنها تنوي بناء علاقاتها مع موسكو على أساس المساواة. ويعتقد أوباما أن روسيا والولايات المتحدة يحملان على عاتقهما مسؤولية خاصة في العالم على اعتبار أنهما قوى نووية. ولم يرتدد أوباما في وصف روسيا بالدولة العظيمة التي تتمتع بتقاليد وثقافة استثنائية. كما عبر عن تيقنه من أن التفاهم المتبادل بين قادة دول مثل روسيا والولايات المتحدة يعد أمرا ً غاية في الأهمية. وفي الوقت الذي سبق لأوباما أن التقي فيه الرئيس الروسي بصفة شخصية من قبل، إلا أنه لم يسبق له وأن التقي ببوتين على الإطلاق، ومع هذا، فإنه يعرف طبيعة الشخصية التي سيقابلها.

وعلى صعيد متصل، تطرقت الصحيفة في سياق تقريرها إلى طبيعة الترتيبات الأمنية التي بادرت موسكو باتخاذها في سبيل تأمين تلك الزيارة، حيث قالت أن أجهزة الأمن الروسية الخاصة اتخذت تدابير واحتياطات أمنية غير مسبوقة تحضيراً للزيارة التاريخية التي سيبدأها أوباما غداً للبلاد. حيث كشفت الصحيفة عن أن العشرات من المقاتلات الروسية ستكون في حالة تأهب في القواعد الجوية المنتشرة بضواحي العاصمة، موسكو. كما تم الإعلان عن تحول المجال الجوي لموسكو إلى منطقة يُحظر فيها الطيران.

فيما أشارت الصحيفة إلى أن أوباما سيقيم خلال تلك الزيارة على الأرجح في جناح خاص بفندق quot;ريتز كارلتونquot; القريب من الكريملين في العاصمة الروسية، موسكو، رغم أن الفندق لم يؤكد بشكل رسمي وقاطع إلى الآن حقيقة اختيار أوباما للنزول به أثناء تواجده بموسكو خلال تلك الزيارة أم لا. ومع هذا، فقد قام الفندق بإلغاء جميع حجوزاته في الفترة ما بين 5 إلى 8 يوليو الجاري بغرض تهيئة الأجواء لأوباما والوفد المرافق له في حالة وقع الاختيار عليهم، وهي نفس الخطوة التي كان يتخذها فندق الماريوت ( الذي كان ينزل به كل من الرئيسين السابقين جورج بوش وبيل كلينتون عند زيارتهما لروسيا ). وتقول الصحيفة أن قيمة حجز الليلة الواحدة في الجناح الذي سيقيم به أوباما هي 13.870 ألف دولار، وهو المبلغ المخصص للأجنحة الرئاسية المترفة بالفندق، في حين تقدر قيمة أرخص أجنحة الفندق بـ 1.129 دولار.

وفي السياق نفسه، تعد صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريرًا مطولاً في عددها الصادر اليوم الأحد عن أجواء الزيارة وأبعادها، وتحت عنوان ( روسيا تقدم اختبارا ً لأوباما ) ، تقول الصحيفة أن تلك الزيارة ستساعد في تحديد ما إذا كان بمقدور الشعبية الشخصية لأوباما وأفكاره السياسية المتجددة أن تسفر عن نتائج ملموسة بخصوص قضايا مختلفة من بينها الحد من التسلح، والدفاع الصاروخي وحظر الانتشار النووي. وتضيف الصحيفة أن أوباما الذي سعى لحشد التأييد للسياسات الأميركية من الحلفاء في أوروبا، وكذلك سعيه لإقامة علاقة جديدة مع العالم الإسلامي في القاهرة عبر رحلات سابقة، يصل غدا ً إلى موسكو من أجل إجراء مفاوضات رفيعة المستوى مع زعيم لبلد قد يتم النظر إليها على أنها منافس ودود.

وقالت الصحيفة إنه في الوقت الذي يأمل فيه كل من البيت الأبيض والكريملن أن ينجحا من خلال تلك القمة التي ستعقد غداً في بناء جسور للتفاهم، والتوصل لاتفاقات بشأن مواضيع من بينها ملف أفغانستان وحظر انتشار السلاح النووي، إلا أن الخلافات الجوهرية تبقي قائمة حول عدد من القضايا الرئيسية التي أدت إلى توتر العلاقات الروسية الأميركية. وحول طبيعة الزيارة، نقلت الصحيفة عن مايكل ماكفول، المساعد الخاص للرئيس الأميركي ومدير أول الشؤون الروسية والأوروبية الآسيوية :quot; لن نقوم بمناقشة أو طمأنة أو إعطاء الروس أي شيء متعلق بالخطط الخاصة بتوسيع الناتو أو الدفاع الصاروخي. بل سنقوم بتحديد أهدافنا القومية، وبذلك أنا أقصد أيضا ً مصالح حلفائنا داخل القارة الأوروبية مع الإشارة إلى هذه المسائل على وجه الخصوصquot;. في حين قال سيرجي بريخودكو، كبير مستشاري الرئيس ميدفيديف لشؤون السياسة الخارجية :quot; لا تتطابق دائما أجندات عمل كلا الزعيمين على الصعيد الداخلي أو أجنداتهم الخاصة بالتعامل مع الحلفاء. كما أنهما يتعارضان في بعض الأحيان مع بعضهما الآخر بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويبقى السؤال الآن ... حول إذا ما كنا نرغب في توسيع نطاق تفاهمنا المتبادل، أو قصر تركيزنا على الدفاع عن مواقفنا المتعلقة بالأمور الحساسةquot;.