واشنطن: تتسم العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة ومصر بخصوصية واضحة ترتبط بالموقع الجيواستراتيجي المصري الذي يربط ما بين مكانة القاهرة المركزية في المنطقة العربية وانتمائها لمنظومات متعددة للأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وجنوب المتوسط وشمال أفريقيا وذات الأهمية الحيوية للمصالح الأميركية لاسيما ما يتصل منها بأمن الطاقة وتأمين منابع النفط في منطقة الخليج العربي ومحاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والحفاظ على أمن إسرائيل ومكافحة القرصنة في جنوب البحر الأحمر ومضيق عدن، بما يفسر اهتمام الإدارات الأميركية المتعاقبة بارتقاء بعلاقات التعاون العسكري مع القاهرة لاسيما بعد توقيع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979 .

وفي هذا الصدد يمكن القول إن توقيت زيارة الرئيس مبارك لواشنطن يتوافق مع عدة تطورات جعلت قضايا التعاون الأمني والدفاعي بين القاهرة وواشنطن مطروحة بقوة كملف رئيسٍ للمباحثات بين الرئيسين مبارك وأوباما لاسيما مع تصاعد مخاوف واشنطن من تغير توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح إيران بما ينعكس سلبًا على أمن إسرائيل وأمن الطاقة في منطقة الخليج العربي وتداعيات استمرار البرنامج النووي الإيراني على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ناهيك عن محاولة واشنطن لإعادة نشر قواتها العسكرية المتواجدة في العراق تمهيدًا لوضع دائم تشغل فيه القوات الأميركية قواعد عسكرية دائمة في العراق وتولي الجيش العراقي المسؤولية الأمنية بصورة كاملة .

المساعدات العسكرية وتفعيل الشراكة الإستراتيجية

يعتبر التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ومصر أحد أركان التحالف الاستراتيجي بين الطرفين الذي توثقت أواصرهُ مع رعاية واشنطن لمحادثات السلام بين القاهرة وتل أبيب بعد حرب أكتوبر عام 1973 والتي توجت بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979، ومنذ ذلك الحين حرصت الولايات المتحدة على الارتقاء بالتعاون العسكري مع مصر وهو ما يستدل عليه بتقديم واشنطن لمساعدات عسكرية للقاهرة في الفترة بين عامي 1998 و2008 تقدر إجمالاً بحوالي 36.6 مليار دولار بمعدل 1.3 مليار دولار سنويًّا في المتوسط يتم إنفاقها على شراء أسلحة ومعدات أميركية وتطوير بعض منظومات التسلح الروسية القديمة وبرامج التدريب العسكري وصيانة الأسلحة والمعدات وفق ما أكده تقرير هيئة أبحاث الكونغرسفي مايو 2009 .

وتمثل مصر بالنسبة لشركات السلاح الأميركية دولة متوسطة الإنفاق العسكري وفق تقرير التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي الصادر عن معهد استكهولم لأبحاث السلام الذي قدر الإنفاق العسكري المصري بحوالي 3.4 مليار دولار وتحتل المركز التاسع في قائمة أكثر الدول استيرادًا لمنظومات التسلح على مستوى العالم في الفترة بين عامي 2004 و2009 إذ تستحوذ على نسبة 3% من واردات الأسلحة على المستوى العالمي، بما يعني أن دفع القاهرة لزيادة مشترياتها من السلاح الأميركي يعد أحد مصالح الشركات سالفة الذكر للحفاظ على صدارة واشنطن للدول المصدرة للسلاح على مستوى العالم .

بيد أن القاهرة قد آثرت في الفترة الأخيرة تنويع مصادر السلاح بعدما كانت الدولة الثانية الأكثر استيرادًا للسلاح الأميركي بعد تايوان في الفترة بين عامي 1999 و2003 بنسبة 8% من إجمالي صفقات التسلح الأميركية على المستوى العالمي لتحتل هذه المكانة إسرائيل في الفترة بين عامي 2004 و2009 بنسبة 13% تليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 11% من صفقات التسلح الأميركية على الرغم من استمرار مصر كثالث أكبر دولة مستوردة للسلاح في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة سالفة الذكر بنسبة 14% من صفقات التسلح الواردة للمنطقة وتسبقها إسرائيل بنسبة 22% والإمارات العربية المتحدة بنسبة 34% .

مجالات متعددة للتعاون العسكري

وعلى مستوى صناعة السلاح محليًّا فإن التعاون التقني بين القاهرة وواشنطن وثيق للغاية وترتبط الدولتان باتفاقات ومذكرات تفاهم تمكنت مصر من خلالها من تصنيع حوالي 700 دبابة قتال رئيسة من طراز M1A1-ABrams إبرامز quot; بحيث يكون المكون الأميركي في عملية التصنيع حوالي 60%، كما تقوم مصر محليًّا بصيانة وتطوير الدبابات الأميركية من طراز M60-A3 وM60-A ، فضلاً عن تشارك الدولتين في برنامج لإعادة تأهيل الدبابات الروسية T-62 التي تملكها مصر وبرامج التطوير المشتركة للطائرات المصرية المقاتلة من طراز F-16 .

كما يمثل تبادل الخبرات القتالية والتدريب المشترك أحد أهم ثوابت العلاقات الدفاعية بين الطرفين المصري والأميركي ومنذ عام 1980 تجري الدولتان مناورات مشتركة بصورة دورية تحت مسمى quot; مناورات النجم الساطع quot; بمشاركة عدد كبير من الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو ولم يتم إرجاء تلك المناورات سوى ابتداءً من عام 2003 مع إصرار إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على غزو العراق إلا أن تلك المناورات تم استئنافها وبصورة أوسع نطاقًا في عامي 2005 و2007، كما أجرت الدولتان في عام 2008 مناورات بحرية مشتركة تحت مسمى مناورات quot; مناورات تحية النسر quot; Eagle Salute شملت التدريب على عمليات الاستطلاع والبحث وإنقاذ السفن وتدمير الأهداف السطحية والجوية ومكافحة الغواصات المعادية في إطار سعي الدولتين للتصدي لعمليات القرصنة البحرية وتأمين المضايق البحرية الجيواستراتيجية .

خلافات لا تعرقل مسار التعاون

أشار الباحث الأميركي المتخصص في الشؤون العسكرية ماثيو الكسلرود في مقال حول العلاقات الدفاعية بين القاهرة وواشنطن في مجلة ورلد بوليتكس ريفيو في عددها الصادر في يونيو 2009 إلى أن مصر قد قدمت للولايات المتحدة تسهيلات عسكرية متعددة في الفترة بين عامي 2001 و2005 لاسيما السماح لحوالي 35 ألف انطلاقة طيران أميركية بعبور مجالها الجوي وحوالي 850 شحنة بحرية للمرور عبر قناة السويس إلا أن القاهرة لم توافق إلى الآن على التوقيع على اتفاقية الاتصال والعمليات المشتركة والأمن التي تمنح للولايات المتحدة تسهيلات أوسع نطاقًا في عبور القوات والإفادة من الموانئ المصرية على غرار توقيع دول مجلس التعاون الخليجي على تلك الاتفاقية وهو ما يرفضه المسؤولون العسكريون المصريون باعتباره اختراقًا للسيادة المصرية وفي هذا الإطار يربط الكاتب بين رفض مصر توقيع تلك الاتفاقية وبين غياب التوافق بينها وبين واشنطن حول إرسال قوات مصرية للمشاركة في عمليات تأمين الملاحة البحرية في مضيق عدن ومكافحة القرصنة .

وفي ذات السياق أعلن الرئيس مبارك في أكثر من مناسبة عن رفض مصر لإقامة قواعد عسكرية للقوات الأميركية على أراضيها باعتبار ذلك يمس بالأمن القومي والسيادة المصرية، خاصة بعدما أبدت القيادة المركزية الأميركية رغبتها في استخدام القواعد الجوية المصرية في نجع حمادي وغرب القاهرة والقاعدة الجوية البحرية المصرية في رأس بناس والتي سمح للولايات المتحدة باستخدامها أثناء أزمة اختطاف الدبلوماسيين الأميركيين في طهران عام 1980، كما تنتقد الولايات المتحدة رفض القيادات العسكرية المصرية مشاركة إسرائيل في مناورات النجم الساطع وتكتم القاهرة فيما يتعلق بالتدريبات العسكرية التي تجريها قواتها بما يثير مخاوف القيادات العسكرية الإسرائيلية .

بينما تنتقد القيادات العسكرية المصرية انتقائية الولايات المتحدة فيما يتعلق بواردات التسلح التي تسمح للقاهرة بالحصول عليها، حيث لم تستجب الولايات المتحدة لطلب مصر باستيراد صواريخ من طراز TOW 2B وقذائف التوجيه JDAM على الرغم من سماحها لدول مجلس التعاون الخليجي باستيرادها لاسيما المملكة العربية السعودية وهو ما يرجع من وفق رؤية الجانب المصري لحرص الولايات المتحدة على الحفاظ على تفوق إسرائيل عسكريًّا بما جعل واردات مصر من السلاح الأميركي تتراجع ابتداءً من عام 2004 كما سلفت الإشارة .

وبدت الخلافات بين الجانبين المصري والأميركي أكثر وضوحًا ابتداءً من عام 2001 مع تنديد مصر بالغزو الأميركي للعراق وتبني الولايات المتحدة لمشروعات إقليمية للإصلاح في المنطقة العربية ولاسيما بعد قيام الكونغرس بتجميد 100 مليون دولار من المساعدات الأميركية المخصصة لمصر في ديسمبر 2007 وربطها بالقضاء على تهريب الأسلحة عبر الحدود المصرية إلى قطاع غزة .

هل يوافق مبارك على المظلة الدفاعية الأميركية؟

من المتوقع أن تسعى إدارة الرئيس أوباما لتعزيز التعاون العسكري بين واشنطن والقاهرة لاسيما في ظل التقارب في تقييم الأوضاع الإقليمية والتهديد الإيراني لتوازن القوى الإقليمي ورغبتهما المشتركة في دفع عملية السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قدمًا ومن هذا المنطلق جاء إعلان بعض القيادات العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة عن مشروع لإعادة تشكيل منظومة الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط .

حيث يتضمن المشروع الأميركي وفق تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي نقلتها صحيفة النيويورك تايمز New York Times في 22 من يوليو 2009 أن تقوم الولايات المتحدة بمد مظلة دفاعية من منابع النفط في منطقة بحر قزوين الجيواستراتيجية إلى مضيق عدن والمحيط الهندي تستهدف في المقام الأول احتواء إيران إقليميًّا وتأمين تدفق النفط عبر المضايق والممرات البحرية الحيوية والتصدي لإيران في حال امتلاكها لأسلحة نووية مستقبلاً

وتراوحت توقعات المحللين السياسيين حول المشروع ما بين السماح لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن بالحصول على طائرات الإنذار المبكر الأميركية من طراز Awacs ونشر بطاريات باتريوت باك-3 في عدة دول عربية وإنشاء قواعد محدودة للاتصالات وتبادل المعلومات، ألا أن الهدف الأساسي على ما يبدو هو إدماج إسرائيل في محيطها العربي وتجاوز مرحلة العداء بين الطرفين لمواجهة التهديد الإيراني .

وسيطرح الرئيس أوباما على مبارك تدشين علاقات للتعاون العسكري مع إسرائيل وتجاوز مرحلة الجمود في علاقاتهما لاسيما للتصدي لعمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق التي تربط بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، وهو ما يرتبط بدعوة الرئيس أوباما لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية .

وفي المقابل فإن الرد المصري على هذا العرض جاء من خلال تصريحات أدلى بها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في 3 من أغسطس الجاري والتي أكدت على أن مصر لن تشارك فى المظلة الدفاعية الأميركية، وأن هذا المشروع ليس جديدًا ويتشابه مع مشروعات أخرى طرحتها الإدارات الأميركية السابقة للأمن الإقليمي في المنطقة . ولكن يظل المشروع قائمًا على أجندة مباحثات الرئيسين المصري والأميركي للوصول لمقاربة تربط بين انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية بتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وانخراط كافة الأطراف في المظلة الدفاعية الأميركية في مواجهة إيران.