عامر الحنتولي من الكويت: في الأول من يوليو/تموز من العام 2008 فاجأ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني شعبه بمقابلة إعلامية مهمة جدًا خصّ بها الوكالة المحلية الرسمية الوحيدة للأنباء (بترا)، وكانت لافتة بكل المعايير والمقاييس أجراها الصحافي الأردني المرموق رمضان الراوشدة، وصب فيها الملك الأردني غضبه على الصحافة الأردنية، وحشرها في الزاوية متحدثًا عن سقطاتها، وخيباتها، وترنحها أمام نهج الشائعة الضار الذي آذى في العامين الأخيرين أكثر من جهة في الداخل الأردني إن مؤسسات أو أفراد، علمًا أن الغضبة الملكية ضد الإعلام المحلي لم تكن الأولى، بل سبق للعاهل الأردني أن هاجم أكثر من مرة النهج الإعلامي الضار في مملكته التي آل عرشها إليه في فبراير/شباط من العام 1999، فالملك الشاب كان يأمل أن تعيّنه صحافة بلاده على شؤون الحكم، لا أن تعرقل مبادراته وخططه لتطوير مملكته الصغيرة.

قبل نحو أسبوعين أعاد العاهل الأردني الكرة وهاجم بشدة الصحافة التي احترفت نهج الشائعة، وتبنيها خلال العامين الأخيرين، وسط غضب شديد من العاهل الأردني للإنحياز المفضوح لبعض وسائل الإعلام الأردنية لما تبثه الصالونات السياسية، ولوبيات الضغط الأعمى على منجزات البلد في جميع المجالات، والتشكيك بالنهج القائم للحكم، لكن أبرز المسائل اللافتة بعد أحاديث الملك الأردني تجلى في الدور العاجز والمشلول لنقابة الصحافيين الأردنيين، وسط حيرة لدى القصر الملكي من عدم إقدام نقابة أهل المهنة على فعل أي شيء تجاه حالة الفلتان الإعلامي في الأردن، على الرغم من أن النقابة أدت انتفاضة خجولة بعد حديث الملك الى (بترا) العام الماضي، واستقبل العاهل الأردني بعد غضبه الشديد على دور الصحافة نقيبها ومجلسها، وقدم إليهم دعمًا ماليًا سخيًا لإنفاقها على مبادرات وأنشطة من شأنها رفع المستوى المهني للعاملين في المهنة، إلا أن النقابة لم تفعل أي شيء حتى الآن، على الرغم من منحها تفويضًا ملكيًا للتحرك لضبط الأمور، ووضع قواعد ناظمة للعمل الصحافي من شأنها أن تعطي واقع حريات أفضل لأهل المهنة، علمًا أن الحالة المادية للعاملين في المهنة في الحضيض منذ عقود عدة.

وفي إشارة غضب لا تخطئها العين قرر العاهل الأردني فجأة مقاطعة حفل إفطار لنقابة الصحافيين في شهر رمضان العام الماضي، إذ كان التفسير الوحيد للخطوة الملكية هو غضبه من الدور السلبي لنقابة الصحافيين التي لا تتحرك في أي إتجاه دفاعًا عن المهنة، ومنع المرتزقة من إدعاء المهنة، والعبث بأخلاقياتها وسلوكياتها، وهو ما يغضب المرجعيات الأردنية بشدة، لكن حاولت نقابة الصحافيين بعد حديث الملك الأخير العودة الى منطق الفزعة في التعاطي مع غضبات الملك، إذ إنها أصدرت بيانًا لم تسم فيه فاعلاً أو جانيًا واحدًا، خصوصًا أن البيان انطوى على عبارات ثورية قاسية، وكان أقرب الى المعارك الدونكيشوتية، قبل أن تدعو الى اجتماع لمناقشة التطورات مع رؤساء التحرير للصحف اليومية، إلا أن بعض رؤساء التحرير قاطعوا اجتماع النقابة، على اعتبار أن النقابة تحكمها قواعد الفزعة، فلا تلبث العاصفة أن تهدأ حتى تعود نقابة الصحافيين الى غض النظر عن المخالفات التي ترتكب بإسم الصحافة الأردنية، فجهات أردنية تقول لـquot;إيلافquot; إن القائمين على نقابة الصحافيين غير مؤهلين لأداء ثوري يعيد ترسيم الخطوط العريضة، والتصرف على أسرار التفويض الممنوح لها من قبل القصر الملكي، قبل التفويض الذي حصلت عليه من أهل المهنة الإعلامية.

المفارقة المؤلمة في قانون نقابة الصحافيين الأردنيين أنه يلفظ نصف العاملين الآن في المهنة خارج رحم النقابة، وهو ما يحرم النقابة من موارد مالية ضخمة جدا، في ظل وجود قوى شد عكسي داخل مجلس النقابة ترفض التوسع في مسألة العضوية ، وهو أمر من شأنه أن يعيد خلط الأوراق بشأن قيادة النقابة في المستقبل، وتكسير التابوهات التي تعيق وصول أسماء إحترافية في العمل الإعلامي الى مواقع القرار في النقابة، وسحب البساط من أعضاء في مجلسها يحوزون عضويتهم وفقًا لكوتا ملاك الصحف، علمًا أن أحد الأعضاء يتحايل على القانون من خلال إمتلاكه لرخصة صحيفة أسبوعية يلجأ الى إصدار عدد من الصحيفة التي لا يقرأها أحدًا، كي لا تسحب الحكومة الترخيص، وهو ما دعا أقطاب في العمل الإعلامي خارج المهنة الى إسداء النصح للنقابة بأن تعالج الإختلالات في مجلسها أولا قبل التفرغ لمسألة الإختلالات الناجمة عن ممارسة المهنة عبر التغطيات والمقالات والتحليلات.

وأشد ما يحير المرجعيات الأردنية المستاءة جدًا من العبث الذي تمارسه نقابة الصحفيين هو إصرارها المعيب على طلب بند التدرب من صحافيين أفنوا أعمارهم في رفع نهضة الصحافة الخليجية والعربية الرائدة على أكتافهم، علمًا أن بند التدرب الذي تصر عليه نقابة الصحافيين شكلي وغير متحقق أساسًا في وسائل الإعلام الأردنية، وهو ما يثير السخرية فعلاً، بيد أن المفارقة المضحكة هو قيام نقابة الصحافيين بالطلب من الحكومة التحرك ضد المراسلين الصحافيين لصحف خارجية بحجة أنهم غير مسجلين في نقابة الصحافيين، لكن الحكومة تتجاهل تمامًا تلك الدعوات لأنها تخالف معاهدات دولية يعتبر الأردن عضوًا فيها، كما أن الصحف الخارجية تعتمد مبدأ الكفاءة فيمن تختاره ليراسلها، لا القواعد غير الموضوعية التي تعتمدها النقابة.