عبد الخالق همدرد من إسلام أباد: لعل أفغانستان ستبقى طول تاريخ البشرية مقرونة بهجمات 11 سبتمبر 2001م التي تسببت في توجه المارق الأميركي مع ماكينته الحربية إلى البلاد الممزقة بالحرب مع الروس ومن ثم التناحر بين أهاليها، رغم أن الجميع قد تأكدوا من أن أفغانستان لم تكن لها ناقة ولا جمل في تلك الهجمات؛ لأنه تم التنسيق لها في أوروبا ونفذها أشخاص لم يكونوا من أفغانستان.
بعد مرور ثماني سنوات على تلك الهجمات التي غيرت من ملامح السياسات الدولية والتوازنات في مختلف المناطق، عندما يرى أحد إلى الوراء وإلى الدمار الذي حصل في أفغانستان، يبدو أن الأمور لم تتغير للمواطن الأفغاني؛ لأن الأهداف التي أعلنتها الولايات المتحدة لدى غزوها لأفغانستان، لم يمكن كسبها بعد.

الأهداف الأميركية من غزوها لأفغانستان:
عندما أعلنت الولايات المتحدة غزوها لأفغانستان والقضاء على quot; حكم طالبان الغاشمquot; وتحرير الشعب الأفغاني من quot; الظلمquot; ومنحه الحريات الأساسية التي سلبها طالبان، كانت لها ثلاث أهداف من تلك الحرب: القضاء على طالبان والقاعدة والقضاء على المخدرات وإعادة الأمن إلى أفغانستان.
كانت أفغانستان تعاني من سوء الإدارة والفساد المالي قبل الغزو الأميركي وبناء عليه كان تحسين نظام الحكم والقضاء على الفساد الإداري والمالي وتحكيم الشفافية في الحكم ضمن قائمة الأهداف الأميركية؛ لكن المحللون يرون أن الولايات المتحدة لم تنجح ولا في كسب هدف واحد من أهدافها الثلاثة للأسباب التالية:
رغم إعلان الولايات المتحدة القضاء على الفساد الإداري، لم تجد في أفغانستان من يقف إلى جانبها إلا الفاسدين ومهربي المخدرات وبارونات الحرب الذين كانت الكلمة المسموعة لهم في كل مكان قبل حكم طالبان. وقد اجتمع كل هؤلاء الفاسدين تحت المظلة الأميركية للانتقام من طالبان الذين قضوا على quot; بلطجيتهمquot;، إضافة إلى حماية مصالحهم تحت الحكم القادم بقيادة الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق اضطرت أميركا إلى احتضانهم، بدلا من إقصائهم أو محاكمتهم. وبالتالي فإن الفساد الإداري والمالي بدأ يزداد مع كل يوم يمضي.
فوجدت الولايات المتحدة له حلا في تقديم المساعدات الدولية إلى أفغانستان عن طريق المنظمات غير الحكومية؛ لكن هذا الأمر لا تحبذه حكومة كرزاي التي ترى أن أكثر من نصف الميزانيات التي تصل إلى أفغانستان، يعود إلى جيوب المنظمات الدولية بشكل المرافق والرواتب العالية لموظفيها. وقد طالب كرزاي أخيرا، بتقديم المساعدات الدولية مباشرة للحكومة الأفغانية.

القضاء على القاعدة وطالبان:
أما القضاء على القاعدة وطالبان، فمن المعروف أن الولايات المتحدة لم تحرز أي مكاسب تذكر في هذا الصدد؛ لأن القاعدة أعادت تنظيمها حسب التقارير الأميركية وأن قياداتها العليا لا تزال على قيد الحياة وقد تحسن نظام الاتصالات بين مختلف خلايا القاعدة، رغم أن باكستان لعبت دورا أكبر من الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة، إذ قام نظام الجنرال مشرف باعتقال أكثر من 600 ناشط للقاعدة وتسليمهم إلى الولايات المتحدة، إلى جانب سقوط عدد منهم في الغارات الأميركية الجوية على المناطق القبلية الباكستانية، بينما تشير تقارير أميركية إلى انتقال القاعدة من العراق إلى أفغانستان والصومال.
وبالنسبة لطالبان في أفغانستان، فلعل وضعهم أحسن هذه الأيام، مقارنة بأي وقت مضى من الاحتلال الأميركي لأفغانستان؛ لأن التقارير الأميركية أكدت أن لهم تواجد في 74% من الأراضي الأفغانية، بينما نفوذهم بدأ يتوسع إلى الولايات الشمالية ذات الأغلبية الطاجيكية أيضا، بعد أن كان منحصرا في الولايات الجنوبية والشرقية ذات الأغلبية البشتونية.
وقد أوردت الصحافة التقارير عن أن عناصر مسلحة لطالبان كانوا يحرسون الاجتماعات الجماهيرية لتشييع الجنائز في ولاية قندوز، بعد مقتل 120 مدنيا في غارة جوية لقوات الأطلسي، الأسبوع الماضي.

كما وأن الصحافة الباكستانية نشرت صورا لطالبان وهم يحملون السلاح ويقومون بالدوريات في ولاية هلمند الجنوبية في رابعة النهار. أضف إلى ذلك أن القوات الدولية قد شنت عملية quot; الخنجرquot; كبرى عملية أميركية في ولاية هلمند، قبل أكثر من شهر بقوات قوامها 4,000 جندي تحميهم القوة الجوية وتساعدهم المدفعية الثقلية والدبابات؛ إلا أن النتيجة كانت الصفر ولم يرجع تلك القوات إلا بخفي حنين. وخلال تلك العمليات أطلق جنرالات من القوات الدولية أن quot; طالبان قوة خارقة في حرب العصاباتquot;.
ولعل قوة طالبان ndash; الذين لا يحبذون تسميتهم بهذا الاسم هذه الأيام، بل يفضلون ويستخدمون كلمة quot; مجاهدي إمارة أفغانستان الإسلاميةquot; للتعبير عنهم- تكمن في معنوياتهم العالية، رغم مرورهم عبر وقت عصيب. وبناء عليه فإنهم رافضون للجلوس على مائدة المفاوضات مع الولايات المتحدة أو نظام كرزاي، رغم محاولات عديدة من جهات مختلفة. ويرى محللون ndash; وقد صرح بذلك قيادات طالبان أيضا- أن طالبان يظنون أنهم على دهاليز الانتصار على القوات الأجنبية في أفغانستان. وبالتالي فإن التفاوض في هذه المرحلة، ستسكب الماء على تضحياتهم، في حين تواجه القوات الأجنية أزمة فكرية وعملية في أفغانستان.
ويشير المحللون إلى أن الجندي الأجنبي لا يعرف سبب خوضه المعارك والمغامرة بنفسه في أفغانستان؛ لأنه وإن كان موظفا لحكومته التي تؤيد الحرب في أفغانستان، غير مقتنع بمبررات الحرب المفروضة على أفغانستان. ومن هذا المنطلق فإن نسبة إصابة جنود الاحتلال في أفغانستان بالأمراض الذهنية، عالية جدا، بينما يرفض معظم دول الإطلسي إقحام المزيد من قواتها في الساحة الأفغانية، رغم الطلب المتكرر من جانب الولايات المتحدة في هذا الصدد و قرار نظام أوباما بنشر نحو عشرين ألف جندي أميركي آخر.
كما وأن الدول التي لها تواجد عسكري في الولايات الشمالية الأفغانية الآمنة نسبيا، لا ترغب في نشر جنودها في الجنوب الساحة الساخنة للمعارك، مبررة بأن جنودها في أفغانستان لمساعدة الأفغان وليسوا لمحاربتهم.

من جهة أخرى تشير التقارير إلى أن آلية حرب طالبان تحسنت إلى حد كبير، خلال هذه السنوات الثمانية. فبعد أن كانوا لا حول لهم ولا قوة بالغارات الجوية، أصبحوا الآن قادرين على إسقاط المروحيات الحربية والمقاتلات. وقد أثارت قضية سقوط أربع مروحيات حربية خلال عملية quot; الخنجر quot; في هلمند، حفيظة الدول المشاركة في الحرب، رغم أن قوات الأطلسي ادعت بأنها سقطت جراء أسباب فنية. وقد أشارت التقارير الصادرة بعد ذلك إلى أن طالبان قد تمكنوا من الحصول على الصواريخ المضادة للطيران من روسيا والصين وإيران أو جمهوريات وسط آسيا. وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في ساحة المعركة، تحاول اختراق صفوف طالبان وتقسيمهم إلى معتدلين ومتشددين؛ لتتمكن من إجراء مفاوضات مع المعتدلين؛ لكن هذه الخطة أيضا لم تتكلل بالنجاح إلى غاية الساعة؛ لأن المعتدلين الذين وجدتهم الولايات المتحدة، هم من المسؤولين السابقين لحكومة طالبان وجالسون في بيوتهم. وليست لهم ناقة ولا جمل في المعارك الدائرة، بينما المحاربون لا يزالوا متحدين تحت لواء واحد.
والمستجدات على الساحة الأفغانية تشير إلى أن طالبان أصبحوا قادرين على الإشعار بتواجدهم في أي مكان من أفغانستان، وليس أدل على ذلك من الهجوم الانتحاري على بوابة قاعدة الأطلسي الجوية في كابول قبل أسبوع، بينما يرى المحللون أن نفوذ طالبان قد توسع ليشمل مناطق أخرى جراء استياء الشعب الأفغاني من أداء الحكومة الأفغانية وهجمات الأطلسي غير المبررة ضد المدنيين.

مكافحة المخدرات:
ومثل فشل الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة وطالبان، فإنها صادفت الفشل في القضاء على المخدرات أيضا. ومن المعروف أن المخدرات في أواخر حكم طالبان، كادت أن تختفي عن الساحة؛ إلا أن إنتاجها قد بلغ أربعمائة طن العام الماضي، رغم الحملات الأميركية لمكافحتها. ويرى المحللون أن سبب ذلك يعود إلى وقوف الحكومة الأفغانية إلى جانب مهربي المخدرات. وقد أشار بعض التقارير إلى تورط الرئيس كرزاي في هذه quot; التجارة الرابحةquot;؛ إلا أن المحللين يرون أن أسباب ارتفاع إنتاج المخدرات لا تنحصر في الحكومة الأفغانية فقط؛ لأن وكالة التحقيقات المركزية الأميركية وبعض الأجهزة الدولية الأخرى أيضا من المستفيدين من تهريب المخدرات. فلو أرادت الحكومة الأفغانية القضاء عليها، فإن الأجهزة الأخيرة لن تسمح لها بذلك. وبناء عليه فإن رقعة زراعة المخدرات في توسع مستمر في أفغانستان، في حين تتهم الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة بأن طالبان متواطئون مع مهربي المخدرات وأن المخدرات مصدر تمويلهم.

الأمن:
الأمن أصبح هاجس كل مواطن أفغاني هذه الأيام؛ لأنه هو الضحية في المعارك الدائرة بين القوات الأجنبية وطالبان؛ إلا أن الجميع يتفق على أن الحكومة الأفغانية لم تتمكن من توفير الأمن للمواطنين، بل إن جميع قواها مكرسة على العاصمة كابول فحسب. كما وأن القوات الأجنية ليست في كل مكان، وإذا كانت فإنها تتوقى بالقوات الأفغانية؛ لأن الجيش الأفغاني ليس أكثر من حارس للقوات الأجنبية. وبناء عليه فإن عدد ضحاياه يكون أضعافا مقارنة بالقوات الأجنبية خلال أي معركة مع طالبان.
وقد أوردت المصادر الأميركية أن المواطن الأفغاني أيا كان انتماؤه، يحن إلى نظام طالبان فقط من أجل الأمن الذي وفروه إبان حكمهم لأفغانستان. ويرى المراقبون للوضع الأفغاني أن الأمن لن يعود إلى أفغانستان إلى حين يتم القضاء على بارونات الحرب في مختلف المناطق؛ لكن هذا الأمر خارج تفكير الولايات المتحدة؛ لأن سيطرتها على أفغانستان بفضلهم وبالتالي فإنها لن تبتر سواعدها والشعب الأفغاني لن يستريح منهم.

الانتخابات الأفغانية والمستقبل:
شهدت الساحة الأفغانية انتخابات رئاسية جديدة في شهر أغسطس الماضي؛ إلا أن نتائجها النهائية لم يتم الكشف عنها بعد، في حين يشير إحصاء النتائج التي وصلت أن الرئيس السابق كرزاي قد حرز 54% من الأصوات، بينما نصيب وزير الخارجية السابق وأقرب منافسيه عبد الله عبد الله، 28%. وهذا يعني أن quot; نصيب الأسد quot; من نصيب كرزاي؛ لكن لم يقبل بهذه النتائج عبد الله عبد الله، مع توجيه اتهامات التزوير إلى كرزاي. وفعلا قد وجدت مفوضية الانتخابات دلائل كافية ومقنعة بالتزوير في عدة دوائر وبالتالي أمرت بإعادة إحصاء الأصوات.
وقد عبر رسم كاريكاتيري نقلته الصحافة الباكستانية عن مصادر دولية، عن هذا الوضع بأحسن أسلوب. والصورة رسمت صندوقا مليئا بالأصوات، يقف كرزاي إلى يمينه ومراقب دولي للانتخابات على يساره. يقول المراقب: quot; دعني أخبرك، ما هي الانتخاباتquot; ويرد كرزاي عليه quot; دعني أخبرك، ما هي أفغانستانquot;.
ويرى المراقبون أن كرزاي هو الذي سيتولى الرئاسة في أفغانستان مرة أخرى؛ إلا أن الوضع السياسي الأفغاني سيشهد انقسامات أخرى، في حين تمكن كرزاي من اختراق التحالف الشمالي - الذي كان الساعد الأيمن وقت بداية الغزو الأميركي لأفغانستان- ، إذ كسب الجنرال قاسم فهيم أحد كبار زعماء quot;شورى نظارquot; للقائد أحمد شاه مسعود وكريم خليلي رئيس حركة الشيعة الهزارة إلى جانبه، إضافة إلى بارونات الحرب في المناطق البشتونية الجنوبية. وهذا الأمر سيكون مصدر قلق لدى الطاجيك ولاسيما أن عبد الله عبد الله من الطاجيك ومن أتباع أحمد شاه مسعود. ورغم أن هناك نداءات لإعادة إجراء الانتخابات؛ إلا أن هذا الأمر يبدو صعبا، وعلى سبيل الخصوص بسبب أن أحد المرشحين قد تجاوز حد الـ 50% من الأصوات. ولو فرضت إعادة إحصاء أصوات كرزاي التي بلغت 54%، فإنها لن تقل عن النصاب المطلوب بعد ذلك أيضا.

تحسين الوضع المعيشي والبنية التحتية:
والنجاح الأميركي الذي لا يمكن غض البصر عنه في أفغانستان، هو التحسن النسبي للوضع الاقتصادي الأفغاني والبنية التحتية من الطرق والمطارات وبعض المرافق الأخرى. ويرجع المحللون أسبابه إلى ضخ الدولارات الدولية في الاقتصاد الأفغاني مما زاد من قيمة العملة الأفغانية؛ لكن هذا النجاح مؤقت من ناحية أن توقف المساعدات الدولية في أي وقت، ستعيد الوضع إلى حاله.
أما بالنسبة للبنية التحتية وإعادة تفعيل بعض المطارات في مختلف أنحاء البلاد، فإنها حاجة للقوات الأجنبية، قبل أن تكون خدمة للمواطنين؛ لكن مع ذلك فإنه أمر يحبذه الجميع.

خلاصة القول:
وملخص الكلام أن أفغانستان بعد ثماني سنوات من 9/11، لا تزال تعاني من المشاكل وأن المعارك بين القوات الأجنبية وطالبان تستمر وأن نفوذ طالبان في توسع إلى مناطق جديدة خارج معاقلهم وهم يرون أنفسهم على قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، بينما القوات الدولية منهارة نفسيا ومترنحة حول أهدافها. وأكبر من ذلك أنها ليست جاهزة لتقديم دماء الجنود البيض التي هي من أول متطلبات الانتصار.