في خضم الدعوات إلى التغيير، التي تطلقها مختلف الكتل السياسية العراقية المتنافسة للانتخابات البرلمانية الأربعاء المقبل، فقد اختلفت تصوّراتها حول كيفية تحقيق هذا التغيير.. quot;إيلافquot; حملت تساؤلات الشارع العراقي وتطلعاته إلى ما يمكن أن يقدمه المرشحون الجدد لعضوية البرلمان المقبل، وسط حالة من الإحباط وعدم الرضى عن أداء البرلمانيين خلال السنوات العشر التي مضت وحاورت أحدهم، هو الخبير الإعلامي الدكتور هيثم هادي نعمان الهيتي.


أسامة مهدي: يرى الهيتي المرشح عن القائمة الوطنية بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، والذي يركز برنامجه الانتخابي على أوضاع الشباب، أن تغيير واقعهم يتم بالتعليم والاقتصاد وتوظيفهم في العمل بدلًا من توظيفهم في الميليشيات والقاعدة.. واعتبر أن قادة عراق اليوم يملكون عقولًا تاريخية، ويستندون إلى الماضي في خياراتهم السياسية وفي توعيتهم للجماهير، بينما المطلوب أن تكون هذه الخيارات متجهة نحو المستقبل.. وفي ما يلي أسئلة quot;إيلافquot; للمرشح الهيتي وإجاباته عليها:

*لماذا اخترتم quot;الوطنيةquot; للترشّح ضمن قائمتها؟، هل بسبب برنامجها أم شخصياتها؟
... اختياري نابع من عناصر عدة، العنصر الأول قد أقول أنا لم اختر، بل تم اختياري، حيث عرضت عليّ بعض الكتل السياسية أن أكون ضمنها أو قياديًا فيها. أما الدكتور أياد علاوي فأنا عملت معه عندما كان رئيسًا للحكومة في المجال الإعلامي، وتحديدًا في دائرة الاتصالات الحكومية، وبصفة مدير لقسم، وأصبحت معرفتي به ليس من خلال وسائل الإعلام، وإنما مباشرة، وهو شخص يقدر الكفاءة العلمية والرصد الإعلامي واستطلاعات الرأي العام، وفترة العمل هذه أتاحت لي التعرّف شخصيًا إليه، وعلاقتي الوطيدة به مبنية على إعجابه بإنجازاتي العلمية، وهذا الشيء جعلني أنظر إليه على أنه سياسي حقيقي ورجل قيادة، وهو دعاني إلى المشاركة السياسية معه.

ورغم أنني طلبت منه خطيًا أن أبقى (استشاريًا) من دون المشاركة السياسية، وهذا كان هو (اختياري الحقيقي) الذي تسألني عنه، وحتى قبل شهرين من الانتخابات كنت أرغب في البقاء استشاريًا، ولكن الدكتور أياد أصرّ عليّ للترشح، لأن هناك حاجة إلى الكفاءات، خاصة في هذا الوقت، فتخلّيك عن العمل السياسي هو تخلٍّ عن العراق.

الشيء الثالث هو أن القائمة الوطنية تعتبرالوعاء الوطني للكل، الذي يحوي كل العراقيين، من دون النظر إلى انتماءاتهم الضيقة، وأن الهدف هو بناء قوة وطنية، تساهم في الحفاظ على العراق من التخندقات الطائفية المقيتة.

*تعتبر الوطنية إحدى بقايا القائمة العراقية.. فهل تعتقد أنها قادرة على تحقيق النتائج الانتخابية التي حصدتها في انتخابات 2010؟ ولماذا؟
... أنا لا أعتبر أبدًا أن الوطنية هي بقايا العراقية، بل إنني تحدثت مع زعيمها بصراحة حول أن البعض حاول سرقة مشروع العراقية بطائفيته ومصلحته الضيقة. ومن الأفضل بناء هيكل وطني جديد، بعيد كل البعد عن أي صبغة طائفية محتملة، وهذا الهيكل الآن لا يمت إلى العراقية بصلة، ويمكن أن ترى شخوصه ومرشحيه معظمهم من الوجوة الجديدة. وأنا أعتقد أن الهدف ليس في الفوز بعدد المقاعد، بل في تحقيق الهدف السياسي، وأنا أرى أن العراقية فازت، ولكنها فشلت في تحقيق أي هدف سياسي، ولأسباب عدة. واليوم الوطنية، وإن لم تحقق عدد المقاعد نفسه، لكنني أراها متماسكة في نهجها، وواثقة بنفسها، وهي ستحقق أهدافها السياسية، وأفضل من العراقية لأنها كتلة رصينة ومتماسكة، ومؤمنة بالهدف السياسي الذي تسعى إليه.

*عن أي محافظة ترشحت؟، ولماذا؟
... ترشحت عن بغداد، لأنني ولدت في بغداد، حيث انتقل والدي إلى بغداد منذ أن كان عمره 16 سنة، ودرست في الإعدادية المركزية، وأنا ولدت في مدينة الأعظمية، ونشأت في بغداد، ودرست فيها، وأحببتها، ولم أر مثل بغداد مدينة متجذرة في خيالي وطموحاتي المستقبلية.

*برنامجك الانتخابي يركّز على الشباب، فكيف ستستطيع تحقيق طموحاتهم؟. ماذا ستقدّم إليهم؟، وبأي الوسائل؟
... بالأفكار الجديدة، وليس بقصص أسطورية مضت عليها مئات السنين، إن مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة دولية تدرس الأزمات في العالم، تقول إن العراق لا يوجد فيه (متحدثون) وهي تعني متحدثين عن المستقبل.. إن قادة عراق اليوم يملكون عقولًا تاريخية، أي إنهم يستندون إلى الماضي في خياراتهم السياسية، وفي توعيتهم للجماهير، وأنا أريد أن أتحدث عن المستقبل، ويجب أن نستخدم (العلم). نحن بحاجة إلى استيراد عقول أكاديمية لبثها في الجامعات والمؤسسات العراقية، ونحن بحاجة إلى إرسال طلبتنا لمعيشات علمية في جامعات العالم، ليثروا الجهلة، وليفهموا معنى الحياة وأهمية المستقبل، وليس الماضي.

*بفعل وجودك في الأردن وغيابك عن أرض الوطن، كيف ستستطيع التفاعل مع احتياجات الناخبين والتفاعل مع بيئتهم الاجتماعية؟، ألا تعتقد أن هذا عامل ليس في مصلحتك؟
... أنا أسكن في بغداد ndash; حي المنصور، وما زلت أسكن فيه حتى اللحظة - إلا أنني نقلت عائلتي إلى الأردن، بسبب دخول سيارة مفخخة إلى منزلي المجاور للسفارة المصرية وتفجيره، والذي أدى إلى جرح زوجتي وابني الصغير، وتمت معالجتهم في الأردن، وقررت إبقاءهم هناك.

*كيف يستطيع الشباب الحالي تجاوز مرحلة التخندق الطائفي والمناطقي الضيق للسياسيين الحاليين المهيمنين على العملية السياسية منذ 11 عامًا؟
... بالأفكار الجديدة، بالتعليم والاقتصاد، لقد سألني أحد العراقيين كيف يتم إنهاء الطائفية، فقلت له بالاقتصاد.. فالعراق مثلًا هو أقرب نقطة تربط الشرق بالغرب، ولو قمنا باستغلال موقعنا الجغرافي، لجعلنا مصلحة ابن البصرة مرتبطة بمصلحة ابن أربيل، وجعلنا العراق يمر فيه أهم طريق دولي لمسافة ألف كيلو متر، ووظفنا شبابنا في العمل بدلًا من توظيفهم في الميليشيات والقاعدة.

*كيف ترد على من يتهمونكم أنتم المرشحين بأنكم ستنشغلون بمصالحكم الشخصية ومكاسبكم المادية، وتتنكرون لناخبيكم واحتياجاتهم فور فوزكم بالمقعد البرلماني؟
... أنا لا أستطيع الإجابة نيابة عن بقية المرشحين، ولكنني بكل وضوح إن فكرت في مصلحتي الذاتية، فإني سأخسر الكثير بترشحي، فأنا أعمل مع كبريات المؤسسات الدولية البحثية، ولكنني معجب بجورج واشنطن، الذي تخلى عن مكاسب مصلحية خاصة لأجل وطنه أميركا، وأنا تخليت عن مكانة علمية مرموقة عالمية لأجل أن أعطي العراق شيئًا، وأكسب سمعة وطنية وإنسانية، عسى أن أستطيع، ولا أريد شيئًا مقابلًا لهذا الشرف.. أنا هذه رؤيتي، وقد لا يصدقها البعض، ولكن هذا هو وعدي لجمهوري.

*هل تعتقد أن حكومة الغالبية السياسية التي يدعو إليها المالكي حاليًا ستحلّ الأزمات السياسية في البلاد؟، ما هو برأيك الطريق للحلول؟
... أنا لا أرى معنى في ذلك لحل الأزمات. فهناك حكومة غالبية سياسية ناجحة، وهناك حكومة غالبية فاشلة، وهناك حكومة شراكة ناجحة، وهناك حكومة شراكة فاشلة. الخلل في إدارة حكومة الغالبية أو الشراكة، وليس في نوعها، فإن كانت هناك إدارة تتوافق مع فكرة تأسيس الحكومة، وإن كان هناك عقل سياسي يمتلك إدراكًا واسعًا لفهم العراق وطريقة إدارته، فإنه سينجح، أيًا كانت نوع الحكومة.

إن دعوة السيد المالكي هي تملص من الفشل في الإدارة في الحقيقة. هو يعتقد أن الخلل في تكوينة الحكومة، وهذه نظرة ضيّقة، هو لن ينجح، حتى إن شكل حكومة غالبية، لأن نجاحه معتمد على عنصرين مختلفين عن نوع الحكومة، العنصر الأول يتمثل في المستشارين المهنيين والمتخصصين، وليس مستشاري المنفعة من الحزب وسماعه لهم وتنفيذ استشاراتهم، والعنصر الثاني متجسد في إدارة البلاد وهو الخروج من عقلية إدارة الحزب، والفصل بين الأيديولوجية الحزبية والإدارة المهنية التي تحتمها المسؤولية الأخلاقية والوطنية.

*هل تعتقد أن المجتمع العراقي قد وصل إلى حالة من النضج التي تمكّنه منحسن اختيار المرشحين القادرين على خدمته بعيدًا عن الطائفية والحزبية والمصالح النفعية الشخصية؟
... جزئيًا نعم، ولكن ما زلنا نحتاج سنوات أخرى، وفي الوقت نفسه نحتاج دعاية سياسية جديدة، تختلف عن الدعاية الطائفية وتمقتها. ففي السبعينات رشحت شخصية أميركية فاسدة ذات لون أبيض مع شخصية كفوءة سوداء يدعى برادلي في ولاية لوس أنجلوس، ولكن فاز الأبيض، لأن الناس انتخبوه وفقًا لانتماءاتهم، وليس وفقًا للكفاءة. أما الآن فأوباما يرأس الولايات المتحدة، وهذا تحوّل كبير.

أنا أرى مثلًا قائمة السيد الحكيم تحوي شخصيات عراقية مدنية، وهذا تحول كبير في العقل السياسي العراقي، وهو إشعار بتحول اتجاهات الرأي العام أيضًا.

*ما هي مآخذك على أداء البرلمانيين السابقين التي ستحاول تجاوزها.. وماهي بدائلك عن الأخطاء التي ارتكبوها.
... سؤالك صعب جدًا، فأنا ليست لديّ مآخذ، فالمآخذ تعني بعض الهفوات، ولكنني ببالغ الأسى، أرى أن البرلمان العراقي في أسوأ حالاته، وهناك شخصيات لا تصلح للعمل في أي وظيفة. أصبحوا برلمانيين، ولم يفهموا حجم المسؤولية التاريخية والأخلاقية لهذا المكان، الذي يجب أن يكون أشبه بالمقدس، لأنك تمثل أبناء شعبك.. البدائل لا يمكنني القيام بها وحدي، وأملي أن أجد في البرلمان المقبل، إن نجحت، من هم فعلًا مؤمنون بالبناء والتقدم، لنبني سويًا شيئًا جديدًا يعطي العراق حقه بين الشعوب.