لا تمتلك ميريت وسمر كاميرا تصوير فوتوغرافي خاصة بهما بعد، لكن الشابتين أصبحتا معروفتين في محافظة قنا باعتبارهما مؤسستي أول فريق تصوير فوتوغرافي نسائي في صعيد مصر.

وتظهر على صفحة فيسبوك الخاصة بمشروعهما "جازية" للتصوير الفوتوغرافي الذي أسستاه منذ شهرين، صور شابات من الصعيد بصورة مختلفة عما هو متداول عن تلك المنطقة؛ فتيات محجبات يرتدين ملابس عصرية ملونة يتنزهن ممسكات بأيدي شركاء حياتهن، أو يحتفلن مع صديقاتهن، والكل مبتسم.

لا يقتصر اهتمام ميريت أمين (22 عاما)، وسمر شومان (24 عاما) ـ وهما صحفيتان من محافظة قنا ـ على إظهار وجه آخر لحياة الفتيات في مجتمعهما الذي يقطنه أقباط ومسلمون ويوصف غالباً بالمحافظ، بل تسعى الشابتان أيضاً لتوثيق حفلات ومناسبات خاصة كالزواج على نحو يحمي خصوصية الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب أو النقاب.

تقول ميريت: "أتذكر مرة كيف أن قريية لي ترتدي النقاب أرادت أن تتصور في حفلة خطوبتها مع خطيبها وصديقاتها لكنها لم تستطع فكل المصورين في منطقتنا من الرجال".

"جازية"

أعلنت سمر وميريت في شهر أيار/مايو الفائت عن يوم تصوير فوتوغرافي في الهواء الطلق لفتيات المنطقة، ولكن ارتفاع درجة حرارة الجو والازدحام الشديد ذاك اليوم منع غالبية المدعوات من الوصول إلى موقع جلسة التصوير المجانية، فدفع فشل ذلك اليوم المصورتين إلى التفكير بمشروع جديد يتمثل بتأسيس فريق تتولى الشابتان فيه مهام التصوير ومعالجة الصور وطباعتها.

اختارت الشابتان اسم أميرة مشهورة ورد ذكرها في السيرة الهلالية الشعبية ذائعة الصيت وهي الأميرة "جازية" لإطلاقه على المشروع.

تقول ميريت: "كانت جازية أميرة مميزة إذ كان يؤخذ برأيها عند اتخاذ قرارات القبيلة. كذلك كان رأي السيدة الصعيدية منذ زمن بعيد مسموعاً، فقد كانت تفكر وتتخذ قرارات تحدد مصير العائلة. واليوم، نحن نريد أن نكون قدوة لفتيات العائلة؛ نريد أن يرى الجميع أننا نعرف كيف نفكر لنتخذ قرارات مميزة أيضاً."

وصل عدد متابعي صفحة فيسبوك الخاصة بالمشروع إلى نحو١٥٠٠ خلال شهرين، وعبر هذه الصفحة يتواصل كثيرون مع المصورتين يوميا لحجز مواعيد جلسات تصوير.

وخفضت الشابتان الأسعار لأقل مما هو متعارف عليه. وتقول الشابتان إنهما لا تتقاضيان أجراً من الفتيات غير القادرات على الدفع، فكل من ميريت وسمر تحصل على راتبها من العمل في شركة إعلامية ولا تفكران الآن بتحقيق أرباح من عملهما في مجال التصوير؛ فهما تعتبران أن ما تقومان به بمثابة خدمة مجتمعية.

"أول مرة أنام خارج المنزل"

ترى كل من سمر وميريت في عملهما هذا تحدياً ـ أو حتى تمرداً ـ على مجتمعهما الذي اعتاد أن يكون المصورون فيه رجالاً فقط، في حين أن نسبة كبيرة من نساء المنطقة هن من المحجبات أو المنقبات. فالمشكلة ـ كما تشرح سمر ـ أنه من غير المعتاد قيام فتيات الصعيد بمهمات تصوير، في حين أن الكثيرات يرغبن بجلسات تصوير دون وضع غطاء للرأس في مناسبات خاصة.

ولا يرحب الناس ـ عموما ـ في محافظات الصعيد بعمل المرأة في فضاء عام كالشارع، كما تقول سمر التي ترى أنها كانت قد كسرت إحدى قواعد مجتمعها عندما درست الصحافة في كلية الآداب في محافظة قنا حيث لا تحبذ الصحافة كمهنة للنساء، كما تقول.

تتذكر سمر إحدى أجمل المناسبات التي صورتها حتى اليوم قائلة: "كان التصوير مع فتاة أعرفها وأعلنت خطوبتها على شاب بعد قصة حب طويلة جمعتهما. كان التصوير في مكان بعيد سافرت إليه، وكانت أول مرة أنام فيها خارج المنزل حيث بت في منزل صديقتي"، أما ميريت فتفضل يوم تصوير حاولت فيه طوال الوقت جعل شاب و فتاة مخطوبين يبتسمان إذ كانا شديدي الخجل من الوقوف أمام الكاميرا.

"الدنيا ليست دائما وردية"

ولكن رغم قيام سمر وميريت بتحدي بعض أعراف البلد، إلا أن الشابتين لا تسعيان للخروج على نحو كامل عن العادات الاجتماعية السائدة في منطقتهما؛ فهما أثناء عملهما كمصورتين لا تختلطان بالرجال بل ينحصر وجودهن مع النساء.

لمزيد من القصص المنوعة اضغط هنا

وتقول ميريت: "لا نريد أن نكون بنات حالمات فقط بالزواج والاستقرار في منزل، وفي الوقت ذاته نحافظ على عدم الاختلاط بالرجال ونبتعد عن تجمعات الشباب أثناء العمل. كما أني أنسق دائما مع أخي ليصطحبني متى اضطررت للعودة إلى المنزل في وقت متأخر".

ويواجه مشروع ميريت وسمر الفتي عدة تحديات؛ فقد اضطرتا إلى تأجيل كثير من جلسات التصوير لعدم امتلاكهما كاميرا تصوير خاصة بهما؛ فهما تستأجران أو تستعيران كاميرا في الوقت الحالي. ولكنهما الآن بصدد شراء واحدة بعد أن ادخرتا ثمنها. كما أنهن يتعرضن أحيانأ لبعض المضايقات من الرجال أثناء عملهما. وبالرغم من ذلك، تقول سمر، "لا أهتم أبدا. الدنيا ليست وردية دائما وحتى الشبان يتعرضون للمضايقات في الشارع".