&
نعرف عن جان كوكتو أنه كان روائيا ومخرجا وكاتب مسرحيات وشاعرا ولكن الكثيرين لا يعرفون أنه كان رساما أيضا وأن هذا الفنان ذو المواهب المتعددة ترك وراءه تخطيطات عديدة ومجموعة رسومات بورتريه شخصية رافقت قصائده. وقد جمع كوكتو هذه الرسومات في كتاب واحد نشره في عام 1924 تحت عنوان "سر جان صياد الطيور" وبعدد نسخ محدود جدا لم يتجاوز 142 نسخة وزعت على جهات ومؤسسات معينة وعلى المهتمين باقتناء كتب نادرة، ما جعل من الصعب جدا العثور على هذا الكتاب القديم. ولكن دار سان بيير للنشر المعروفة بإعادة طبع مخطوطات قديمة في شكل نسخ طبق الأصل أعادت نشر هذه المخطوطة بأشعارها وبرسوماتها وعددها حوالى 30، فجاء المجلد بحجم 25×35 سم، وبوزن 2 كيلوغرام ويقع في 160 صفحة وعرضته للبيع بسعر 149 يورو. ونرى في صفحاته كل ما خطه وكتبه كوكتو وكما جاء في النسخة الأصلية. علما أن هذه الدار سبق أن نشرت مخطوطات أخرى في شكل نسخ طبق الأصل مثل رواية "أحدب نوتردام" لفكتور هوجو و "مدام بوفاري" لغوستاف فلوبير.
&
خط كوكتو رسومات هذا الكتاب وأشعاره خلال إقامته داخل حجرة في أحد فنادق مدينة نيس في جنوب فرنسا في عام 1924، وكان قد لجأ إليها متألما ومحبطا ولغرض الابتعاد عن باريس وعن وتيرة حياته الاعتيادية هناك بعد وفاة صديقه ريمون راديجيه المفاجئة (كانون الأول/ديسمبر 1923) بسبب حمى التيفوئيد وهو في العشرين من العمر. وكان راديجيه كاتبا وروائيا واعدا أثار الانتباه لشخصه وقدراته بعد نشر روايته "الشيطان في الجسد" ثم نشرت روايته الأخرى "حفلة الكونت دو أورجيل" بعد وفاته بفترة قصيرة. ولكنه كان أيضا شاعرا وكاتب مسرحيات تمكن من كسب شهرة واسعة بين النقاد والأوساط الأدبية قبل بلوغه العشرين.&
هناك في تلك الحجرة في فندق منسي في نيس أمضى كوكتو فترة ليست بالقصيرة يكتب أشعارا وينظر إلى نفسه في المرآة ويرسم بورتريهات شخصية تعكس مشاعر الألم والحسرة وإحساسا بالضياع وبفقدان القدرة على تمييز الاتجاهات بعد هذا الحدث الذي هزه في أعماق ذاته. وهناك أيضا انساق كوكتو لتأثير الأفيون الذي ضاعف من شعوره بالوحدة وبالإحباط وبقسوة الحياة وعبثيتها.&
ولد كوكتو في عام 1889 ونشر أولى دواوينه الشعرية خلال السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى ثم ما لبث أن صنع مكانا لنفسه داخل الأوساط الفنية البوهيمية في تلك الفترة وكان من أهم عناصرها الرسام الاسباني بابلو بيكاسو والموسيقار وعازف البيانو الفرنسي اريك ساتي والكاتب الفرنسي أندريه جيد والسينمائي لوي بونويل. وتنقل خلال مسيرته الفنية والأدبية بين مختلف الاتجاهات حيث رافق الرمزية ثم انخرط في الدادائية وبعدها تحول إلى السريالية قبل أن يطرده مؤسس الحركة اندريه بروتون منها. وكتب كوكتو شعرا مستقبليا واهتم بالتكعيبية وأخرج أفلاما سينمائية منها "الحسناء والوحش" إضافة إلى كتابة الشعر والروايات وحتى المقالات التحليلية. وفي عام 1955 أصبح كوكتو عضوا في الأكاديمية الفرنسية وتوفي في عام 1963 بعد ساعات قليلة من رحيل المغنية أديث بياف وجاء موته مفاجئا جدا حتى أن صحف ذلك الزمان لم تعرف كيف تتعامل مع أفول نجم اثنين من أهم عناصر الحياة الثقافية الفرنسية في يوم واحد. &