&

&
عرفت الكاتبة الإيرانية أزار نافيسي شهرة عالميّة واسعة عند صدور روايتها:”قراءة لوليتا في طهران"، وذلك عام 2003. وقد ترجمت هذه الرواية الى العديد من اللغات، وبيع منها ما يزيد على مليون نسخة، وبها احتفى كبار النقاد في الولايات المتحدة الامريكيّة، وفي مقدمتهم الراحلة الكبيرة سوزان سونتاغ. وفي هذه الرواية، تروي أزار نافيسي تفاصيل تجربة فريدة من نوعها، عاشتها في طهران بعد أن أجبرها نظام الملالي على الإستقالة من الجامعة بسبب رفضها وضع الحجاب. حدث ذلك عام 1981. ولكي تتحدّى الرقابة، وحرّاس الثورة االمكلفين ب"السهر على الأخلاق الحميدة"، قررّت أن تحقق حلما طالما روادها. و يتمثّل هذا الحلم في دعوة بعضا من طالباتها، وطالبا واحدا لكي تتحدث معهم عن روايات شهيرة مثل:”لوليتا " لنابوكوف، و"غاتسبي العظيم" لسكوت فيتجيرالد، و"عشيق الليدي شاترلي" ل داي.هايتش.لاورانس، و"ربيع أسود" لهنري ميللر،و"رباعيّة الإسكندريّة" للاورانس داريل، وغيرها من الروايات. وكلّ ذلك كان يتمّ "سريّا" إذ أن نظام الملالي لا يسمح بتدريس مثل هذه الإعمال باعتبارها "منافية للأخلاق وللدين”. كما أنه يمنع منعا باتّا الإختلاط بين الجنسين. وعلى مدى سنوات طويلة، دأبت أزار نافيسي على مواصلة هذه التجربة الجريئة، و"يدها على قلبها"لأن اكتشافها من قبل نظام الملالي كان يؤدي بها وبالمجموعة التي كانت تتردد على بيتها، إلى ما تحمد عقباه! وعن هذه التجربة هي تقول: ”نعم كنت أعيش خوفا دائما. وما كنت أخشاه هو أن تقوم إحدى الطالبات بإبلاغ السلطات عن ما كنت أقوم به. غير أنّ ذلك لم يحدث. وكانت الطالبات تقرأن الأعمال، ثم تأتين الى بيتي لمناقشتها. وكان الطالب الوحيد الذي يحضر جلساتنا يظهر حماسا كبيرا للأعمال التي كنا نناقشها. وكلّ ذلك، كان يتمّ في جوّ من المودة والحماس والمحبّة”.
وقد ولدت أزار نافيسي في طهران عام 1955. وهي إبنة عمدة طهران في ظلّ نظام الشاه. وكانت والدتها أول امرأة ايرانيّة تنتخب نائبة في البرلمان. وبعد حصولها على الدكتوراة في الآداب من جامعة أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وذلك عام 1978، عادت أزار نافيسي الى بلادها التي كانت تعيش الإنتفاضات الشعبيّة الأولى التي لن تلبث أن تطيح بنظام الشاه. وكان في نيتها أن تدرّس الأدب الأمريكي المعاصر، مُركّزة بالخصوص على مارك توين. غير أن السلطات الجديدة سرعان ما شرعت في مراقبتها، وتهديدها بمختلف الطرق والوسائل لتجبرها في النهاية على الإستقالة.
ورغم الظروف الصعبة التي كانت تعيشها محرومة من التدريس في الجامعة، ومُجْبرة على ملازمة بيتها، لم تحاول أزار نافيسي أن تغادر بلادها. لكن في عام 1997، قررت الإستقرار في واشنطن بعد أن عيّنت أستاذة في إحدى جامعاتها. كما أنها أصبحت مشرفة على مركز "مشروع الحوار" في جامعة "جون هوبكينس". ومؤخرا، أصدرت كتابا جديدا حمل عنوان"جمهوريّة الخيال"، وفيه تتطرق الى موضوع هام: كيف تتلقى الأجيال الجديدة المفتونة بالتقنيات الحديثة الأعمال الأدبية التي غذّت الخيال البشري على مدى مختلف مراحل التاريخ. فعلت ذلك بعد أن تبيّن لها أن الكثير من الطلبة الأمريكيين لا يجهلون فقط شعراء بلاد فارس القدماء، ومختلف روائع الأدب العالمي، بل هم يجهلون أيضا كتّاب بلادهم الكبار من امثال ساول بيلو، وسكوت فيتجيرالد، ووليام فوكنر، وهنري جيمس، وغيرهم. وهم يُظْهرون لامبالاتهم بهم وبأعمالهم، ويتحدثون عنهم وعنها كما لو أنهم يتحدثون عن نوع جديد من القهوة أو من الشوكولاطة. والسؤال الذي تطرحه أزار نافيس في كتابها المذكور هو: هل أن الأدب يصبح محبوبا، ومرغوبا فيه في المجتمعات التي تعيش الظلم والقمع، وعليها تهيمن أجهزة الرقابة بمختلف أنواعها، في حين يُهْمَل ويُنْسَى في المجتمعات المتقدمة التي تنعم بالحرية والديمقراطية؟! وهي تروي أنها كانت ذات مرة في مدينة سياتل الأمريكية. وكانت بصدد التحدث الى جمهور في إحدى الكتبات الكبيرة عندما تقدم منها طالب إيراني ليقول لها :”ما أنت تقولينه في محاضرتك هذه ليس له أيّ وقع. هؤلاء الناس مختلفون عنّا. وهم ينتسبون الى عالم آخر. وهم لا يبالون بهذه الكتب التي أنت تتحدثين عنها. والحال ليس كما هو في ايران حيث كنّا نقوم بنسخ مئات الصفحات من وداعا للسلاح" (رواية لإرنست همنغواي)لقراءتها”.
وتضيف أزار نافيسي قائلة بإن الولايات المتحدة الأمركية والعديد من البلدان المتقدمة الأخرى تعاني من "تصحّر في الخيال"، ومن انصراف عن المواضيع الجادة والمفيدة، ومن فقر في كلّ ما يمنح الحياة أبعادها الحقيقية التي من دونها لا يكون الإنسان إنسانا. وهي ترى أن الجامعات في الولايات المتحدة الأمركية تتعامل مع الأعمال الأدبية تعاملا تجاريا محضا لا يكاد يختلف في شيئ عن تعاملها مع السلع التي تعرضها الشركات التجارية. وربما لهذا السبب تزداد عقول الناس تسطحا يوما بعد آخر، ويتحولون الى مجرد أوعية لتقبل ما تروجه أجهزة الإعلام بمختلفأنواعها وأشكالها. وتقول أزار نافيسي:”الخيال كان دائما وأبدا مغذيا للحرية، ودافعا لها. وهذا ما نعاينه من خلال كل الأعمال الأدبية في مختلف العصور، وفي مختلف الثقافات. وعندما يموت الخيال، ماذا يصبح الإنسان؟ وكيف يمكنه أن يعيش حياته من دونه؟ وأنا غادرت ايران لأن النظام فيها كان ضد الخيال. وها أنا أجد أن الخيال يذبل ويضمر هنا في أمريكا رغم الحرية المتوفرة !” ومُستندة الى رواية سالينجر الشهيرة "حقل الشوفان"، تضيف أزار نافيسي قائلة بإن بطل هذه الرواية هولدن كولفيلد كان على حق عندما قال بإنه لا يمكن أبدا أن نجد مكانا رائعا يمكن أن نعيش فيه لأن هذا المكان لا يوجد أبدا. والمكان الوحيد هو بحسب رأيها، مكان إفتراضيّ، وهو "جمهورية الخيال" !