تقع حظيرتا الهقار والتاسيلي في قلب الصحراء الجزائرية، وهي عبارة عن كتلة صخرية دائرية في شكل هضبة يبلغ متوسط ارتفاعها 2000 متر، فيها رؤوس جبلية يصل علوها الثلاثة آلاف متر تقريبا، وتسمى هذه الهضاب الأتاكور (الرأس).
كامل الشيرازي من الجزائر:quot;إذا أردت التنعّم بالطمأنينة والسرور، فعليك بالذهاب إلى الهقار والتاسيليquot;، بهذه العبارة الموحية يدعوك سكان الجنوب الجزائري إلى مراودة معلمين دلت الحفريات على تواجد الإنسان بهما قبل نصف مليون عام، ويشعر المرء المتعوّد على زيارة الهقار والتاسيلي بكونه يستكشفهما لأول مرة، وكأنه في رحلة غير منتهية داخل متحف طبيعي غير محدود في الزمان والمكان.
يشير الباحث quot;محمد معمريquot; لـquot;إيلافquot;، إلى كون الهقار تقع على مدار السرطان في النصف الشمالي من الكرة الأرضية بين 12 و25 درجة، ويغطي الهقار مساحة 550 ألف كيلومتر مربع.
و
يحتوي الهقار على مسالك تسمح بالقيام باكتشافات لمناظر طبيعية رائعة وفضاءات شاسعة، وتعطي مناظر الكثبان الرملية والصخور ذات الأشكال الغريبة صورا مغرية خاصة عند شروق وغروب الشمس، بما يصعّب على الزائر مغادرة المكان ويوقعه في أسره للأبد.
وقال دارسون ورواة لـquot;إيلافquot;، إنّ عمر موقع الهقار أو كما يُطلق عليه quot;الأهقارquot; يتراوح بين 600 ألف سنة ومليون سنة، وهو ما تدّل عليه عشرات الآلاف من الرسوم والنقوش على الصخور والكهوف والملاجئ وكذا أشياء مصنوعة من الحجر، وشهدت سلسلة الهقار والتاسيلي عديد الحضارات الإنسانية، اعتبارا من الحضارة الأيبيرية- المغاربية (13000-8000 ق.م)، وصولا إلى الحضارات القفصية نسبة إلى الفترة التي قامت فيها حضارات مشابهة في قفصة في تونس (7500 إلى 4000 ق.م)، بالإضافة إلى حضارات أخرى في مناطق متفرقة من الصحراء.
من جانبها، تشتهر منطقة التاسيلي ذات الأهمية الجيولوجية البالغة، بأشكالها الجيولوجية وملاجئها الناشئة عن تآكل الصخور بجمال باهر، فهي تتوفر على مجموعة فريدة من الصخور تعود إلى ما قبل التاريخ، وتحتوي على 15 ألف نقش ورسم على الصخور، وتسمح لدارسيها بمتابعة التغيرات المناخية وهجرة الحيوانات وتطور الحياة البشرية في أقصى الصحراء منذ ستة آلاف سنة، ولا يمكن الوصول إلى التاسيلي الموسوم بالحصن الطبيعي، إلاّ عبر شبكة غريبة من الشعاب مع بعض البرك ومنابع المياه والأحزمة النباتية.
وحول الهقار، تتواجد سلسلة جبال التاسيلي على مسافة متوسطة بمائتي كيلومتر، ونجد في الشمال quot;التاسيلي نموديرquot;، وفي الشرق quot;التاسيلي ناجرquot;، وفي الجنوب الشرقي quot;التاسيلي ناهقارquot; وquot;التاسيلي تن ريروحquot;، وفي الجنوب الغربي quot;التاسيلي ميساوquot; وفي الشمال الغربي quot;وادي جرادquot;، علما أنّ quot;التاسيلي ناهقارquot; يقع على بعد مائة كيلومتر من الحدود الجزائرية النيجيرية، بينما يتموقع quot;التاسيلي ناجرquot; قريبا من الحدود الجزائرية الليبية، وتشبه قممه جبال الألب المعروفة.
ويصف quot;مختار حميدوquot; (39 عاما) ابن المنطقة، تلك السلاسل الجبلية بالقباب الشامخة، ويقارب بين الصخور الناتئة الحادة وأنياب الذئاب المكشّرة، ويضيف مختار:quot; الكتل البركانية هنا تحمل صورا من الفوهات الهشة، وإبرا ممتدة إلى السماء كأشواك أو حقول من الحمم.
ويسجل الأستاذ quot;سليم قايسيquot; إلى أنّه في الزمن الماضي كان الجفاف أقل درجة من مما أصبح عليه الآن، حيث كان السكان الرحّل يستعملون الحصان كوسيلة نقل رئيسية، وكان العرق والرق متواجدان، لكن الأودية لم تكن كما هي عليه الآن، ويعود سبب ندرة الأمطار هناك أساسا إلى وجود ضغط عال في منطقة الأسورس المجاورة، ويوضح قايسي لـquot;إيلافquot; أنّ هذا الضغط الجوي يسود على كامل الصحراء، ويُبعد عنها السحاب، بيد أنّه مبدئيا يسجل المناخ الصحراوي نسبة من الأمطار السنوية لا تفوق 250 ميلمتر، وهي في الواقع نادرا ما تتجاوز المائة ميلمتر وتنقطع في بعض السنوات تماما، ومع ذلك لا يمر عام دون أن تسقط بعض الأمطار على سلسلة الأهقار، إلاّ أنّها لا تتساقط في كل مكان.
ويلفت الباحث الاجتماعي quot;خالد ميداسquot; إلى طبيعة مجتمع الهقار الذي يتألف من عديد القبائل أبرزها قبائل الطوارق، فهي تشكل مجتمعا تقليديا، تخرج فيه النساء مكشوفات الوجوه، في حين أنّ الرجال أو كما يُطلق عليهم quot;الرجال الزرقquot; يضعون لثاما طويلا يقيهم من رمال
الصحراء، ويضيف ميداس إلى كون المجتمع الطارقي يتسم بتماسكه وتمسكه بقيم الآباء والأجداد.
ويتحدث الطوارق لغة تدعى (إيموهار) وهي مشتقة عن البربرية، وتسمى (تامشاك) في دولتي النيجر ومالي، كما يسمى الخط quot;تيفناغquot; ويحتوي على 25 حرفا على الأقل بحسب التصريف والتطور وبحوث التحديث، في حين تُلقّن التقاليد عند الطوارق شفهيا، فالقصص والأساطير وهي كثيرة، تُنقل شفهيا بين الأجيال.
من جهته، يعدّد أحمد القاطن بالمنطقة، خواص (الهقاريين)، فالرجال هناك يُعرفون بشهامتهم وشعرهم وفخرهم، ويعبّرون عن آلامهم وآمالهم وحزنهم وسعادتهم عبر دقائق اللغة في قالب غنائي فلكلوري يعود إلى آلاف السنين، يتميّز بمسميات quot;الأليوانquot; وquot;التنديquot; وquot;الإلوقالquot;.
من جانبها، ترى عائشة وحليمة وجميلة وهنّ من سيدات الهقار المخضرمات، أنّ الشاش ذو اللون النيلي والإكرباي (السروال)، والإراوساي (الغندورة) والإراتيمن (الحذاء) كلها تجعل من اللباس الطارقي جزءا من مميزات الهقار.
وبالإضافة إلى قبائل الطوارق، يكشف الشيخ quot;موسى تازروكquot; أيضا عن تواجد قبائل quot;الإراتينسquot; التي تسمى كذلك (إيزاقون) وهم سكان مستقرون يعملون في حقول الواحات، مع الإشارة إلى أنّ هذه القبائل تضمّ كوكبة من الحدادين - يُطلق عليهم (إينادن) - وهم حرفيون ماهرون يشتغلون في الفضة وسائر الحلي، فيما تختص النسوة بالجلود والأواني المنزلية والأدوات الموسيقية.
وحفاظا على رصيد منطقة الهقار، أنشأت السلطات الجزائرية قبل 22 سنة حظيرة وطنية للهقار، وتغطي هذه الحظيرة 450 ألف متر مربع، ويلاحظ الزائر للحظيرة، احتواء الأخيرة على تشكيلات هامة من الثروة النباتية والحيوانية، من شجر الزيتون والريحان وشجر الفستق وشجر الأقاقيا، إلى حيوانات الغزال والأروية والفهود والأفناك والقطط المتوحشة وابن آوى وأنواع كثيرة من الطيور، ما يجعلها أكثر المناطق الصحراوية تنوّعا، بالتزامن، جرى إنشاء حظيرة وطنية للتاسيلي التي تبلغ مساحتها 80 ألف كيلومتر مربع، وهي مصنفة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وتعدّ خزانا للكائنات الحية من نباتات وحيوانات.




التعليقات