لم تعد حديقة الحيوان في القاهرة أفضل الحدائق في العالم؛ بل أخرجها الاتحاد العالمي لحدائق الحيوان من تصنيفه بسبب الإهمال الذي لحقها.


فتحي الشيخ من القاهرة: عندما فكر أحمد جلال 65 عامًا اصطحاب احفاده الثلاثة معه في سيارته الى حديقة الحيوان في الجيزة بعد أن وعدهم بالذهاب إليها في العيد، كان في ذهنه انها فسحة من اجل الاحفاد ومن اجل ان يستعيد هو نفسه بعض الذكريات القديمة، بخاصة ايام الجامعة عندما كانيذهب إلى الحديقة مع بعض اصدقائه. ولكن اثناء تجوّله مع احفاده داخل الحديقة، لفت نظره وجود اقفاص فارغة وحالة الحديقة المزرية التي وصلت إليها. خاصة أنّه قارن بينها وبين آخر مرة ذهب فيها الى الحديقة من 45 عامًا ايام دراسته في الجامعة مع بعض الزملاء، وعلى الرغم من سعادة احفاده الثلاثة برحلتهم، الا ان المهندس احمد كان داخله سؤال يتردد... عن سبب اهمال أقدم حديقة حيوان في أفريقيا؟

في كل عيد تزدحم حديقة الحيوان بالجيزة بالزائرين والتي يصل عددهم الى عشرات الآلاف في مثل هذه المناسبات، وتمثل حديقة الحيوان احد الاماكن الاساسية التي يتجه إليها المصريون في الاحتفالات منذ اكثر من مئة عام، وتحديدًا منذ العام 1891 عندما تم افتتاح الحديقة للجمهور في عصر الخديوي توفيق، وان كانت فكرة الحديقة تعود الى الخديوي اسماعيل عندما فكر في إنشاء حديقة للحيوانات، وكان يأمل في افتتاحها بمناسبة الاحتفالات بإفتتاح قناة السويس عام 1869. ولكن الوقت لم يسعفه واضطر إلى تجميع أعداد من الحيوانات و الطيور في قصر الجزيرة الذي أصبح الآن فندق ماريوت بالزمالك، وفي العام 1889 أصدر الخديوي توفيق فرمان بإقتطاع بعض الافدنة من حدائق والدته ( الوالده باشا ) بجهة الأورمان وتحويلها إلى مخزن للحيوانات وهو الاسم الذي كان يطلق على حدائق الحيوانات عند إنشائها.

وفي أول مارس/آذار من العام 1891 افتتحت هذه الحدائق للجمهور، و في العام 1938 تقررت إضافة ثمانية وثلاثين فدانًا إلى الحديقة، إقتطعت من حديقة الأورمان القبلية وقد تم بناء الجبلاية الكبرى ( جبلاية القلعة ) في العام 1867، وهي مزينة بتماثيل مختلفة من الحيوانات المنقرضة كخرتيت الفيوم والتماسيح والطيور الغريبة، وتنساب في ارض الجبلاية جداول المياه ويتدلى من سقفها قطع من شعاب المرجان الأبيض كما في الكهوف و المغارات الطبيعية. ومن معالم الحديقة جبلان يربطهما جسر معلق من حديد صممه فرانسوا إيفل، مصمم برج إيفل في باريس. كما يوجد الكشك الياباني في حديقة نادي أصدقاء الحيوان، وبالحديقة متحف وضعت في صالاته الثلاث النماذج المحنطة من الطيور والثدييات والزواحف من حيوانات مختلف مناطق العالم، وقد أنشئ هذا المتحف العام 1906 وهو يحتوي على أكثر من خمس آلاف عينة محنطة من أهمها تمساح محنط منذ أيام قدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وحوت ألقت به الأمواج تجاه مدينة الإسكندرية، لكل هذه الاسباب اطلق على الحديقة حينها جوهرة التاج لحدائق الحيوان في افريقيا.

لكل ذلك، كان يجب ان تكون الحديقة أفضل الحدائق في العالم، الا ان هذا لم يحدث بل اخرجها الاتحاد العالمي لحدائق الحيوان من تصنيفه عام 2004، ويرجع ذلك إلى اسباب عدّة كما يؤكد عزب مصطفي عضو مجلس الشعب المصري في منطقة الجيزة لايلافن بأن هناك اهمالاً شديدًا في حديقة الحيوان وهناك العديد من الحوداث التي تؤكد هذا الاهمال. كان اخرها عندما تسلل عدد من الرجال إلى الحديقة تحت جنح الظلام وذبحوا جملين على يومين متتاليين.
وكان قد سبق هذا عام 1993 ان قتل أسدان حارسًا بعدما ترك الباب الخارجي لقفصهما مفتوحًا وهو يطعمهما، وقد قتلا بالرصاص. وفي وقت لاحق داس فيل على احد الحراس وقتله، وفي السنوات الاخيرة أرسل دب قطبي إلى الإسكندرية هربًا من حرارة القاهرة وذلك بعد ان ساءت حالته. وفي السنوات الأخيرة نفقت آخر زرافة بعد ان كان سبقها وليفها بعدة اعوام من دون استقدام زوج لها وفي عام 2006 أغلقت مصر حديقة الحيوان لفترة قصيرة بعدما نفقت عشرات الطيور بعضها من فيروس انفلونزا الطيور وقالت وزارة الصحة حينها إن الحديقة اضطرت لإعدام اكثر من 500 طائر وتجفيف البحيرات والقنوات المائية الصناعية.

و اذا كان بعضهم يرى ان الحديقة تفقد يومًا بعد الآخر جزءًا من قيمتها، فهناك رأي اخر يرى انها على طريق العودة لاستعادة مكانتها الطبيعية. الدكتور نبيل صدقي مدير الحديقة يرى ان خروج الحديقة من تصنيف اتحاد الحدائق كان بسبب عدم دفع الاشتراك الواجب على الحديقة، وكذلك عدم تنفيذ بعض توصيات الاتحاد. انما الان الحديقة تحاول ان تطوّرنفسها، وتملك خطة للقيام ببيت جديد للافيال في الحديقة، وكذلك تم إنشاء دغل مصغر للسحالي. وفي الخارج يقوم عمال بتجميع عدد من أقفاص القردة لإتاحة مساحة أكبر لحركتها، وصممت الحديقة مأوى اكبر لعدد متزايد من حيوانات الشمبانزي، وان كانت هناك بعض المعوقات فهي تتمثل في ضعف الميزانية الخاصة بالحديقة من ناحية. وكذلك وجود بعض الاماكن الاثرية بالحديقة مما يحد من قدرتنا على اجراء اي توسع بالحديقة وتنفيذ خطط طموحة للارتقاء بالحديقة.وحتى يتحقق ذلك، يرى محبو هذه الحديقة في مصر أن أقدم حدائق حيوان افريقيا تفتقد عرشها.