فتحي الشيخ من القاهرة: منذ 27 عام كان الذهاب الي واحة سيوة يلزمه تصريح من حرس الحدود المصري وكان هذا يرسخ من العزلة الذي سعت كل الظروف المحيطة بالواحة لحدوثها من رمال امتدت لتبعد الواحة عن اقرب المدن اليها مرسي مطروح بمسافة 306 كيلو و عن القاهرة العاصمة بمسافة 920 كيلو اغلبها من الصحاري الجدباء، الي خصوصية اهل الواحة في عادتهم وتقاليدهم بل ولغتهم الامزيغية عن باقي مصر وهذا راجع ان اغلب اهل الواحة يرجع الي البربر الذي ينتشروا في شمال افريقيا الي جانب بعض العرب والافريقين، الاحداث التاريخية التي مرت علي الواحة منذ نشائتها في العصر الفرعوني الي جانب العزلة التي تعيشها الواحة نسجت حول الواحة من الاساطير اكثر من الحقائق لتجعل منها الواحة السحرية التي تخفي الاسرار لدي الكثير من المغامرين في العالم.

من أهم الاحداث في تاريخ الواحة عندما حاول قمبيز بن قورش الملك الفارسى غزوها عام 525 ق م لتدمير معبد آمون بها في اطار سعيه لامتهان للديانة المصرية بعد أن هزم quot;أبسمانيك الثالثquot; عند الفرما ( بورسعيد) وسحق مدينة ممفيس، وكان معه خمسين الف جندي، هؤلاء الجنود اختفو جميعا في بحر الرمال الأعظم جنوب سيوه ولم يبقي اي اثر لهم، و فر قمبيز من مصير جنوده ليلقى حتفه اثناء عودته متأثراً بمرضه. لكن الحدث الاهم في تاريخ الواحة كان زيارة الاسكندر للواحة بعد ان تم ترسيمه فرعونا بمنف فى زمن الأسرتين الـ 18، 19 ثم توجه لبناء الاسكندرية، وقرر الذهاب الى سيوه يتلمس البركة من الإله آمون، حيث تم تتويجه بمعرفة كهنة آمون فى القاعة التى أعدت لذلك ومازالت آثارها قائمة ولقب بابن امون ولبس تاج آمون وهو على شكل رأس كبش ذو قرنين فلقب منذ هذه اللحظة بالأسكندر ذو القرنين وتنباء له كهنة المعبد بانه سوف يكون السيد علي العالم كله في ذلك الوقت وهي النبؤة التي تحققت.

بعض الاحداث التاريخية التي مرت علي الواحة كانت تؤهلها لتأخذ حظها من المدنية ولكن العزلة التي كانت تعيشها الواحة كانت لها الغلبة علي الظروف التاريخية لتبقي الواحة في القرن الواحد وعشرين لا تصل إليهم صحف ولا يعرف اهلها شيئا عن الكمبيوتر والنت أما التليفزيون فهناك من ينتظر حلول الليل ووصول الكهرباء لمشاهدته في العصر الذي يقولوا فيه العالم اصبح قرية واحدة كانت واحة سيوة خارج هذا العالم كما هي ارض بكر تجمع بين جوانبها الكثير من المتناقضات، ولكن المتناقضات الطبيعية صحراء جدباء و غابة من اشجار الزيتون والنخيل في وسطها، بين الجفاف المحيط وبين عيون مياه عذبة بين البساطة المنتشرة في المكان والبيوت المبنية من الكورشيف وهى عبارة عن طبقة سطح التربة المختلطة بنسبة عالية من الاملاح والطفلة و بين بقايا الاثار الفرعونية التي تنطق بالعظمة.

الاثار
أول ما يلفت النظر فى مدينة سيوة quot;شالىquot;، وهى قلعة أقامها سكان الواحة القدامى من الطوب اللبن، بهدف رد هجوم العرب والقبائل المتنقلة فى الصحراء، يقول عبد العزيز الدميرى مدير متحف الآثار بالمدينة، إن تاريخ إنشائها يعود للقرنين 12 - 13، على أساس أن سيوة فى العصر الرومانى كانت عبارة عن معبد الوحى ومن حوله كانت عدة قرى متناثرة، ولم تكن هناك ضرورة ملحة لبناء القلعة أنذاك، لكن بعد عصر الامبراطورية الرومانية سادت الفوضى فى الصحراء الغربية وأخذت القبائل تغير على بعضها بهدف الحصول على الغذاء والحصاد الذى ينتج فى مناطق الأبار المأهولة بالسكان، مما دفع أهالى سيوة لبناء قلعة عالية لمنع وصول الغزاه إليها، وكان معظمهم من العرب القريبين من الواحة...وتعد قلعة شالى أحد المزارات السياحية الهامة فى الواحة.quot;
معبد quot;آمونquot;.. واحد من أهم المزارات السياحية، التى يعود تاريخه إلى العصر اليونانى.. ويوثق لوجود هذا المعبد ضمن سيرة الإسكندر الأكبر، فقد كان ملكا مقدونيا- يونانيا، وقد ورث الحكم من أبيه، وذهب لتوحيد بلاد اليونان ثم إتجة الى الامبراطورية الفارسية وبلاد الشام ومصر، التى كانت تحت الاحتلال الفارسى وقتها.. وقد وصل الى quot;منفquot; العاصمة القديمة في الدولة المصرية، ثم تحرك نحو الاسكندرية فأسسها، ثم الى سيوة ليتعبد لدى الإله quot;أمونquot;، الذى كان يمثل قيمة روحية كبرى بالنسبة لليونانيين، وأثناء وجودة فى سيوة أوصى الأسكندر الأكبر بدفنه بجوار أبيه quot;أمونquot;.. ولذا فقد ظلت سيوة دوما محل جدل وبحث حول مقبرة الإسكندر الأكبر حتى اليوم، وكان قمة الجدل فى هذا الشأن عام 1996 عندما أعلنت بعثة يونانية - كانت تنقب فى المدينة عن وجود مقبرة الإسكندر الأكبر- لكن سرعان ما خرج رئيس هيئة الآثار المصرية أنذاك quot;عبد الحليم نور الدينquot; ونفى ذلك، إلا أن أهل المدينة لا زالت تكتنفهم العديد من الشكوك حول وجود المقبرة على أرض سيوة بالفعل، وأن الحكومة المصرية ذهبت لنفى ذلك الخبر وأنهت عمل البعثة سريعا، لعدم إستعداد سيوة لإسقبال مثل هذا الحدث الضخم، الذى ستكون له ردود فعل عالمية.
quot;جبل الموتىquot;..أحد أهم الزارات السياحية على حدود الواحة، ويعود تاريخه للعصر اليونانى، وقد إختاره اليونانيين ليكون مكانا لدفن موتاهم.. وقد تم تقسيم هذا الجبل على شكل أدوار أو طوابق، يتضمن كل واحد منها عدد الطرق والمسارات المنحوته داخل الجبل، والتى تتقاطع مع بعضها البعض فى الداخل بما يشبه التخطيط شبكة الطرق العادية لمدينة ما، كما يحتوى الجبل على عدد من الجبانات المزخرفة من الداخل بالألوان، للآله وعدد من كبار الكهنة.

quot;عين كيلو باتراquot; وهى عدد من العيون المتفجرة من باطن الأرض، وتم إحاطتها بسور خرسانى دائرى لجمع ما تدفعه من مياه عذبة، يشاع عنها أنها تشفى مع العديد من الأمراض الجلدية على وجه التحديد، ولذلك يقبل عليها العديد من السائحين ومن اهالي الواحة وعين كيلو باترة تحديدا يقال عنها ان درجة حرارة المياه فيها تختلف طوال ساعات النهار الي جانب وجود عدد من عيون المياه الكبريتية والمياه الساخنة.

تحتفل سيوة سنويا بعيد quot;الحصادquot; ورغم ان الاسم مرتبط بعيد مصرى قديم يرجع إلى عهد الفراعنةحيث يحتفل به الفلاحون إحتفائاً بقدوم فصل حصاد الزروع و الغلال. ولكن العيد في سيوة يرتبط بفترة الحروب التى عاشتها فى أحد مراحلها تاريخها، وكان مبعثها حالة الإنقسام السكانى فى الواحة ما بين المنطقة الشرقية والغربية، لأن أول من نزل بسيوة كان الأمازيغ وقد سكنوا المنطقة الشرقية من الواحة منذ مئات السنيين ثم جاء العرب وسكنوا المنطقة الغربية، ونشبت بينهم خلافات واسعة كانت تدفع القبائل للدخول فى تحالفات ضد بعضهم البعض، مما جعل quot;محمد على باشاquot; يرسل لهم حملة بقيادة حسين الشماشرجى- لحسم خلاف نشأ بينهم كانت نتيجتها تدمير شالى (المدينه القديمة)، إلا أن التوتر ظل قائما لأنه كان يختار حاكما على المدينة من بين قادة أحدى المنطقتين، فكان المعسكر الذى لم يأتى منه الحاكم يرى فى هذا ظلما له فيعود التوتر من جديد، حتى إختار quot;محمد على باشاquot; حاكم من كل معسكر ليحكم المنطقة التى جاء منها.. وبالفعل أدى هذا الى نوع من الاستقرار والهدوء بين سكان الشرق والغرب نوعا ما، لكنه كان يعود بين الحين والحين.


كان الوضع المتوتر دائما بين سكان الشرق والغرب مدعاة لكثير من الوساطات التى حاولت مرارا وتكرارا تقريب وجهات النظر بين الطرفين،وبالفعل جاء الى المدينة شيخ عجوز إلى المنطقة يدعى الشيخ quot;أحمد الظافرquot; من أحد القبائل الليبية،وهو الذى قاد عملية المصالحة بين الشرق والغرب، فقد إقترح خروج رجال سيوة الشرقية والغربية الى منطقة الدكرور للإقامة معا لمدة 3 أيام، يأكلون ويشربون معا للتقريب بينهم، وأن يتم تزويج 10 فتيات من سيوة الغربية ل10 شباب من سيوة الشرقية.. والعكس.. إيمانا بأن صلة النسب هى القادرة على محو أى عداء.. وهذا ما تحقق بالفعل، ولذا فقد باتت تلك الأيام الثلاثة وهى الأيام القمرية من شهر أكتوبر quot;13 و14 و15quot; عيدا سنويا للمدينة بمناسبة إنهاء الصراع بين قطبى المدينة.. ثم اكتسب هذا العيد فيما بعد اسم عيد الحصاد لأنه يأتى متواكبا مع موسم حصاد التمر والزيتون الذى يمثل العمود الفقرى لإقتصاد الواحة

فى أشهر الصيف ياتي الكثير من الناس للعلاج بالرمل، حيث تشتهر الرمال الموجودة بجبل الدكرور بمنطقة سيوه تحتوى على إشعاعات تساعد في علاج مرض الروماتيزم وشلل الأطفال والصدفية والجهاز الهضمي والعقم، من بعض الأمراض الجلدية والعضمية والدموية، مثل الروماتيزم والروماتويد والكلسترول وخفض نسبة الدهون المرتفعة فى جسم الفرد وتنشيط الدورة الدموية، وكما يروى عبد الرحمن الشرايك، أبرز محترفى تلك المهنة، فإن العلاج يتم على ثلاثة مراحل، الأولى وهى دفن جسم الفرد عاريا فى الرمال، على بعد نصف متر من سطح الأرض، لمدة 15 دقيقة تقريبا، ثم يخرج إلى الخيمة المجاورة لحفرته، وهى محكمة الغلق تماما وأشبه بغرفة quot;السونةquot;، ليجلس فيها قدر استطاعته من الوقت، ثم الإنتقال إلى خيمة أخرى لشرب السوائل الدافئة، لتعويض ما فقد من جسدة من سوائل، لافتا إلى منع مريض مرض القلب من العلاج بالرمل، خوفا عليه من شدة إفراز العرق التى قد تهدد حياته
كما أشار إلى أن عدد الجلسات يختلف بإختلاف المرض، فمرض الروماتيزم المبتدئ يتعرض أصحابه ل3 جلسات، أما الروماتيزم المستعصى فتمتد لمدة 5 جلسات، والروماتويد 7 جلسات.. وقال عبد الرحمن : جاءنى العديد الشخصيات المشهورة على المستوى الفنى والسياسى والاجتماعى، منها الفنانة نادية لطفى وعبير الشرقاوى ومحمود حميدة، وأوضح أن دخول الرجال إلى الرمال يتم بمعزل عن النساء، ويقوم على حمامات الرجال فريق من الرجال، وكذلك حمامات النساء.