عبد الخالق همدرد من إسلام آباد: القرى والأرياف في أي بلد تعتبر رمزا للتخلف والبعد عن المدنية والحضارة. وبناء عليه تشتهر حكايات أهل البادية والقرى بين أصحاب المدن والحضارة ويتفكهون بها؛ لكن بعض الأحيان تكون القرية بقيمة يمكن أن تفدى بها الكثير من المدن ومراكز الحضارة. ثم إن الأرياف هي التي تحافظ على الكثير من المفاهيم للثقافة والحضارة لمنطقة ما.

والقرية التي نحكي عنها اليوم طبعا قرية بنجابية تقع على مسافة نحو 60 كيلو مترا من العاصمة الباكستانية قرب مدينة تكسيلا التي تشتهر بسبب كونها مهدا للحضارة البوذية والصناعة الدفاعية الباكستانية. وتقع بعيدا عن طريق الحرير إلى الشمال. وهي قرية quot; كرهي أفغانانquot; التي لا يزال سكانها يستخدمون العربات الحصانية كوسيلة للنقل بجانب السيارات الفاخرة.

وبقلب هذه القرية يقع ضريح عالم جليل ومرشد روحي السيد محمد فاضل شاه الذي توفي عام 1292هــ وبجانب الضريح كان يقع المسجد القديم الذي كنت زرته قبل سنوات؛ إلا أننا لم نجده هذه المرة بل شاهدنا بناء مسجد جامع كبير يقام مقامه. وكانت غرفة جانبية للمسجد تأوي مكتبة قديمة تعود إلى السيد فاضل شاه.

وتلك المكتبة انتقلت موقتا إلى مضافة حفيده محمد أكرم قرب المسجد الجديد. طبعا هذه المكتبة كنز مدفون في هذه القرية النائية. ولعل صحيفة quot; إيلاف quot; هي أول الوسائل الإعلامية العربية التي تكشف عنها. ولم يسبق لأي قناة أو صحيفة عربية زيارة لها حسب قول السيد محمد أكرم.

محمد أكرم شاه: المكتبة الفاضلية بها 400 مخطوط

السيد محمد أكرم شاه حفيد الخواجا محمد فاضل شاه رحمه الله صاحب المكتبة الفاضلية وهو يرعى ضريحه ومسجده ومكتبته إلى جانب كونه وريثه في السلسلة الصوفية النقشبندية. وهو من مواليد عام 1949م وقد نال شهادة البكالوريوس من جامعة البنجاب عام 1973م وقد تتلمذ في العلوم الإسلامية على والده والشيخ فيض أحمد والشيخ فريد الدين. وله حياة حافلة بالنشاط السياسي والاجتماعي. وقد انضم إلى جمعية علماء باكستان التابعة للمدرسة البريلوية عام 1977م وخاض المعركة الانتخابية عام 1988م ويتولى منصب الأمين العام للجمعية هذه الأيام.

وقد لعب دورا في اللجان الرسمية وغير الرسمية التي أنشئت من أجل الوئام والتناغم بين الطوائف المختلفة من السنة والشيعة. كما وأنه يدير مدرسة ثانوية بها 264 طالبا وهي تدرس اللغة العربية كمادة إجبارية.

وقد التقته إيلاف ليلقي ضوءا على المكتبة الفاضلية التي تضم كتباً ومخطوطات باللغة العربية والفارسية.

من أنشأ هذه المكتبة القيمة؟

محمد أكرم شاه: هذه المكتبة أنشأها جدنا السيد الخواجا محمد فاضل شاه يرحمه الله المتوفى عام 1249هـ. وكان عالما باللغة العربية والفارسية رغم أنه لم يتتلمذ على أحد رسميا. ولم يكن يقبل هدية من أحد. وكان مولعا بالكتب. وقد ألف كتابين أحدهما quot; صلاة الوصالquot; والثاني quot; الشجرة المنظومةquot;. ولدينا نسخ منهما.

المراسل مع السيد محمد اكرم شاه المشرف على المكتبة

وله مناظرات شهيرة مع بعض العلماء من معاصريه. وكان أحد أشهر المناظرات في كابول بحضرة الأمير أمان الله خان والي أفغانستان وللطريقة النقشبندية نفوذ قوي في حكومته. وعندما غلب الجد في المناظرة أراد الوالي تقديم هدية إليه؛ بيد أنه رفض. وبعد إصرار وإلحاح من الأمير أمان الله خان، رضي بقبول الهدية وقال إذا كان لا بد منها، فلتكن كتابا. فأهداه الأمير بعض المخطوطات.

هل ورثتم من الجد شيئا غير هذه المكتبة؟

من الغريب أنه رحمه الله لم يترك شيئا غير هذه المكتبة. لم يورث عقارا ولا بيتا.

كم عدد المخطوطات في هذه المكتبة؟

المكتبة شهدت تطورا مع مرور الوقت. الجد رحمه الله ترك بين 400 كتاب إلى 450 كتابا. وكان بها 1،800 كتاب عام 1933م والآن فيها أكثر من 3،000 كتاب وأكثر من 400 مخطوط نادر.

ما هي المخطوطات النادرة في رأيكم؟

أرى أن أهم المخطوطات هو شرح العيني على صحيح البخاري وشرح قصيدة البردة للملا علي القاري وشرح قديم لعطر البردة ونسخة لمكتوبات الشيخ عبد القدوس الكنكوهي وجميع مجلدات المحيط البرهاني ومصحف كامل مخطوط بالخط الكوفي ومخطوط يعود إلى زمن ما قبل اختراع الورق.

في مقدمة quot; تحفة الأشرافquot; أشار المحقق إلى أن كتاب السنن الكبير للنسائي أحد كتب المراجعة في التحفة، اختفى عن الساحة بعد القرن العاشر. هل لديكم خبر عنه؟

أصلا حاول الشيعة نشر مذهبهم بعد القرن العاشر الهجري بالقوة. وكانوا يستدلون بروايات وردت في كتاب النسائي الكبير. وبناء على ذلك اتهمه البعض بالتشيع. وقد استشهد النسائي على يد الخوارج في دمشق عندما قام بوعظ بين الناس وذكر خلاله فضائل أهل البيت، بينما سبق له وألقى وعظا بالكوفة ذكر فيها فضائل الخلفاء الثلاثة. وعندما انتهى من وعظه بالشام، قام شخص وطرح عليه بعض الأسئلة. ثم انقض الناس عليه يضربونه إلى أن فارق الحياة رحمه الله. وبعد ذلك أحرقت نسخ السنن الكبير فلا يوجد الآن منه شيء.

سمعت أن مصحفا مخطوطا سرق من المكتبة قبل سنوات...

نعم سرقوا مصحفا مخطوطا من المكتبة وعرفنا أنه قد بيع في بريطانيا بـ 600 ألف جنيه إسترليني؛ لكن الحكومة البريطانية صادرته.

هل حاولتم استعادته من الحكومة البريطانية؟

بذلنا جهودا مضنية في هذا السبيل وقد حاول الدكتور محمود غازي أيضا؛ إلا أن الحكومة البريطانية رفضت الطلب مبررة بأن المصحف الآن أصبح ملك الحكومة
وهي تحتوي على أكثر من 400 مخطوطة باللغة العربية والفارسية فضلا عن الكتب المطبوعة التي يبلغ عددها أكثر من 3000 كتاب؛ لكن للأسف قد تعرض الكثير من تلك الكتب المخطوطة لهجمات السوس الوحشية التي أكلتها من حيث شاءت. ثم إنه لا يوجد أي ترتيبات خاصة للصيانة وحماية المخطوطات من آثار المناخ. وبالتالي فإن هذه الجواهر واللآلي مكدسة في دواليب خشبية أو حديدية متواضعة بوضع يرثى له.

ولو كانت مثل هذه المكتبة في بلد من أوروبا لكانت بين أشهر المكتبات ولتم إنفاق الملايين عليها. وقد زار الشاعر الوطني الباكستاني الفيلسوف العلامة إقبال مكتبة عامرة بالكتب الإسلامية في لندن أوائل القرن العشرين فقال بيته الشهير:

مكر وه علم كي موتي كتابين ابني آباء كي

جو ديكها أن كو يورب مين تو دل هوتا هي سيبارة

( لكن عندما رأيت تلك الجواهر العلمية، كتب آبائنا في أوروبا، تمزق قلبي تمزقا).

ومن بين أندر المخطوطات حسب السيد محمد أكرم هو مصحف كامل بالخط الكوفي و شرح العيني على صحيح البخاري كامل و جميع مجلدات المحيط البرهاني ومكتوبات الشيخ عبد القادر الكنكوهي وشرح قصيدة البردة للملا علي القاري وكتب عديدة أخرى.

وقد شاهد هذا الكاتب مخطوطا للتفسير الكبير للرازي والخطط المقريزية وتاريخ الطبري وجامع التواريخ والإصابة ومصاحف مطبوعة قبل أكثر من قرنين ونصف القرن وشروح لعدة كتب فقهية وأدبية.