بغداد: عادت عمليات السطو على المصارف وسرقة رواتب موظفي الدولة تبرز من جديد مثيرة معها مخاوف العراقيين عموما والمستثمرين والتجار بصفة خاصة من تراجع الأمن مما يهدد البيئة الاستثمارية ويعرقل عودة رؤوس الاموال العراقية ودخول الاجنبية الى البلاد للمساهمة في عملية اعادة البناء.


ومع ادراك الحكومة العراقية لما تحمله تلك العمليات من انعكاسات خطيرة على الواقع الأمني والاقتصادي دخلت الاجهزة الأمنية في امتحان صعب لوقف الحوادث وضبط المتورطين فيها، واعلنت وزارة الداخلية، مساء الخميس، القاء القبض على ثلاثة من المتهمين المطلوبين بالسطو على مصرف حكومي واعادة المبالغ المسروقة، في نجاح نادر يمكن ان يعيد الثقة بامكانية الحكومة على خلق الاستقرار بعد ثلاث عمليات سطو وسرقة وقعت خلال اربعة أيام.
وكانت مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (405 كم شمال بغداد) قد شهدت الاربعاء الماضي عملية سرقة 160 مليون دينار عراقي، فيما شهدت بغداد يومي الثلاثاء والاحد عمليتا سطو على بنك ومحل للصرافة، وهي الحوادث التي ذكرت العراقيين بفترة الانفلات الامني حيث تعرضت عشرات الشركات الاهلية والبنوك وعجلات نقل الاموال وبيوت التجار والأثرياء الى عمليات سطو وسرقة.


وذكر مصدر في شرطة نينوى، الاربعاء، لوكالة (أصوات العراق) أن ldquo;مسلحين مجهولين تمكنوا من سرقة 160 مليون دينار عراقي من سيارة اسعاف كانت تحمل رواتب موظفي هيئة رعاية المعوقين التابعة لدائرة صحة نينوى لشهر تموز يوليو الجاريrdquo;، مبينا ان الحادث وقع بعد أن ldquo;اعترض ثلاثة مسلحين سيارة اسعاف تحمل الرواتب التي تسلمتها لجنة الرواتب من المصرف الواقع في منطقة الزنجيلي (غربي الموصل) ثم اقتادوا السيارة وطاقمها الى منطقة مهجورة بالقرب من مرقد الشيخ فتحي حيث كانت في انتظارهم سيارتان يستقلهما مسلحون آخرون، قاموا بسرقة المبلغ والفرار الى جهة مجهولةrdquo;.


وقال المصدر أن الشرطة ldquo;اعتقلت الموظفين الأربعة الذين كانوا في سيارة الاسعاف للتحقيق معهم ومعرفة ملابسات الحادث، الى جانب تشكيل فريق عمل لملاحقة المنفذينrdquo;.
وكانت بغداد قد شهدت الثلاثاء الماضي (28/7) عملية سطو مخطط لها بدقة على فرع لمصرف حكومي تم خلالها قتل ثمانية من حراس المصرف وسرقة الاموال المودعة فيه.
وجرت العملية في وقت مبكر من صباح الثلاثاء واستهدفت مصرف الرافدين الحكومي وسط العاصمة بغداد حيث قتل جميع حراس المصرف وتمت سرقة ما في خزنته من اموال في عملية هي الأعنف والأبرز في سلسلة من جرائم السطو المسلح على المصارف وشركات الصيرفة في العراق.


والمصرف المستهدف هو احد فروع مصرف الرافدين، ويسمى فرع الزوية لأنه يقع في منطقة الزوية بالكرادة التي تتمتع بتواجد أمني مكثف واستقرار جيد مقارنة بباقي مناطق بغداد لقربها من مقرات شخصيات مهمة في الدولة والحكومة.
ووفق مصدر في الشرطة العراقية فان ldquo;المسلحين اقتحموا المصرف في ساعة مبكرة من الثلاثاء، وقتلوا الحراس الثمانية الموجودين في البناية بعد ان اوثقوا ايديهم وكمموا افواههم وقاموا باعدامهم باطلاق النار على رؤوسهمrdquo;.
وقال المصدر لوكالة (اصوات العراق) ldquo;تمكن المسلحون من فك الخزنة بواسطة ماكنة لقص الحديد وسرقة 4.5 مليار دينار (نحو 3.8 مليون دولار) من الأموال الموجودة فيهاrdquo;، مبينا أن ldquo;الشرطة عثرت على جثث خمسة من الحرس في احدى الغرف وعلى الجثث الاخرى في غرفة مجاورة، وجميعهم من عناصر حماية المؤسساتrdquo;.
وكانت مصادر اخرى أشارت الى ان المبالغ المسروقة تصل الى 8 مليارات دينار، لتشكل بذلك واحدة من أكبر عمليات السرقة التي تعرضت لها المصارف العراقية.
عملية السطو على مصرف الرافدين سبقها، الاحد، الهجوم على شركة النبال الاهلية للصيرفة في شارع الصناعة وسط بغداد ما ادى الى مقتل اربعة اشخاص واصابة خمسة اخرين، دون الاشارة الى سرقة اموال خلال العملية.
وأثارت عودة عمليات السطو والسرقة مخاوف المستثمرين المحليين والأجانب والحكومة العراقية من تعطل عمليات الاستثمار حيث يشكل الأمن والاستقرار حجر الاساس في عمل البنوك التي يعتمد عليها تطوير عمليات الاستثمار.
ومع ادارك الحكومة العراقية للانعكاسات السلبية الخطيرة لتلك العمليات على الصعيدين الأمني والاقتصادي كثفت الاجهزة الأمنية من جهودها للكشف عن المتورطين في الحوادث الاخيرة، وأعلن مصدر مسؤول بوزارة الداخلية، الخميس، القاء القبض على ثلاثة من المتهمين في قضية السطو المسلح على مصرف الرافدين، مشيراً الى ضبط المبالغ المالية المسروقة، واستمرار البحث عن بقية المطلوبين.
وأوضحت وزارة الداخلية الى ان ldquo;عملية القاء القبض على المتهمين تمت بمنطقة الكرادة وسط بغداد، وجرت باشراف وزير الداخلية شخصياًrdquo;، في اشارة الى حرص الوزارة على استقرار الأمن وعدم السماح للأوضاع بالرجوع الى الوراء.
وبحسب تجار وصناعيين يمكن ان تشكل عملية السطو على مصرف الزوية ضربة لجهود الحكومة في عرض صورة مختلفة عن العراق وفتح باب الاستثمار امام الشركات الكبرى اذا فشلت الاجهزة المعنية في اعتقال المتورطين فيها واعادة الأموال وكشف كل ملابسات العملية التي تعد الأكبر بين سلسلة عمليات سطو مسلح استهدفت محال للصيرفة الاهلية والبنوك الحكومية في الأعوام الاخيرة، بالنظر الى عدد الضحايا وطريقة دخول المهاجمين وسرقة موجودات الخزنة في منطقة معروفة بكثافة انتشار الاجهزة الامنية فيها.
وقال رجل الأعمال حسن احمد، من بغداد، لوكالة (اصوات العراق) ان ldquo;عدم السيطرة على عمليات السرقة والسطو المسلح على البنوك واستمرارها سيشكل ضربة لجهود جذب الاستثمارات الاجنبية وعودة رؤوس الاموال العراقية الى البلادrdquo;، داعيا الحكومة الى ldquo;عمل كل ما هو ممكن لوقف تلك العمليات واعتقال المتوطين فيها واثبات قدرتها على صنع الأمنrdquo;، منوها الى ان ldquo;الاستثمارات لن تتدفق على البلاد في ظل غياب البيئة الاستثمارية التي يشكل الأمن احد اهم اركانهاrdquo;.
فيما تساءل خالد ابراهيم، صاحب محل تجاري في الكرادة، عن مستوى كفاءة الأجهزة الأمنية.


وقال لوكالة (اصوات العراق) ان ldquo;عملية السطو على مصرف الزوية حدثت في وقت الحظر المفروض على تنقل السيارات داخل العاصمة بغداد، وهو ما يثير السؤال حول كيفية تجاوز نقاط التفتيش التي تنتشر في منطقة الكرادة في فترة حظر التنقل بالمركباتrdquo;، لافتا الى ان ldquo;العشرات من عمليات السرقة السابقة لم تستطع الاجهزة الامنية ضبط المتورطين فيها وهو ما يضعها اليوم أمام امتحان حقيقي لتثبت كفاءتها وتعلن عن نجاح قد يكون نادرا في اعتقال المتورطين وتقديمهم للعدالةrdquo;.
التدريسية في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة دهوك، سعاد قادر، ذكرت أن الأمن والاستقرار يشكل الحجر الأساس في عمليات الاستثمار.
وقالت لوكالة (اصوات العراق) ldquo;لا يمكن اقناع المستثمرين وكبار الشركات بدخول البلاد واستثمار أموالهم واقامة مشاريعهم فيها بوجود هكذا عملياتrdquo;، مبينة أن ldquo;الآثار السلبية لعمليات سرقة البنوك التي يفترض ان تتمتع بأعلى درجات الحماية تتجاوز تعطيل عمليات الاستثمار الاجنبي الى زحزحة ثقة اصحاب رؤوس الاموال بمستوى الأمان في البنوك وهو ما يمكن أن يبعدهم عن ايداع أموالهم فيها، بما يشكله ذلك من خلل في واحدة من اهم الحلقات الاقتصاديةrdquo;.
واضافت قادر ان ldquo;الاوضاع الاقتصادية الحالية تفترض تشجيع حركة الاستثمار المحلي والاجنبي للنهوض بالحالة الاقتصادية ورفع مستوى أداء المؤسسات المالية بما فيها سوق العراق للأوراق المالية، وأية مشاكل أمنية او فنية ستحدث خلالا في عملية الاستثمار برمتهاrdquo;.
وكانت سلسلة من عمليات اقتحام المصارف الحكومية واحراقها صاحبت دخول القوات الامريكية الى العراق وانهيار النظام السابق وشملت معظم مناطق البلاد.
ووقعت في العاصمة بغداد وبعض المدن العراقية بين عامي 2003 و2007 عدد كبير من السرقات وعمليات السطو المسلح على مصارف اهلية وحكومية ومحلات صيرفة وشركات وسيارات مخصصة لنقل الاموال.
ففي منتصف كانون الثاني يناير من العام 2005 قامت مجموعة مسلحة تتكون من عشرة اشخاص بالسطو على مصرف في مدينة الرمادي التابعة لمحافظة الانبار (110غربي بغداد) في وضح النهار وسرقت مايعادل 15 مليون دولار امريكي، بعد ان امر المسلحون جميع الموظفين بالتنحي جانبا ثم اوثقوهم واستولوا على الاموال التي كانت داخل البنك.


وفي 18 تموز يوليو من العام 2006 قامت مجموعة مسلحة يرتدي أفرادها زي ما كان يسمى بالحرس الوطني آنذاك وتستقل عجلتي ( بيك اب) وسيارة ( بي ام دبليو ) بمهاجمة (مصرف الرافدين) الكائن في شارع المنظمة بمنطقة العامرية (غربي بغداد)،وسرقت مبلغ مليار وربع المليار ديناراي ما يساوي في تلك الفترة ( 840 ) ألف دولار .
وشهدت بغداد ايضا قبلها عملية سرقة كبيرة عندما اعترضت مجموعة مسلحة طريق عجلة مخصصة لنقل الأموال في منطقة المنصور (غربي بغداد)، واستولت على مبلغ يقارب ( 850 ألف) دولار كانت في السيارة بعد معركة نشبت بينهم وبين أفراد الحماية المرافقة، إنتهت بمقتل وإصابة أفراد الحماية وسرقة الأموال.
وفي آب اغسطس 2006 قامت جماعة مسلحة تتكون من 16 شخصا يرتدون ملابس مدنية وتقلهم اربع سيارات مدنية بالسطو على احد فروع مصرف الرافدين بمنطقة راغبة خاتون في بغداد وسرقوا سبعة ملايين دينار عراقي بعد قتل ثلاثة من أفراد الحماية وجرح موظفتين تعملان فيه.
وفي 11 كانون الاول ديسمبر من العام 2006 تمكنت مجموعة مسلحة يرتدي أفرادها ملابس قوات الأمن ويستقلون سيارات حكومية من سرقة مليون دولار امريكي بعد اعتراضهم طريق سيارتين في شارع السعدون وسط بغداد كانتا تقلان تقلان أربعة موظفين يعملون في مصرف الشرق الاوسط للاستثمار. وكان الموظفون في طريقهم لايداع المبلغ في البنك المركزي العراقي في شارع الرشيد وسط بغداد، وقام المسلحون باختطاف الموظفين والمليون دولار والسيارتين وفروا إلى جهة غير معلومة.
وفي 19 من الشهر نفسه استولى مسلحون كان البعض منهم يرتدي زي الشرطة على نحو مليار و100 مليون دينار عراقي تمثل رواتب موظفي احدى الشركات الحكومية في حي الكرادة وسط بغداد، بعد أن نصبوا نقطة تفتيش وهمية في الحي واوقفوا السيارة التي كان يستقلها المحاسبون بعد خروجهم من مصرف الرافدين فرع الزوية وانزلوهم بالقوة وقاموا بسرقة المبلغ.
وفي نهاية نيسان ابريل 2007 قام مسلحون مجهولون بمهاجمة حافلة كانت تحمل رواتب إحدى الدوائر التابعة لوزارة الثقافة، بعد أن تسلمتها من مصرف حكومي في شارع السعدون وسط بغداد وسرقت ( 184) مليون دينار عراقي ، وكان هذا الحادث الاول بعد بدء تنفيذ خطة فرض القانون في بغداد.
وفي تموز 2007 قام ثلاثة حراس يعملون في مصرف (دار السلام) الكائن في شارع السعدون، وسط بغداد، بسرقة مبلغ قدر بـ (282) مليون دولار والهروب إلى جهة مجهولة، بعد تنفيذ العملية، لكن المصرف لم يؤكد قيمة المبالغ المسروقة.
وفي 18 حزيران يونيو 2008 أعترض مسلحون كانوا يستقلون سيارتين حديثتين طريق سيارة تابعة للجامعة المستنصرية في منطقة الوزيرية (وسط بغداد)، واستولوا على ما يقارب الـ(643) مليون دينار، هي مجموع رواتب موظفي الجامعة المستنصرية، وأختطفوا خمسة موظفين كانوا في السيارة وقاموا لاحقا باطلاق سراحهم.
وفي نيسان ابريل 2009 اغتال مسلحون مجهولون سبعة من أصحاب محال لبيع المصوغات الذهبية في منطقة الطوبجي ببغداد، وأصابوا اثنين آخرين بواسطة أسلحة كاتمة للصوت وتمكنوا من سرقة محتويات المحال من مصوغات ذهبية قبل أن يلوذوا بالفرار.