قصة شاب قادم من حرثا الضاربة في التاريخ اصبح مذيعاً في العربية
زياد عبيدات: سرير قريبي كان سبباً في دخول الاعلام الرياضي!

زيد بنيامين : حينما يريد الاردنيون اثبات ان لهم جذوراً ضاربة في التاريخ، يشيرون اليك الى حرثا، فالقرية التي يعني اسمها (المعسكر)، هي اول مدينة اردنية عرفت الحضارة قبل 5500 عاماً من الان.هي معروفة بجبالها

زياد عبيدات ... ونظرة تأمل
كهوفها الكثيرة التي تركت فيها العديد من الاشارات الى الماضي السحيق.. والمدينة الحالية على سبيل المثال كانت عبارة عن معسكرات للجيش الروماني اخذها من القوى التي استقرت في هذا المكان قبله. لعبت الوراثة دوراً كبيراً في تاريخ المدينة، فموقعها الاستراتيجي المطل على الاراضي الفلسطينية وجبال الجولان السورية ويمر بها نهر اليرموك، جعلها هدفاً لكل القوى القديمة للسيطرة عليها، فاصبحت القوى ترثها واحدة عن الاخرى كأنها ثروة، وتحولت حرثا الى الداعم الاساسي الاول للجيوش المشاركة في معركة اليرموك خلال مرحلة انتشار الاسلام، ثم في معركة حطين في عهد صلاح الدين الايوبي، وفيها اقام ديغول اثناء الحرب العالمية الثانية قبل ان ينتخب رئيساً لفرنسا.

خلال كل هذا مر على حرثا كثيرون، من مؤابيين، عمونيين، اشوريين، اراميين، حثيون، والرومان، مسلمين.. كما مر عليها شاب سيكون اول من يقول quot;هذه نشرة اخبار الرياضة من العربية.. اهلاً بكمquot; .. في اول نشرة رياضية قدمت في تاريخ قناة العربية الساعة 7:30 بتوقيتالسعودية في فبراير 2003.

حينما سألته عن سر روح الدعابة التي يتمتّع بها، فأنت تلتقيه لأول مرة، كمن تعرفه منذ زمن بعيد، حكى لي عبيدات هذه القصة، فقد اعتاد وهو طالب صغير الجلوس في مقدمة الصف ، كان يهوى متابعة تحركات مدرسية وقسمات وجوههم، ليلتفت الى باقي زملائه خلال الحصة مقلداً اياهم quot;كان من المستحيل كشفي، اصدقائي وقفوا معي ولم يكشفوا ذلك واختاروا الضحك بصمت، كانوا يكتفون بالضحك، تصور ان المدرس يشرح الرياضيات فيلتفت ليجد الجميع مبتسمين، فيعتقد ان المادة سهلة!quot;.

في المرحلة التالية درس زياد في جامعة اليرموك حيث تخصص في التربية الرياضية ، وقد اعتاد ان يصل الجامعة الساعة الثامنة صباحاً ولا يغادرها الا بعد السابعة مساء quot;كنت امارس النشاط الطلابي داخل عمادة شؤون الطلبة بالاضافة الى دراستي، كان ذلك يعطيني تنمية شخصية وقدرات في التعامل مع المجتمع، لقد اعطتني هذه المرحلة من الثقافة الكثير، معظم وقتي في ذلك الوقت كان عملاً ودراسةquot;.

يؤكد زياد ان هذه المرحلة علمته ان يكون دقيقاً وان يكون نظامياً في حياته لانه مارس العمل الاداري بشكل مبكر quot;كان علي ان اقوم بالعمل من الالف الى الياء، لم اترك عملاً ما في المنتصفquot;.

مسيرته في الاعلام بدت غريبة في بدايتها، في واحدة من المرات زار برنامج (يسعد صباحك) الذي يبث من التلفزيون الاردني بلدة حرثا املاً في تسجيل حلقة من هناك quot;وطلبوا مني ان اكون بموقف الجمهور فرفضت تماماً، قلت لهم انني لا احب الظهور امام الكاميرات، كان لدي شعور ان الاعلام ليس مجاليquot;.

لكن بعد التخرج من الجامعة تغيرت الامور تماماً quot;فكرة ان اكون مدرساً بعد التخرج كانت مرفوضة بالنسبة إلي، لهذا بحثت عن العمل الاداري، فذهبت الى البنوك، وقال لي احدهم هل انت مجنون لكي تعمل في البنوك بشهادتك هذه، كما حاولت مع مؤسسة الموانئ، ومدينة الحسين للشباب، والجامعات والصالات الرياضيةquot;.

زياد عبيدات في أحد المواقف مبتسماً

قبل ان تكتمل الفرصة في احدى هذه المؤسسات، غيرت مزحة صغيرة مع احد اقربائه حياته تماماً quot;كان يعمل في التلفزيون الاردني، كتب على سريره (محمد عبيدات جوردن تي في)، فطلبت منه مازحاً ان يسهل لي زيارة التلفزيون الاردني ربما لاكتب على سريري (زياد عبيدات جوردن تي في)، لانني اردت زيارة القسم الرياضيquot;.

ممارسة العمل الاداري في عمادة شؤون الطلبة، حفزت المتخرج الجديد عبيدات على البحث عن فرصة من اجل العمل ادارياً في القسم الرياضي في التلفزيون الاردني، quot;حبيت العمل في التلفزيون بعد هذه الزيارة حينما شاهدت الشباب المذيعين اماميquot;، وقد بدت فكرة العمل في التلفزيون اخاذة quot;دخلت على مدير التوظيف الذي قال لي: بدك تتوظف معنا، فذهلت، لم استطع الرد عليه لانني لم اتوقع الرد، وفي اليوم ذاته تم تعييني في التلفزيون وكان علي الالتحاق باستوديو اربد لاعمل مراسلاً في محافظات الشمالquot; وذلك عام 1995.

كان على زياد تغطية نشاطات محافظة اربد على مدى عام ونصف العام quot;قررت في داخلي ان دوري انتهى كمراسل، وذهبت الى عمّان لاقول لهم ذلك، وبالصدفة شاهدني مدير الاخبار بشار جرار وقال لي: اخيراً شفتك، شو رايك تجي معانا تقدم نشرة الاخبارquot;.

يصف زياد الوضع في تلك الفترة في مركز التلفزيون الاردني في العاصمة الاردنية عمّان بالقول quot;كانت المافيات لها كلمة في التلفزيون، كان الموجودون من المذيعين يرفضون ظهور غيرهم على الشاشة، وكان احدهم يريد السفر ولم يتواجد البديل، واعتمد ان تظهر النشرة الرياضية كشريط اخباري ويكون بصوتي انا، فسافر الرجل رافضاً ان اظهر صوتاً وصورة، فوافق مدير الاخبار على الاقتراحquot;.

ولكن سرعان ما سيخالف بشار جرار وعده، وسيظهر زياد عبيدات على شاشة التلفزيون، ليفهم المذيع الذي يرفض زياد الكشف عن اسمه ان انقلاباً ما قد جرى، ويعلق عبيدات حينما سألته عن موقف الرجل بعد ان شاهده على التلفزيون quot;اتوقع عمل قسطرة بعد هذه الحادثةquot;.

يرى زياد انه من الطبيعي ان يواجه مثل هذه الحرب quot;خصوصا وان المذيع القديم يرى الجديد وهو ينافسه الى الشاشة، فيخاف ان يفقد منصبه، وهم كثر في زمننا هذا، وخصوصاً من يتساقط شعره على الهواء (يضحك).. بالنسبة لي ارى ان اي شخص تجاوز الاربعين لا ينبغي ان يظهر في نشرة رياضية، النشرات الرياضية بحاجة الى دم جديد، الى شباب، من اجل ان تقنع الناس، من المستحيل ان ارى الان شخصا عمره اربعون عاماً يقرأ نشرة اخبار رياضة.. لانه استهلك، يجب ان يتفرغ لامور اخرى في الاقسام الرياضيةquot;.

قضى زياد عبيدات سبع سنوات من عمره في التلفزيون الاردني، ويقول انه واجه الكثير من الصعوبات والمعاناة التي خدمته فيما بعد، وخلال هذه الفترة عمل بشكل جزئي في برنامج المجلة الرياضية quot;لم نأخذ المجال الكافي لانه كان محتكراً على بعض الاشخاص، وكان علينا تقديمه اثناء غيابهمquot;، ومن ثم قدم برنامج (ما يطلبه الرياضيون) الذي بدأ مع انطلاق القناة الرياضية الاردنية عام 1998 quot;وهو البرنامج الذي نجحت فيه واثبت وجودي عبرهquot; بحسب زياد.

وسط اجواء يصفها زياد عبيدات بالصعبة، كان هناك اصرار على تحقيق النجاح ، كان ابرزها المؤامرات التي كانت تحاك ضد المذيعين الجدد، والتي سألته عن اسباب ذكرها كثيراً فيقول quot;كان علي المشاركة في تغطية دورة الالعاب العربية التاسعة في عمّان، وجاءوا بي لانقاذ موقف بعد ان تم ايقاف احد الزملاء في اللحظات الاخيرة، كان علي التعليق على مباريات كرة الطائرة ومنازلات الملاكمة، وعليك اثبات نفسك، تخيل ان يتم تقسيم تعليق الدورة العربية بكاملها على مذيعين اثنين، ويغيب بقية المذيعين عن هذه التغطية، اليس ذلك دليل على وجود مؤامرةquot;.

يقول عبيدات انه حاز فرصة للعمل في الفضائية القطرية عام 2000، دون ان يلتحق بها، لكن بعد ذلك تحدث كثيرون في التلفزيون الاردني عن قرب انضمامه الى قناة الـ MBC quot;كانت هناك اشاعة انتشرت بعد ان عرف الزملاء بوجود لجنة لاختيار مذيعين لقناة تلفزيونية جديدة للـ MBC دون ان يعرفوا انها العربية، وقد نفيت في وقتها مثل هذا الكلام، وبعد ساعة من ذلك، جاءني اتصال من الزميل محمد قدري حسن مندوب القناة في عمّان، وقال انه رشحني للمقابلة، وقال لي بالحرف الواحد ان المقابلة لا تعني انك قبلت، فذهبت ووجدت حيدر الوتار، وكانت له رهبة عنيفة، حيث كنت اسمع اسمه في الاذاعة خلال برنامج (صدى الملاعب)، وقد شعرت انه تفاجأ بوجودي، وقال لي في ما بعد، انه من النظرة الاولى شعر انني الشخص الذي كان يبحث عنه!quot;.

تحول الحلم الى حقيقة، ويقول عبيدات انه شعر بالخوف في البداية رغم انه اعتبر هذه الخطوة بداية الانطلاقة ويعترف بفضل الاعلامي حيدر الوتار الذي كان يعمل لمدة 18 ساعة يومياً مع الفريق الجديد لقناة العربية مع انطلاقتها quot;لقد غرسوا فينا ايام التلفزيون الاردني انطباع عدم الامان الوظيفي لكن مع حيدر والام بي سي اختلفت الامور كثيراًquot;.

خلال هذه الرحلة مر الكثير على زياد كما يقول هو، وتحديداً خلال عمله في العربية التي احتفلت قبل فترة بعيدها السادس، وكانت من ابرز المحطات التي عاشها مع القناة تغطية بطولة كأس العالم في المانيا 2006 برفقة الفريق العامل معه.

ومازال زياد يعود الى حرثا ويسلم على اهلها الذين يرونه اليوم كنجم تلفزيوني يمثلهم على المستوى العربي quot;لقد وجدت الكثير من الاعجاب من الناس، العربية بيتي الاول والاخير، وهي التي احتضنتي وتبنتني، وتلقيت الكثير من العروض من الامارات والاردن ودول خليجية فرفضتها، ساغادر العربية الى بيتي فقط، لن اتركها الا الى بيتي، لانني احترمها، واقضي 17 ساعة فيها، وحينما اذهب الى البيت اشعر بالذنب لانني تركتهاquot;.

حسنة تتحول الى اذلال!
quot;خلال عملي في التلفزيون الاردني، كنا نصور طوال ايام الاسبوع، والمواد تعرض الجمعة، فقال لي احد الزملاء، حينما تصور لا تقول (عقد اليوم) او (جرى اليوم) وكانت هذه الحسنة الوحيدة التي اعطاني اياها، وهو مشكور عليها، ويعتبر نفسه انه صاحب فضل علي، وقدم لي الكثير!quot;

اعاقب نفسي
quot;اؤمن ان لكل انسان اسلوبه الخاص ولكنني في الوقت نفسه اتابع نفسي، فبعد اي نشرة اقدمها، يجب ان اراجع التسجيل مباشرة، لارى ان كان هناك خطأ في حركاتي او شعري او ملابسي، او مشاكل في الصوت، واجراء تقييم واعادة حسابات، ومثل هذه المتابعة موجودة في حياتي ايضاً، حتى في قراراتي، فإن كانت احدى قراراتي خاطئة اعاقب نفسيquot;

حيدر الوتار الذي عرفته
quot;احب اجتهاده في العمل، نظافته، نزاهته، لا يحب التجاوز على احد، مستقيم، مهني، ومحب للاخرين، قد تخطئ في حقه، وتتجاوز عليه، ولكنه سيأتي في اليوم التالي ليسلم عليك، لهذا لم ار رجلاً بهذه السمات، انا نفسي لست كذلك، علمني الاستقامة، وقد ضرتني ان اكون مستقيماً في بعض المواقف في حياتيquot;.

يزيد بناني سبب لنا.. الجنون!
quot;يزيد مواقي صديقي قبل ان يكون رئيس قسم الرياضة في الام بي سي، هو انسان طيب، ويهتم بموظفيه بطريقة غير مسبوقة من اجل راحتهم، انه يقدم كل شيء للموظف في سبيل ان يقدم العطاء داخل العمل، هو يتسبب لنا في

زياد عبيدات قبل بدء إحدى النشرات الاخبارية
لجنون في القسم، لانه لا ينام الليل، وهو يشاهد كل النشرات الاخبارية الرياضية، ويسألنا عن كل شيءquot;.

الشاشة لا تغريني!
quot;لا احب الشاشة كثيراً، واعلم ان لكل بداية نهاية، لست من الذين يركضون ويلهثون وراء الشاشة، يجب ان تكون منطقياً، الشاشة ليست كل شيء، وظيفتي الان مذيع ورئيس تحرير، فأنا اكتب نشراتي بالكامل، واحب ان اقرأ ما اكتب، فانا ادخل الى النشرة وقد حفظت الاخبار عن ظهر قلب، لا يوجد اي مجال لعدم فهم الخبر، وسيأتي يوم يكون فيه مغادرتي للشاشة حتمياً والعمل من موقع آخر لانجاز النشرات الرياضيةquot;.

تجربتي في المرمى
quot;لقد استفدنا كثيرا من برنامج في المرمى، حيث اصبحت لدينا معرفة عميقة بالكرة السعودية، تعلمنا أن اي شخصية كانت مرموقة يجب ان تنتقد في البرنامج ان كانت تستحق النقد، في بعض الاحيان كليبات الاغاني التي نقدمها في البرنامج يتم تداولها بالموبايل في السعودية خلال لحظات بعد بثها، وهذا دليل على الجهد المبذولquot;.

مذيع نشرات سياسية!
quot;لقد طلب مني ان اقدم النشرات السياسية بعد يومين من اول ظهور لي في قناة العربية، لكنني رفضت لانه ليست لدي اي ثقافة سياسية، فالمذيع ليس شكلا او أداء، فالمذيع قد يتعرض الى انفجارات وحوادث وهو ما امتلكته الان، ولم اكن وقت تلك الفرصة مطلعاً على ذلك، واخترت البقاء في القسم الرياضي، فالصورة الاولى للمذيع هي التي ترسخ لدى الناس، وانا اعتقد ان المذيع الرياضي بحاجة الى حماس لتقديم النشرات الرياضية، لذلك انا دائماً ادعو ان لا يظهر من هم فوق الاربعين كمذيعين في نشرات الاخبار الرياضية، لانهم يتسببون في هروب المشاهدين الذين سيغيرون المحطة لدى رؤية هؤلاء الناس الذين تقل لديهم الحماسة كثيراً في هذا العمر، نشرات الرياضة هي للشباب فقطquot;.

لمراسلة الكاتب: [email protected]