لا يزال الدوري الجزائري يحتفظ بكامل أسراره رغم أن الموسم الرياضي لم يتبقَ منه سوى خمس جولات ، مما يجعل المنافسة على أشدها في قادم الأسابيع و يجعل تغيير الترتيب أمرا ممكنا مع نهاية كل جولة ، سواء تعلق الأمر بأعلى الجدول أو أسفله.

فالنتائج الأخيرة جعلت الأندية تتكدس و لا تفصل بينها سوى نقاط قليلة يمكن تداركها ، و أي ناد أصبح بإمكانه تغيير موقعه إيجابا أو سلبا بعد انتصار أو خسارة ما دام أن هناك 15 نقطة على الميدان.

و الأكيد هو أن العامل الفني لن يكون الفيصل الوحيد بين المتصارعين فهناك عوامل أخرى سيكون لها تأثير على الفصل بين المراكز على غرار أخطاء التحكيم و غياب اللاعبين المؤثرين للإيقاف أو الاعطاب ، ومدى جدية الأندية التي تضمن بقائها مبكرا.

ومما يزيد من حدة الإثارة هو أن تركة الموسم لا تقتصر فقط على البطل فهناك مركز الوصافة الذي يتيح لصاحبه المشاركة في عصبة أبطال إفريقيا ، و هناك المركز الثالث الذي يمنح لمحتله بطاقة خوض الكنفدرالية الإفريقية .

و في حال بعث دوري أبطال العرب فان أصحاب المركزين الرابعوالخامس يصبحان معنيان بالمنافسة أيضا .

فالأمور لم تحسم بعد على صعيد المقدمة رغم إن الرائد الحالي وفاق سطيف لا يزال صاحب الأفضلية لإنهاء السباق متربعا على عرش الدوري فأمامه مباراة مؤجلة ضد باتنة و الفوز بها يجعله يوسع الفارق عن ملاحقيه إلى أربع نقاط مما يمنحه هامش اكبر للتحرك ، كما أن إقصائه من كأس الكنفدرالية الإفريقية فرض عليه تركيز جهوده على المسابقتين المحليتين على أمل الجمع بينهما للمرة الأولى في تاريخه، لكن تراجع أداء أشبال المدرب السويسري ألان غيغر منذ الإضراب الذي شنوه قبل ثلاث أسابيع أدى إلى تضييعهم نقاط سهلة ، حيث خسروا بسذاجة أمام شباب بلوزداد بثنائية نظيفة على أرضهم ثم تعادلوا بعدها بأيام مع ضيفهم مولودية وهران .

وشكل هذا التراجع دافعا فنيا و معنويا للملاحقين لبعث السباق على الدوري مجددا ما دام أن الفارق الآن و قبل تسوية الرزنامة نقطة واحدة تفصل بين الوفاق و وصيفيه اتحاد العاصمة و شبيبة بجاية ، اللذان يتواجدان في أفضل رواق لمزاحمة النسر الأسود بعدما نجح في وضعه تحت الضغط خاصة أنهما يلعبان فقط على جبهة الدوري بعدما خرجا من سباق الكأس.

ولا يزال حامل اللقب اولمبيك الشلف يحتفظ هو الآخر بكامل أوراقه للدفاع عن تاجه ما دام انه لا يبتعد عن المتصدر سوى بثلاث نقاط غير أن انشغاله بالمشاركة في دوري الأبطال حيث تنتظره مواجهة في غاية الصعوبة و الأهمية لبلوغ دور المجموعات تجمعه بالهلال السوداني المتمرس.

وبإلقاء نظرة على جدول المباريات للأسابيع الخمسة المتبقية يتضح أن الرباعي المتصدر تنتظره اختبارات متباينة من حيث الصعوبة ، فالوفاق سيلعب ضد منافسين أقوياء دلهم يصارعون على البقاء لكنه سيستفيد من خوض ثلاث لقاءات من أصل خمس على ملعبه قبل أن يصطدم بملاحقه المباشر حاليا اتحاد العاصمة في بولوغين في الجولة الأخيرة التي قد تكون فاصلة في حسم هوية البطل في حال استمر الوفاق في إهدار النقاط .

أما الرزنامة المتبقية للاتحاد فهي سلاح ذو حدين فهو سيلعب في العاصمة أربعة مباريات يلاقي خلالها أندية من العاصمة بداية من الكلاسيكو ضد المولودية الذي يتطلع للمركز الثالث ، ثم يواجه نصر حسين داي الشبح الأسود للاتحاد و الذي يرفض الاستسلام حتى و هو يتذيل الترتيب العام ، و أكثر من ذلك فان للاتحاد أفضلية خوض مواجهتين ضد منافسيه المباشرين وفاق سطيف و بجاية الذي يتقاسم معه حاليا الترتيب على ملعبه مقابل تنقل عسير إلى الشلف محفوف بالمخاطر خاصة أن زملاء خالد لموشية أكدوا هذا الموسم سهولة النيل منهم عندما يلعبون بعيدا عن العاصمة .

و تبدو الرزنامة في صالح بجاية فباستثناء مواجهته لاتحاد العاصمة و لمولودية وهران المهدد بالهبوط ، فان بقية المباريات تبدو سهلة نوعا ما إذ يقابل اتحاد الحراش الذي يركز على الكأس بعدما اقترب من ضمان البقاء شانه في ذلك شان شبيبة القبائل المتراجع هذا الموسم كما انه سيستفيد من خوض لقائه بمولودية سعيدة في الجولة الأخيرة من الموسم على ملعب محايدة بعد العقوبة التي سلطت على سعيدة و بالتالي فالظروف النظرية تبدو في مصلحة الرائد و بجاية غير أن الميدان بإمكانه أن يغير المعطيات.

ولا تزال أندية شباب بلوزداد و مولودية الجزائر و وداد تلمسان تطمح لتحسين ترتيبها النهائي خاصة أن المرتبة الثالثة لا تزال في المزاد ، و وفقا للنتائج الأخيرة لكل فريق يبقى العميد الأوفر حظا للارتقاء نحوها ، حيث سجل أربع انتصارات متتالية مما يؤكد صحوته في مرحلة الذهاب ، و هو يدرك ان الفوز في لقاء الدربي ضد الغريم الاتحاد هو مفتاح الاقتراب حتى من الصدارة في حال تعثر أصحاب المقدمة ، في وقت يبدو بلوزداد مركزا أكثر على نيل الكأس بدليل خسارته من بجاية برباعية نظيفة و لا يهمه سوى ضمان البقاء الذي لا يفرق معه سواء حل خامسا أو عاشرا و هو نفس المنطق الذي يسير به أيضا تلمسان منذ أن أقصي من الكأس.

على مستوى قاع الترتيب تبدو الأمور أكثر تعقيدا حتى و إن كانت كل المؤشرات توحي بان الثنائي نصر حسين داي و مولودية سعيدة الأخير و ما قبل الأخير حاليا قد وضعا القدم الأولى في الدرجة الثانية و تبقى فقط تأشيرة النزول الثالثة مجهولة الهوية لكن المنطق الحسابي يجعل الهبوط يهدد ثمانية فرق بداية من شبيبة القبائل صاحب الرقم القياسي في عدد المرات التي توج فيها بلقب الدوري ، حيث يلعب لثاني موسم على التوالي من اجل البقاء بعدما ظل لا يرضى بأقل من الوصافة على مر تاريخه، و حاليا يحتل الصف التاسع ب32 نقطة أي بفارق عشر نقاط فقط عن متذيل الترتيب نصر حسين ، و حسابيا يمكن تدارك هذا الفارق في خمس مباريات ، فما بالك إذا بالأندية التي تأتي بعد الشبيبة الذي سيلعب مبارتيبن فقط على ملعبه تبدو فيهما حظوظه وافرة للظفر بنقاطهما أمام سعيدة الجريح و أمام حسين داي المتذيل لكن الحذر يبقى مطلوب من قبل الكناري خاصة انه إهدار نقاطا بالجملة هذا الموسم على ملعبه كانت تكفيه لضمان استمراره مع النخبة منذ جولات.

ويأمل مولودية وهران في تفادي تكرار سيناريو نهاية الموسم 2007-2008 عندما وجد نفسه يهبط للمرة الأولى تاريخه العريق ، و بعد سلسلة من النتائج السلبية بدا ينتعش في الجولات الأخيرة تحت إمرة مدربه الجديد السويسري راؤول صافوا و الذي لم يتذوق بعد طعم الهزيمة ، فتعادل مع الاتحاد و فاز على سعيدة و تعادل أيضا مع الوفاق ، و برنامج مبارياته المقبلة يخدمه كثيرا ، فهو يستقبل على ملعبيه في ثلاث مناسبات منها اثنين ضد حسين داي و ضد باتنة في الأسبوع الثلاثين.

ويبقى الشرق مرشح لخسارة احد ممثليه الموسم القادم نظرا لتراجع نتائجهم ، فباتنة تنتظره مهمات انتحارية و الطريقة الوحيدة للخروج من المأزق هي تحقيق نتيجة طيبة في مباراته المؤجلة ضد سطيف رغم صعوبة المأمورية خاصة انه سيلعب ثلاث لقاءات بعيدا عن جمهوره إضافة إلى لقاء ناري ضد العلمة بملعبه.

و قد يجد قسنطينة نفسه يدفع الثمن باهظا لتركيزه على الكأس و تفريطه في نقاط غالية آخرها مع القبائل ، ذلك أن ترتيبه العاشر حاليا يرشحه للانزلاق نحو الخط الأحمر عقب أي جولة ، و مباراته ضد بلوزداد في نصف نهائي الكأس سلاح ذو حدين فالتأهل إلى النهائي يجعله يستمر تناسي الدوري و إقصائه سيجعل معنويات لاعبيه و عشاقه في الحضيض خاصة أن مبارياته المتبقية سيواجه خلالها خصوما من العيار الثقيل غير مستعدين للتنازل عن نقاطهم تحت أي ظرف.

و تبدو مهمة مولودية العلمة و جمعية الخروب أصعب ، ففضلا عن أدائهما المتذبذب فان برنامجهما سيعرف تنقلات قوية و استقبالات محفوفة بالمخاطر كما أنهما سيتواجهان مباشرة في الجولة قبل الأخيرة على ملعب الخروب و الفائز منهما سيضمن بقائه بنسبة كبيرة بينما سيفقد المنهزم جل آماله في تفادي السقوط.