إرتبطت إنجازات المنتخب الفرنسي التي حققهافي البطولات الكبرى بوجود لاعب من أصل أجنبي يصنع مجده ، يأخذ على عاتقه قيادة الديوك للصراخ عالياً سواء داخل الملعب أو خارجه ، نجم يمتلك بالإضافة إلى القدرات الفنيةجميع مقومات القيادة و التميز وسط كوكبة من اللاعبين المتألقين .
هذا النجم بمجرد ما يعتزل يترك الديوك يتيمة لفترة لا تقل عن العشر سنوات يميزها فراغ رهيب في النتائج ، يتحول معها الصراخ إلى صياح رغم وجود اللاعبين من أصحاب المهارات العالية، و يتحول معها المنتخب إلى لقمة صائغة يهضمها أضعف المنافسينو يبدأ معها حنين الفرنسيين خاصة الإعلاميين إلى زمن النجم الأجنبي الذي جلب لهم الاحترام و التقدير و الأفراح.
فقد تكررت هذه الحالة مرتين الأولى في عشرية الثمانينات من القرن الماضي ، و كان وراءها صانع الألعاب ميشال بلاتيني ذو الأصل الإيطالي و الرئيس الحالي للإتحاد الأوروبي ، فبفضله بلغت فرنسا نهائيات المونديال ثلاث مرات متتالية أعوام 1978 و 1982 و 1986 ، و بفضله بلغت إلى المربع الذهبي لكأس العالم في دورتين متتاليتين في إسبانيا 1982 ثم في مكسيكو ، و في كلتا الدورتين كان المنتخب الفرنسي الأقرب لبلوغ النهائي لولا الحظ العاثر ، و بفضل المهارة الإيطالية أيضا توجت فرنسا بأول بطولة كبرى في تاريخها عندما نالت أمم أوروبا في العام 1984 على أراضيها و هي البطولة التي عرفت تألقا واضحا لبلاتيني عندما سجل تسعة أهداف جلها كانت حاسمة في مشوار المنتخب و هو الرقم الذي يبقى صعب تحطيمه ، و عندما اعتزل بلاتيني في مايو 1987 بدأت متاعب الديوك رغم وجود أسماء لامعة في صورة كانتونا و بابان و تيغانا و فرننديز و آخرون وجدوا الإرث ثقيلاً ، فاخفق المنتخب في التأهل لنهائيات يورو 1988 رغم انه حامل اللقب ، ثم فشل فيالتأهل إلى نهائيات مونديال إيطاليا 1990 ، و بعده مونديال أمريكا ، و خرج مبكراً من يورو 1992.
![]() |
| لعنة اعتزال النجم الأجنبي الذي يصنع المجد تلاحق المنتخب الفرنسي |
و لم يستعد المنتخب الفرنسي توازنه و بريقه سوى مع نهاية التسعينات مع بزوغ نجم جديد لا يختلف كثيراً عن بلاتيني من أصل عربي هذه المرة ممثلاً في الجزائري زين الدين زيدان ، الذي قاد المنتخب إلى أوج عطائه و قاده إلى التتويج بكأس العالم الأولى في تاريخهعام 1998 ثم أمم أوروبا الثانية في العام 2000 ، و هنا أيضا يشترك زيدانمع بلاتيني في كونه لعب دوراً محورياً في الإنجازين ، و لان الديوككانوا بحاجة ماسة لزيدان فقد ترجوه للعودة عن قرار الإعتزال عام 2004 للعودة بعدها بعام ليقود فرنسا إلى نهائيات مونديال ألمانيا 2006 بعدما كانت قاب قوسين أو ادني من الغرق و قادها إلى نهائي تلك الدورةبفضل أهدافه و تمريراته ، و بدأت قلاقل المنتخب الفرنسي ما بعد زيدانالجزائري و قلاقل زيدان الجزائري ما بعد المنتخبتظهر مباشرة بعد خروجه ضد إيطاليا بالبطاقة الحمراء بعد تعديه على ماترازي ، ففرنسا خسرت النهائي و زيدان تعرض لحملة إعلامية شنيعة هدفها تقزيمه أمام الفرنسيين.
و من وقتها لم يحقق الديوك سوى المهازل سواء في أمم أوروبا 2008 التي غادروها مبكرين أو فينهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010 التي بلغوها بهدف مغشوش لتيري هنري حرم به إيرلندا ، ثم غادروا البطولة بفضيحة لم تعرفها البطولة من قبل عندما تمرد اللاعبون على مدربهم وها هم يتركواً يورو 2012 على فضيحة أخرى و من دورها الثاني رغم الإجماع على أن أشبال لوران بلان لم يستحقوا حتى التأهل للدور الثاني بعد خسارتهم من منتخب السويد الأجدر بالتأهل.
الواقع أن المنتخب الفرنسي الذي أعقب إعتزال بلاتيني الإيطاليأو زيدان الجزائري لم يكن يفتقد للاعبين المميزين من الناحية الفنيةبل كان يضم تعداداً ثرياً سواء الفرنسيين أو الأجانب من عرب أو أفارقة و غيرهم ، لكنه كان يفتقر للقائد الذي يحمل و لو القليل من صفات بلاتيني أو زيدان ن ليقود الجوق الفرنسي لاعتلاء منصات التتويج أو على الأقل مقارعة كبار المنتخبات.
القائد الذي بإمكانه احتواء الأزمات الداخلية و الصراعات التي تدب بين اللاعبين في ما بينهم أو ضد المدرب أو الصحافة بدلاً من تأجيجها حتى تصل درجة يستحيل معالجتها دون أن تترك خلفها كوارث ، كما حدث مع إيريك كانتونا ، و نيكولا أنيلكا و مؤخراً مع سمير نصري.
فلاعب مثل بلاتيني أو زيدان و رغم أنهما لعبا لأكبر و أقوى الأندية الأوروبية جوفنتوس و ريال مدريد إلا أنهماراهنا على المنتخب لإثراء سجلهما بألقاب و بطولات لا يمكن أن ينالها أي لاعب مع النادي ، فبطولة مثل اليورو أو المونديال لا يمكن مقارنتها بأي دوري محلي أو قاري ، لذلك فإنهما كانا يقدمان للمنتخب أقصى ما يملكان من مجهود و احتاجا للمشاركة في بطولة كبرى واحدة لكسب الخبرة ، فارتبطت إنجازاتهما بالمنتخب مثلما ارتبطت إنجازات المنتخب بهما.
الواقع أن المنتخب الفرنسي الحالي مرشح للإستمرار في مرحلة الفراغ بالنظر إلى تركيبته البشرية الحالية التي تفتقد للقائد المحنك ذو الشخصية القوية المؤثرة إيجابا في بقية زملائه ، و هو الأمر الذي يحتاج إلى مدرب قدير في صورة ميشال هيدالغو الذي جعل من بلاتيني مايسترو ، و ايمي جاكي الذي نجح في جعل زيدان يفجر طاقته في لحظات تاريخية لم يكن أحد ينتظرها.
و الحقيقة المؤلمة أن الفرنسيين بما فيهم المدرب لوران بلانراهنواً على أحصنة فاشلة ، ذلك أن لاعبين مثل كريم بن زيمة و نصري و حتى حاتم بن عرفة و رغم تعدد مشاركاتهم مع المنتخب و رغم تجاوزهم سن الـ25 سنة غيرأنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة النضج التي تسمح لهم بالقيام بما كان يقوم به بلاتيني أو زيدان ، و لحد الآن و بعد مرور سنوات على انضمامهما للمنتخب لم يقدموا المأمول منهم بل و لم يضمنوا حتى مكان مستقر في التشكيل الأساسي للديوك رغم أن لا احد يمكنه التشكيك في قدراتهم الفنية ن غير أن ما يعاب عليهم هو تركيزهم على النجاح مع الأندية التي يلعبون لها أكثر من تركيزهم على المنتخب حيث يبدو و كأنهم يشعرون بالغربة عندما يلعبون لفرنسا و ربما هذا احد أسباب فشلهم في التألق معها خاصة أن انضمامهم للديوك و رفضهم لمنتخباتهم الأصلية الجزائر بالخصوص صاحبه حملات إعلامية كثيرة عن دوافع اختيارهم ، فكيف يمكن تفسير المساهمة الكبيرة لبن زيمة في تتويج ريال مدريد بالدوري الإسباني ونصري في تتويج مانشستر سيتي بالدوري الإنكليزي دون أن يكون لهما بصمة مع المنتخب .
و ربما يحتاج المنتخب إلى اعتراف من الفرنسيين و خاصة الصحافيين بأفضال اللاعبين الأجانب و دورهم في ما بلغه المنتخب من العالمية لطرد اللعنة التي أصابته ، خاصة أن إنكارهم لتضحياتهم اثر سلباً على من جاء بعدهم و تقمص ألوان الزرق إذ يلعبون و ينتظرون مصيراً مشئوما من إعلام لا يرحم.
















التعليقات