يضع المنتخب الأميركي نصب عينيه تأكيد هيمنته المتجددة عندما يخوض اعتباراً من الأحد غمار مسابقة كرة السلة للرجال في أولمبياد لندن 2012 التي قد تشكل المشاركةالأخيرة للكثير من نجومه الكبار اذا ما التزمت رابطة الدوري الاميركي للمحترفين بمشروع حصر المشاركة في النسخات المقبلة باللاعبين الذين لا تتجاوز اعمارهم الثالثة والعشرين.

ويدخل المنتخب الاميركي الى العاب لندن بمظهر مختلف عما كان عليه الوضع في بكين 2008 اذ استعاد هيبته تماما بعدما تربع مجددا على العرش الاولمبي واحرز ذهبيته الثالثة عشرة في مشاركته السادسة عشرة بفوزه على نظيره الاسباني بطل العالم لعام 2006 في المباراة النهائية، ثم اكد انه استعاد بريق الماضي حين توج بعد عامين بطلا للعالم على حساب المنتخب التركي المضيف وذلك للمرة الاولى منذ 1994، رافعا رصيده الى 4 القاب عالمية (توج عامي 1954 و1986 ايضا).

واجبر المنتخب الاميركي في بكين 2008 على اظهار معدنه الحقيقي لكي يستحق ان ينال لقب quot;منتخب الاحلام الخامسquot;، وقد نجح في استعادة الهيبة التي افتقدها لسبعة اعوام حيث فشل في الظفر باي لقب في 3 مشاركات كبرى ما جعل الجميع يتحدث عن ان الاميركيين بدأوا يدفعون ثمن العولمة السلوية.

وكان المنتخب الاميركي فرض نفسه نجما مطلقا في المناسبات الرسمية وخصوصا في الالعاب الاولمبية التي حصد جميع القابها منذ ادراج لعبة كرة السلة في الاولمبياد عام 1936، وهو لم يخفق الا عام 1972 في ميونيخ عندما خسر في النهائي التاريخي امام الاتحاد السوفياتي في مباراة مثيرة للجدل، وعام 1988 في سيول عندما خرج من الدور نصف النهائي امام المنتخب نفسه، علما بانه لم يشارك في اولمبياد موسكو 1980 بسبب مقاطعة بلاده لهذا الحدث على خلفية الاحتلال السوفياتي لافغانستان.

ولم يسمح للاعبي دوري المحترفين في تمثيل الولايات المتحدة في المناسبات الدولية الا عام 1992 في اولمبياد برشلونة، عندما قدم الاميركيون للعالم quot;منتخب الاحلامquot; الاول ونجومه العظماء مايكل جوردن وايرفين ماجيك جونسون وباتريك يوينغ وكارل مالون وتشارلز باركلي وكلايد دريكسلر وديفيد روبنسون ولاري بيرد وجون ستوكتون وغيرهم من اساطير كرة السلة الاميركية والعالمية.

وخطف quot;منتخب الاحلامquot; الاضواء من جميع الرياضيين وفي كل الرياضات في الالعاب التي تعتبر فيها رياضة العاب القوى ام الالعاب والنجم الاساس، فلم يعد يستذكر العالم شيئا اهم من هؤلاء النجوم في تلك الالعاب التي حصد ذهبيتها على حساب كرواتيا في المباراة النهائية.

لكن الواقع السلوي الجديد اثقل كاهل الاميركيين الذين فشلوا في تحقيق افضل من المركز السادس في كأس العالم التي استضافوها في انديانابوليس عام 2002 حيث كان اللقب صربيا، ثم اكتفوا بالمركز الثالث في اولمبياد اثينا 2004 فيما كان اللقب ارجنتينيا، ثم حصلوا على المركز ذاته في بطولة العالم في اليابان عام 2006 حيث توج الاسبان باللقب.

دفعت هذه الاخفاقات القيمين على المنتخب لأن يأخذوا منافسيهم على محمل الجد فوضعوا برامج تدريبية مكثفة انطلقت منذ مونديال اليابان بقيادة مايك كرشيشفسكي، مدرب جامعة ديوك التي تعتبر من افضل الجامعات في تصدير اللاعبين المميزين الى دوري المحترفين.

ولم يكن اختيار كرشيشفسكي وليد الصدفة اذ انه يعرف ماهية اللعب بقوانين الاتحاد الدولي لكرة السلة لتشابهها الى حد كبير بقوانين دوري الجامعات، على عكس دوري المحترفين الذي حاول المسؤولون عنه وفي مقدمهم quot;العرابquot; ديفيد شتيرن ان يعدل قوانينه لتقريبها من تلك الخاصة بالاتحاد الدولي عبر السماح بتطبيق دفاع المنطقة، الا انه التزم بقانون الدفاع غير الشرعي مما حد من فعالية قانون المنطقة.

ويمكن القول ان شتيرن، وهو رئيس رابطة دوري المحترفين، لعب دورا اساسيا في ارتفاع مستوى المنافسة العالمية وصعب من مهمة منتخب بلاده عندما سعى جاهدا الى quot;عولمةquot; دوري المحترفين الذي توسعت شعبيته عالميا بعد اولمبياد برشلونة.

ولعب العامل التجاري دورا في انفتاح الدوري الاميركي على اللاعبين الاجانب وتوسع الافاق التجارية للاندية خارج الولايات المتحدة، ابتداء من اوروبا ثم اميركا الجنوبية والشمالية والى استراليا وافريقيا واخيرا اسيا.

واصبحت الجماهير خارج الولايات المتحدة تنتظر نجومها المحليين وهم يتألقون على الملاعب الاميركية، فجماهير العملاق الصيني ياو مينغ الذي اعتزل بسبب الاصابة كانت تلحق به من بكين الى تكساس، ونظراؤهم الارجنتينيون يتابعون مانو جينوبيلي بصورة توازي تلك التي يتابعون بها نجوم منتخب كرة القدم.

ونشط هذا الزحف الاجنبي مع لاعبي اوروبا الشرقية التي قدمت اول الاجانب الى دوري المحترفين مع الكرواتي درازن بتروفيتش لاعب نيوجيرزي الذي تميز بتسديداته من خارج القوس، الا انه تعرض لحادث سير مأساوي في حزيران/يونيو 1993 في المانيا أدى الى مصرعه.

ثم واصل الزحف الاجنبي الى الولايات المتحدة من اليوغوسلافي فلادي ديفاتش الى الليتواني ارفيداس سابونيس والاسترالي لوك لونغلي والالماني ديتليف شريمف والزائيري (حينها) ديكيمبي موتومبو والصربي بيا ستوياكوفيتش والروسي اندري كيريلنكو والفرنسي طوني باركر والالماني ديرك نوفيتسكي والاسباني باو غاسول.

ومع واقع quot;العولمة السلويةquot; اصبح مستوى المنتخبات المشاركة في المناسبات العالمية مرتفعا للغاية، خصوصا في المونديال والالعاب الاولمبية، ويكفي النظر الى عدد لاعبي الدوري الاميركي للمحترفين في المنتخبات التي شاركت في بكين 2008 وتركيا 2010 وصولا الى لندن 2012، لمعرفة حجم المنافسة التي يواجهها المنتخب الاميركي الذي سيفتقد العديد من نجومه بسبب الاصابة مثل لاعبي ارتكاز اورلاندو ماجيك وميامي هيت دوايت هاورد وكريس بوش على التوالي، اضافة الى النجمين الكبيرين ديريك روز (شيكاغو بولز) ودواين وايد (ميامي) ونجم لوس انجليس كليبرز بلايك غريفين.

واضطر كرشيشفسكي الى الاستعانة مجددا بانطوني ديفيس، نجم الجامعات الذي تم اختياره من قبل نيو اورليانز هورنتس كالخيار رقم 1 في quot;درافت 2012quot;، لكي ينضم الى المنتخب في لاس فيغاس بعد ان كان اقصاه عن التشكيلة النهائية التي ستسافر الى لندن 2012.

ولن يكون مشوار تأهل المنتخب الاميركي الى الدور ربع النهائي من لندن 2012 صعبا جدا كون المجموعة الاولى التي وقع فيها تضم المنتخبين التونسي بطل افريقيا الذي يشارك للمرة الاولى، والنيجيري الذي تأهل عبر الدورة تأهيلية التي اقيمت في كاراكاس.

ويتأهل الى ربع النهائي اصحاب المراكز الاربعة الاولى في المجموعتين.

لكن المنافسة ستكون حامية مع كل من الارجنتين (تضم لاعب سان انطونيو سبيرز مانو جينوبيلي ولاعب فينيكس صنز لويس سكولا ولاعب نيويورك نيكس بابلو بريجيوني ولاعب مليووكي باكس كارلوس ديلفينو) وفرنسا (تضم لاعبي سان انطونيو طوني باركر وبوريس دياو وناندو دي كولو ولاعب بورتلاند نيكولا باتوم ولاعب ميامي روني تورياف ولاعب واشنطن ويزاردز كيفن سيرافين) وليتوانيا (تضم لاعبي تورونتو رابتورز يوناش فالانشيوناس وليناس كليزا اضافة الى نجم باناثينايكوس اليوناني ساروناس ياسيكيفيشيوس).

وستكون الانظار موجهة الى ليبرون جيمس المنتشي من احرازه لقب الدوري الاميركي مع ميامي هيت، والى ثنائي اوكلاهوما سيتي ثاندر راسل وستبروك وكيفن ديورانت اضافة الى نجم ليكرز كوبي براينت الذي انتقد بشدة مشروع الاصلاح الذي ينوي الدوري الاميركي للمحترفين اعتماده بحصر المشاركة في الالعاب الاولمبية على اللاعبين تحت 23 عاما.

وقال براينت quot;انها فكرة غبية، لانه على اللاعبين الاختيار وليس الدوريquot;.، مضيفا quot;الالعاب الاولمبية هي بالتأكيد مسابقة تجمع افضل اللاعبين في العالم ضد افضل اللاعبين في العالم، واذا اخذنا بعين الاعتبار كرة السلة فان (اصلاحا من هذا النوع) يمكن ان يضعف قيمة الالعاب الاولمبيةquot;.

وتابع براينت quot;لا أعتقد بأنهم (المسؤولون عن الدوري الاميركي للمحترفين) تحدثوا معنا في هذا الصدد (...)، لكن في المقابل، تحدثنا نحن (اللاعبون) فيما بيننا بهذا الخصوص ورأينا بانها فكرة غبيةquot;.

وكان شتيرن المح الى ان كرة السلة للرجال يجب ان تقتصر المشاركة فيها بعد دورة لندن 2012 على اللاعبين تحت 23 عاما على غرار مسابقة كرة القدم حيث يسمح لكل منتخب اشراك 3 لاعبين فقط فوق السن القانونية.

ويعاني شتيرن من ضغوطات كبيرة يمارسها اصحاب اندية الدوري الاميركي الذين يمنون النفس بالتخفيف من اخطار الاصابات التي قد يتعرض لها نجوم انديتهم.

واذا كانت المنتخبات المرشحة لبلوغ الدور ربع النهائي عن المجموعة الاولى معروفة منطقيا، فان التنافس سيكون ناريا في المجموعة الثانية التي تضم خمسة منتخبات متقاربة المستوى على رأسها اسبانيا اضافة الى روسيا والبرازيل واستراليا والصين، فيما تعتبر بريطانيا المضيفة الحلقة الاضعف.

وستكون اسبانيا بقيادة ثلاثي الدوري الاميركي الشقيقان باو ومارك غاسول ونجم اوكلاهوما سيرج ايباكا اضافة الى القائد خوان كارلوس نافارو (برشلونة) وخوسيه كالديرون (تورونتو رابتورز) ورودي فرنانديز (ريال مدريد)، المرشحة الاقوى لحسم صدارة المجموعة لمصلحتها نظرا لحجم النجوم في صفوفها.

لكن لا يمكن الاستهانة بالبرازيل التي تعول على لياندرو باربوزا (انديانا بيسرز) وتياغو سبليتر (سان انطونيو سبيرز) ونيني هيلاريو (واشنطن ويزاردز) واندرسون فارجاو (كليفلاند كافالييرز)، وروسيا التي تبقى من المدارس الاساسية في عالم كرة السلة رغم افتقادها حاليا الى الاسماء الرنانة باستثناء نجم يوتا جاز السابق اندري كيريلنكو (سسكا موسكو حاليا) وزميله الحالي فيكتور كريابا (دافع عن الوان بورتلاند وشيكاغو سابقا) يضاف اليهما اليكسي شفيد (مينيسوتا تمبروولفز) وتيموفي موزغوف (دنفر ناغتس).

وتأخرت منافسات السيدات 40 عاما عن الرجال وانطلقت من دورة مونتريال عام 1976، وسيطرت الاميركيات عليها سيطرة شبه مطلقة فاحرزن اللقب 6 مرات من اصل 9 دورات، وكان الاتحاد السوفياتي المنافس الوحيد فاحرز لاعباته الذهب في الدورات الثلاث الاخرى.

واحرز الاتحاد السوفياتي اللقب في الدورتين الاوليين في مونتريال وموسكو (1980) التي قاطعتها الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية احتجاجا على اجتياح افغانستان، وفازت الولايات المتحدة بالذهب مرتين متتاليتين في لوس انجليس (1984) التي غاب عنها الاتحاد السوفياتي والدول الشرقية عملا بمبدأ المعاملة بالمثل، وسيول (1998).

وعاد المنتخب الموحد للاتحاد السوفياتي مع بداية تفكك القطب النظم الشيوعية، لاحراز اللقب للمرة الثالثة في برشلونة 1992، واستولت الاميركيات على الذهب في الدورات الاربع التالية، وهن مرشحات للاحتفاظ باللقب للمرة الخامسة على التوالي واحراز اللقب السابع.

واوقعت القرعة المنتخب الاميركي في المجموعة الاولى مع انغولا والصين وكرواتيا وتشيكيا وتركيا، فيما ضمت الثانية استراليا (فضية بكين 2008) وروسيا (البرونزية) والبرازيل وكندا وفرنسا وبريطانيا.

وترجح التوقعات ان يحترم في لندن الترتيب النهائي الذي آلت اليه المنافسات في بكين مع احتمال تبادل المواقع بين روسيا واستراليا.