يتلقى اللاعبون الألمان كل موسم عروضاً خارجية مغرية للاحتراف في أفضل و أقوى الأندية الأوروبية نظير تألقهم مع فرقهم في مسابقة البندسليغا،وترشحهم التقارير الإعلامية لتغيير الأجواء ومغادرة ألمانيا، غير أنهم في أسوأ الأحوال يكتفون بتغيير الأجواء ويستمرون في الدوري.


ديدا ميلود - إيلاف :وهو ما جعل تركيبة المانشافت يطغى عليها اللاعب المحلي في جل البطولات القارية والعالمية التي يشارك فيها، تركيبةهي في واقع الحال مزيج بين كوادر عملاقي البندسليغابايرن ميونيخ و بروسيا دورتموند مع بعض الاستثناءات التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ولو صدقت تلك التقارير لكانت الدوريات الأوروبية خاصة الأربعة الكبرى منها تعج بالجرمان خصوصًا في السنوات العشر الاخيرة، حيث أصبحت الأندية الألمانية منجمًا للمواهب الكروية الصاعدة .

و لم يكن ماريو غوتزة نجم بروسيا دورتموند أول لاعب من الدوري الألماني يتلقى عروضًا بالجملة من أحسن الأندية الأوروبية وعلى رأسها تشيلسي و ريال مدريد و في الأخير يفضل الانتقال إلى بايرن ميونيخ مقابل 37 مليون يورو في وقت كان بالإمكان أن يتجاوز هذا المبلغ حاجز الأربعين مليوناً لوأثر مغادرة ألمانيا، فقد سبق غوتزة آخرون، فالحارس الحالي للبايرن مانويل نوير كان على وشك الانتقال من شالكة إلى مانشستر يونايتد الإنكليزي بإلحاح من السير المعتزل اليكس فيرغسون لخلافة الهولندي ادوين فان دير سار خاصة بعد العناق بينهما في المواجهة التي جمعتهما في دوري الأبطال عام 2011 .
و لو رضخ باستيان شفانشتايغر للعروض لكان الآن يرتدي قميص الريال أو السيدة العجوز أو تشيلسي بدلاً من البافاري، حيث فضل تمديد عقده معه لغاية 2016 لقطع كل محاولة لإغرائه، و نجح شتوتغارت في خطف المهاجم الدولي اليافع اندري شورلي من ماينز بعدما كانت التقارير ترشحه للانضمام الى تشيلسي الصيف المنصرم ، كما رفض المهاجم الدولي الآخر لنادي بايرن ميونيخ طوماس مولار جملة و تفصيلاً الحديث عن انتقاله لانتر ميلان مفضلاً الاستمرار مع البافاري حتى إشعار آخر، و من جانبه بقي متوسط ميدان المانشافت لويس هويلتبي مع ناديه فردير بريمن مفضلاً إياه عن العرض الإنكليزي الذي تقدم به توتنهام هوتسبيرز.
و ليست هذه سوى عينة من تفكير اللاعبين الألمان الخاصة الصاعدين منهم الذي يفتقدون للتجربة والخبرة التي تساعدهم على الاحتراف في أوروبا وتفرض عليهم تأجيل ذلك بدليل أن اغلب اللاعبين الألمان الذين لعبوا خارج ألمانيا و لم يغادروها إلا و هم قريبون من سن الاعتزال أي بعدما تستهلك الأندية الألمانية طاقاتهم وتنتهي صلاحياتهم لعل أبرزهم مايكل بالاك الذي انتقل الى تشيلسي عام 2006 و هو في سن الثلاثين، و حتى المهاجم كارل هانز رومنيغي انتقل لإنتر ميلانو الإيطالي في بداية الثمانينات من البايرن و هو في سن الـ27 و لم يقدم أي شيء لناديه الجديد و أصبح عبئًا على خزينته بعد تعرضه لإصابات كثيرة و كأنه استقدمها معه من ألمانيا .
الحقيقة أن اللاعب الألماني اليافع يختلف تفكيره عن نظرائه في بلدان أخرى بفضل التكوين العالي الذي تلقاه في ناديه الأم الذي يرتكز على تعلق شديد بالكرة الألمانية لأنه تكوين لا يهتم فقط بالجانب التقني و الفني بل يشمل أيضا الجانب التربوي، مما يجعله يؤمن بأن حظوظه في النجاح وفرصه في التألق متاحة في ألمانيا أكثر من الخارج ، و أن استمراره في البندسليغايقربه أكثر من المنتخب الوطني الذي يراهن بشكل رئيسي على البضاعة المحلية أكثر من المحترفين في الخارج لأسباب عديدة خاصة ما يتعلق بسهولة الانسجام بين اللاعبين.
و لا يجب إهمال الدور الهام الذي تقوم بها الأندية الألمانية الكبيرة وبالأخص دورتموند و البايرن و بدرجة اقل شالكة و بريمن و ليفركوزن و شتوتغارت في الاحتفاظ باللاعبين الصاعدين من إغراءات كبار أوروبا ، والواقع أن هناك اهتماماً بلودّاً مشتركاً فاللاعب الألماني اليافع حلمه و طموحه الرئيسي هو اللعب لهذه الأندية لأنه يرى فيها مستقبله المشرق و بالمقابل فإن تلك الأندية و مسؤوليها لا تدخر جهداً مالياً و أو فنيًا لمساعدة هؤلاء اللاعبين على النجاح بفضل سياساتها في سوق الانتقالات القائمة على منح الأولوية لهم قبل غيرهم من الأجانب و لا تعمد إلى التعاقد معهم ثم تنتدب آخرين في نفس المراكز مثلما تفعل بقية الأندية الأوروبية مما يجعلهم أسرى مقاعد الاحتياط في جل فترات الموسم ويتحطم مستقبلهم وتضيع طموحاتهم .
كما أن تفضيل اللاعب الألماني لدوريه لم يأتِ من العدم فالبندسليغا هي البطولة الوحيدة التي حافظت على ترتيبها و مكانتها القارية كثاني بطولة في أوروبا منذ الثمانينات ولم تتأثر لا بقانون بوسمان اللاعبين ولا بقانون بوسمان المدربين والرؤساء ، فهي كانت ثانية بعد الكالتشيو الإيطالي والآن لا تزال ثانية بعد البريميير ليغ الإنكليزي، مما يجعل اللاعب الألماني يخوض المباريات في أجواء حماسية بفضل وجود ما يقل عن 40 ألف متفرج في كل مباراة ، و دائرة المنافسة على الألقاب لا تقتصر على الناديين العملاقين بلتمتد لأندية أخرى ، كما تتمتع الأندية الألمانية ببنى تحتية هي الأفضل في العالم خاصة الملاعب الحديثة التي يتم تجديدها بشكل دوري ، و الإعلام الرياضي هناك يختلف عمّا هو موجود في انجلترا حيث الصحف الصفراء تصيب النجوم بالجنون.
و هناك عامل فني يتعلق بطغيان الجانب الهجومي عند مدربي الأندية الألمانية عكس الأندية الأوروبية، حيث الواجبات الدفاعية تأتي في الاهتمام الأول كما أن اللاعبين الألمان مظلومون إعلاميًا و هو ما يخدمهم من حيث لا يدرون فذلك يجعلهم بعيدين عن أنظار الوكلاء .
و أكثر من ذلك، فإن الألمان يعتبرون من التجارب الفاشلة التي مني بها أكثر من لاعب انتقل إلى إيطاليا أو إسبانيا في أوج عطائه، فماتياس سامر و طوماس هاسلار و طوماس مولار و طوماس دول و كارل هانز ريدل و ستيفان رويتر و الحارس يانز ليمان عادوا خائبين من ايطاليا رغم أنهم لعبوا هناك لأفضل أنديتها بسبب عدم تأقلمهم مع الأجواء السائدة هناك شأنهم شأن كريستوفر ميتسلدار الذي فشل في ريال مدريد . و عندما عادوا استدركوا و تألقوا بشكل لافت بدليل أن سامر نجح في اهداء ألمانيا آخر كرة ذهبية عام 1996 عندما كان يحمل ألوان دورتموند . و الواقع أن الحالة الألمانية الحالية تشبه الحالة الايطالية عندما كان الكالتشيو يتربع على عرش الدوريات العالمية حيث كان تواجد لاعب ايطاليا خارج الكالتشيو عملة نادرة.