بين صافرة وكرت أصفر أو أحمر يدور عالمهم الخاص، تسعون دقيقة أو تزيد،هي لحظاتهم الحاسمة، ليفرضوا فيها سيطرتهم على الملعب، وان لم يفعلوا، فعليهم أن يتحملوا صنوف النقد اللاذع داخل الملعب.


حسن حاميدوى - إيلاف: أما خارج الملعب، فللحكام طرق حياة خاصة،تفرضها عليهم تبعات المهنة التي اختاروها لأنفسهم، وذلك عبر البحث الدائم عن الحيادية حتى في الحياة الخاصة، حيث quot;يمارس الحكم عمله في وسط أجواء مشحونة من قبل مهتمين بالرياضة تقدر نسبه الشباب فيهم بـ70% ، أغلبهم لا يعلم شيئا عن قوانين التحكيم، وبالتالي يفتقدون للنظرة الموضوعية، وتكون حواراتهم اقرب للاستفزاز منه إلى التعبير عن الرأيquot;، بهذة العبارات يلخص الحكم الدولي عبدالرحمن الاحمري، بعضا من الضغوط التي تواجه الحكام اثناء لقائهم الناس.

ويضيف الاحمري في حديثه لـ quot;ايلافquot; قائلاً : quot; نحن كحكام نتقبل جميع الآراء ، لكن نرجو أيضاً أن تكون لدى الجماهير ثقافة قانونية، تتيح لهم الحديث بموضوعية عن الاحكام، كما عليهم ان يراعو حياة الحكام الخاصة فلا يقتحموها بهذا الشكلquot;. أما الحكم الدولي عبدالرحمن العمرى، فكان له رأي آخر، حيث يرى ان نقاشه مع الجمهور الذين يتقابلون معه في أماكن مختلفة ، دائما ما يصب حول تثقيفهم قانونيا بأصول مهمة التحكيم ، مشيرا في حديثه لـquot;ايلافquot;الى انه احياناً ما ينجح في إقناعهم ، واحيانا أخرى لا يحالفة الحظ لا سيما عندما يتحول النقاش إلى مجرد جدال ، فيقرّر الانسحاب بهدوء منعاً للاحراج .
وتحت وطأة الضغوط الجماهيرية، يتشكل ملمح آخر من ملامح حياة الحكام الخاصة، وهو طقوس ما قبل المباراة، حيث يقول الحكم الدولي خليل جلال، انه يحاول دائما قبل كل مباراة ان ينفض الاعباء عن كاهله عبر عدم متابعة الإعلام الرياضي، وحتى يدخل المباراة بدون ترسبات سابقة، مضيفاً في حديثه لـquot;ايلافquot; هذة الطقوس تعطيني دفعة إيجابية، فالابتعاد عن الجمهور الرياضي وإعلامه وصخبه حتى وقت صفارة البداية عامل مهم لثبات التركيز وعدم شتاتهquot; ، اما الحكم الدولي،عبدالرحمن الاحمري، فاشار في حديثه لـ quot;ايلافquot; الىانه يحرص دائما على النوم مبكراً و لساعات كافية قبل موعد المباراة، مع التحصن بأذكار المساء، والاتصال بوالدته قبل المبارة بقليل، بهدف الاطمئنان اليها ، وطلب الدعاء منها بأن يحالفه التوفيق والسداد.
قيود الحياد
يعتبر الحياد بالنسبة للحكم، قيدا يطوق حياته الشخصية، بل احياناً حياة أفراد أسرتهquot;، بهذه الكلمات يشرح الحكم الدولي عبدالرحمن المالكي، القيود التي تفرضها عليه مهنة الحكم ، مشيراً في حديثه لـquot;ايلافquot; الىانها تشمل حتى قائمة الألوان التي يختارها لملابسه ولسيارته و لطلاء بيته، حيث يجتهد دائماًفي إنتقاء الألوان الحيادية التي ليس لها دلالات لفريق معين ، و لا تمثل رمزاً رياضياً محدداً ،وهو ما حرم أسرته طويلاً من استخدام ألوان احبوها حتى لا يتهم بالانحياز، أما الحكم الدولي خليل جبران فيوضح ان الحياد حرمه من القيام بتمارين اللياقة والجري، في أحد الأندية القريبة من منزله، وأجبره على قطع مسافة ساعتين للوصول إلى الأرض المحايدة، التي تتيح له التمرن فيها دون الخوف من شبهات الانتماء إلى نادٍ بعينه، كما حرمته المهنة من التواصل المباشر مع المجتمع ، لا سيما ان العلاقة مهما كانت بريئة ndash; والحديث لجلال- مع أي شخص ينتمي للوسط الرياضي، ستكون نتائجها وخيمة.
عيون تراقب
ما يزيد الأمر سوءًا هو الإعلام الذي يؤجّج نبرات التعصب، حيث ظهر ما يمكن وصفه بالإعلام الملون أو إعلام الأندية، وذلك بحسب تعبير أحد الحكام - فضل عدم ذكر اسمه- الذي أوضح لـ quot;ايلافquot; انه يوجد لكل نادٍ منبر إعلامي ، يدافع عنه ويهاجم قرارات التحكيم إذا اقتضى الأمر، ما اسفر عن ظهور فقرات متخصصة في نقد الحكام والتي تشكل ضغطاً آخر على الحكم المواجه أصلا بالضغوطات من كل مكان.
وهو ما اتفق معه رأيالحكم الدولي عبدالرحمن المالكي، الذي أكد ان فقرات نقد الحكام ، فقرات مادية بحتة ، وتهيج الشارع بدلاً من افادته ، وهي تستخدم الحكم ككبش فداء لتسقط عليها فشل هذا الفريق او ذاك.
فيما أبدى الحكم عبدالرحمن الاحمري، اختلافه مع الآراء السابقة ، مشيراً الىأن تباين آراء المحللين من برنامج لآخر، يصب في صالح قرار الحكم ويدعم موقفه، واضافquot; ان الحكم يتخذ قراره في جزء من الثانية، في حين أن محللي البرامج، يعيدون اللقطات الواحدة تلو الآخرى، ومع ذلك يختلفون في تصنيف ونقد قرار الحكم، وهذا يوضح للجمهور مدى ظلم هذه البرامج للحكام في أغلب الاحيان.
أخيراً ، فرضت حساسية مهمة تحكيم كرة القدم وضغوطاتها، على بعض الدول، معاملة خاصة لارباب هذة المهنة، ففي بريطانيا يعامل الحكم معاملة القضاة لضمان نزاهته، وحكام الدوري الإنكليزي هم الوحيدون الذين يتقاضون راتباً شهرياً ثابتا يعتبر الأعلى في العالم حيث يبلغ 124 الف ريال سعودي بغض النظر عن عدد المباريات التي يديرونها ، وفقا لتقارير الاتحاد الأوروبي للكرة ، يليهم في الأجر الحكام الإسبان الذين يتقاضون راتباً شهرياً ثابتاً قدرة 51 الف ريال سعودي، بالإضافة لبدلات المواصلات والمعيشة، ثم يأتي الحكام الإيطاليون في المرتبة الثالثة، براتب ثابت يصل إلى 41 الف ريال سعودي شهرياً، وفي السعودية فإن ما يتقاضاه الحكام يعتبر مبلغا ضئيلا جداً مقارن باهمية المهنة، فبحسب عمر المهنا رئيس لجنة الحكام، يتقاضي الحكم السعودي مبالغ تترواح ما بين 1500 - 2,550 ريال سعودي عن كل مباراة، وهو ما تعتبر معه وظيفة quot;الحكمquot; غير جاذبة رغم ما تقدمه من شهرة، لأن من يعمل فيها سيجد مليون ناقد ، وهو وحده المنقود ، بمبلغ ضئيل من النقود.