توج المنتخب الفرنسي لكرة القدم الأحد بلقب كأس العالم في كرة القدم، وكسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رهانه: إظهار صورة جميلة لروسيا في وقت تتكاثر فيه الأزمات الدبلوماسية مع الغرب. لكن، هل يبهت لون الصورة بانتهاء صخب المونديال؟

- تنظيم على مستوى -

هي حقيقة لا جدال فيها: كان تنظيم كأس العالم ناجحا. الملاعب الجميلة والعملية، حفاوة الأجواء، غياب حوادث كبرى، ومئات الآلاف من الزوار (630 ألف بطاقة مشجع، كانت بمثابة جوازات سفر ترافق تذاكر المباريات وتعفي صاحبها من التأشيرة من الدور الاول)، تركت ذكريات جيدة.

أراد بوتين قطف الثمار سريعا. أعلن، بحسب ما نقلت وكالات روسية، ان الأجانب من حملة بطاقات المشجعين "سيستفيدون من دخول متعدد الى أراضي روسيا الاتحادية من دون تأشيرة حتى نهاية العام الحالي".

وعلى صعيد كأس العالم بشكل عام، اعتبر الرئيس الذي بدأ في وقت سابق من هذه السنة ولاية رئاسية جديدة انه "يمكننا بالتأكيد ان نفخر بكيف نظمنا هذه البطولة (...) جعلنا من هذا الحدث الكبير نجاحا في كل جانب".

أضاف "قمنا بهذا العمل من اجل مشجعينا، ومن اجل عشاق الرياضة الروس، وكل الذين يعشقون الرياضة في جميع انحاء العالم".

نقلت وسائل الإعلام العالمية الأجواء الاحتفالية التي كانت طاغية في روسيا، والتي لم يغفل مسؤولو التواصل في الكرملين الاشارة اليها. وقالت رئيس تحرير قناة "روسيا اليوم" مارغريتا سيمونيان الخميس الماضي "لقد تمكنا من الوصول الى القلب البارد للصحافة الغربية ورأوا من نحن حقا".

وقال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السويسري جاني إنفانتينو الأسبوع الماضي خلال زيارة للكرملين "لقد وقعنا جميعا في حب روسيا (...) اكتشفنا بلدا لم نكن نعرفه".

وأضاف "كل المخاوف التي كان البعض يحاولون إثارتها مع كأس العالم هذه (...) لم تتحقق، بل كان العكس تماما".

من الواضح أن هذه "الصورة الجديدة" لروسيا كانت هدفا رئيسيا لبوتين. بابتسامة مع إنفانتينو، نوه الرئيس الروسي بأن "الكثير من الصور النمطية حول روسيا قد تلاشت" بفضل المونديال.

- لا فضائح -

من بين "المخاوف" التي أثارها إنفانتينو، كانت العنصرية وشغب الجماهير في الصدارة. كانت صور المشاغبين الروس الذين يهاجمون المشجعين الإنكليز خلال كأس 2016 في فرنسا، تدور في أذهان الجميع، لكن هؤلاء تألقوا بسبب غيابهم وبالتالي انتهت كاس العالم دون وقوع أي حادث.

لم تكن مفاجأة حقا، حيث عالجت السلطات الروسية المشكلة بجدية. لكن حقوق الإنسان والتعامل مع المثليين جنسيا، أي القضايا التي كان من الممكن أن تلطخ المونديال الروسي، لم تمسه إلا بشكل هامشي.

الاعتقال لفترة قصيرة للناشط البريطاني المثلي جنسيا بيتر تاتشل الذي خطط للاحتجاج في الساحة الحمراء للتنديد بـ"تعذيب مثليين جنسيا في الشيشان"، أثار ضجة قليلة، خاصة ان التعامل معه من قبل رجال الشرطة الذين أوقفوه كان لبقا بشكل غير معتاد في روسيا.

الا ان أبرز مثال على مسألة حقوق الانسان هو المخرج الأوكراني أوليغ سينتسوف، المحكوم بالسجن 20 عاما بعد توجيه تهم له منها "الإرهاب" في محاكمة وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها من طراز محاكمات عهد جوزيف ستالين، والمضرب عن الطعام منذ شهرين للمطالبة بالإفراج عن "السجناء السياسيين الأوكرانيين" المعتقلين في روسيا.

فعلى رغم الدعوات لإطلاق سراحه، إلا أن قضيته لم تلق أي صدى يذكر، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من المشجعين في روسيا يعرفون من هو.

- فترة بعد المونديال -

"لقد انتهت الحرية، مرحبا بكم في روسيا الحقيقية"... تلك هي التغريدة المصحوبة بصورة لإحدى مناطق المشجعين الفارغة، ترمز إلى نهاية كأس العالم. لاقت التغريدة انتشارا على شبكات الإنترنت الروسية، مرفقة بأسئلة عن سبب عدم إظهار روسيا هذا الوجه الجميل، سوى لدى استضافتها المواعيد الكبرى.

وسأل الناشط المناهض للعنصرية روبرت أوستيان: "هل ستكون لدينا شرطة مبتسمة بعد كأس العالم؟". 

اعتبارا من الاثنين، سيكون بوتين الذي أقل من الظهور في النهائيات وفوض رئيس وزرائه دميتري مدفيديف التواجد في المدرجات خلال مباريات المنتخب الروسي، في هلسنكي لعقد قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وسيتعين على الرئيس الروسي أيضا إدارة إصلاح نظام التقاعد الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، والذي تم الإعلان عنه في يوم افتتاح النهائيات.

وأعلنت الحكومة الروسية رفع سن التقاعد للموظفين الحكوميين تدريجيا من 55 عاما الى 63 عاما للنساء، ومن ستين عاما الى 65 للرجال. ووقع أكثر من 2,5 مليوني روسي عريضة ضد الخطة الحكومية التي ستمثل اول رفع لسن التقاعد في روسيا منذ نحو 90 عاما.

وتسبب ذلك بتراجع في شعبية الرئيس الروسي.

في شباط/فبراير 2014، بعد الألعاب الأولمبية الشتوية التي اقيمت في سوتشي والتي تمت الاشادة بتنظيمها بالاجماع، حيا بوتين كون العالم اكتشف روسيا "مفتوحة وحديثة". بعد ذلك بثلاثة أسابيع، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، مما مهد الطريق لأول عقوبات اقتصادية وبداية الأزمة مع الدول الغربية.