الشباب والتردد بين الخوف وعدم الثقة: الإقدام أو الهروب؟؟

نسرين عجب من بيروت: غالبًا ما يرتبط بالقرارات، ويخلق شعورًا بالحيرة يوصل في بعض الأحيان الى الهروب، حائلاً دون اتخاذ القرار لا المناسب ولا غير المناسب. ألم يُقل فيه: quot;التردد وإطالة التفكير في القيام بعمل ما غالبًا ما يتحول سببًا لإبطالهquot;.
التردد، طبع بشري تختلف نسبه بين شخص وآخر، كما تختلف عواقبه بين موقف وآخر.
quot;مترددة جدًا لدرجة تثير أعصابي، تقول شيئًا وبعد لحظات تغيّر رأيهاquot;. تقول فداء (45 عامًا) عن ابنتها. وتشرح: quot;تقول لي انها تريد ان ترافقني الى مكان ما، وما إن أبدأ بتحضير نفسي للذهاب تبشّرني انها غيرت رأيها. والحال لا يختلف في القرارات التي تخصها سواء العاطفية او المهنية، فهي تتردد كثيرًا قبل اتخاذ اي قرارquot;.
واذا كانت فداء تتذمر من تردد ابنتها، فلمايا (27 عاماً) الأسباب التي تبرر تصرفاتها. وتفسّر: quot;أمي على حق اني مترددة جداً ولكن لي أسبابي. واجهت في حياتي خيبات امل كثيرة، ان عاطفياً او مهنياً او حتى اجتماعياً، وخلق ذلك في داخلي شعوراً دائماً بالخوف من الفشل، لذا اتردد كثيراً قبل أن أقدم على اي قرار. أفكر مراراً وتكراراً لأتأكد من أن قراري هو القرار المناسبquot;.
والحال مشابهة عند عمر (30 عاماً)، والذي يعتبر نفسه ايضاً شخصاً متردداً، لافتاً الى أنه يتردد في الأمور المادية والعاطفية. ويعتبر ان تردده نابع من غياب المقومات الكافية لاتخاذ القرار. quot;غالباً أتعقب ما يقول لي عقلي وقلبي في اتخاذ القرارات، واذا عجزت أعطي نفسي الوقت ليتوفر المزيد من المعطيات، أو استفتي أهلي وأصدقائيquot;. ويحلّل عمر تردده بأنه نابع من ثقافته وبيئته، ومن طبيعة عمله كمهندس والتي تقوم على عنصر السلامة. ونمط السلامة أصبح جزء من حياته، فكما يعمل لتكون الأبنية آمنة، يحرص ايضاً ان تكون أعمدة حياته أيضاً آمنة وسالمة.
بالنسبة اليه، يقول راغب (20 عاماً): quot;أصعب مشكلة أواجهها هي اتخاذ القرارات، وبعض الاحيان أشعر أن الامور اختلطت عليّ فلا أعرف ماذا أفعل او ما هو الأفضل، وكأن الافكار والخيارات تحاصرنيquot;. أما عن اسباب تردده، فهي تعود برأيه الى طريقة تفكيره، اذ يعتبر ان الآخرين لن يتقبلوا طريقته أو سوف يعتبرون أنها خطأ، ويعزوها الى ضعف الثقة بالنفس لأنه دائماً يأخذ القرار الذي يجده أصدقاؤه صائباً.
الخوف من الخطأ وضعف الثقة في النفس يجتمعان عند ايهاب (21 عاماً) ليجعلا منه شخصاًُ متردداً يحتار في اتخاذ القرارات في مختلف نواحي حياته، quot;تجنباً للخطأ وبهدف الأفضلquot;. ويشير الى أنه يتردد في كل الأمور، صغيرها وكبيرها، خصوصاً التي لا يدركها بشكل جيد، أو ليس لديه الاجوبة الكافية حولها.
يعتبر الشباب ان التردد طبع ارتسمت به حياتهم، ومع أنه يزعجهم ويودون لو أنهم يستطيعون التغلب عليه، الا أنهم يستبعدون قدرتهم على التخلص منه على اعتبار أن quot;الطبع يغلب التطبعquot;.
بعضهم يتذمرون من التردد ولكن البعض الآخر يستحسنه على اعتبار ان التردد يجعل الانسان يعطي نفسه المزيد من الوقت والفرصة للتفكير جيداً قبل اتخاذ القرار.
وفي هذا الصدد يقول علي (60 عاماًَ): quot;اذا نظرنا بطريقة ايجابية الى التردد، نجد ان فيه نوع من التأني، وهو شيء ايجابي، لأن في quot;التأني السلامة وفي العجلة الندامةquot;. وأنا دائماً أنصح أولادي في التفكير جيداً ودراسة الموضوع من كل الجوانب قبل اتخاذ اي قرارquot;.
تختلف النظرة اليه ويختلف التفسير، ولكن ليس هناك شيء خطأ أو صح، بل يعتمد الأمر على الموقف، وكما يقول الحكيم الهندي أوشو:
ldquo;There is nothing like right or wrong. It depends. It depends on the standpoint. There isnrsquo;t something very solid about which one can decide that this is right and that is wrong. There are no such values. The same thing can be right to one person and wrong to another, because it more or less depends on the person. The same thing can be right in one moment for a person, and in another moment it can be wrong because it depends on the situationrdquo;.
خلاصة القول، قد يكون التردد نابعاً من الخوف أو عدم الثقة بالنفس، الا أنه لا يمكن اغفال ارتباطه بعدم الثقة بالآخرين. والتردد له اسبابه المبررة طالما يشكل فرصة لاتخاذ القرار الصائب، ولكنه يتحول الى مشكلة حقيقية اذ كانت نتيجته أن يأخذ الآخرين القرار أو لا يتخذ نهائياً.
وصحيح ان التردد يخلق حالة من الارباك، ولكن الحياة هي مختبر التجارب الذي يبلور شخصية الانسان، ومع مرور الزمن والنضج وتوفر الارادة اللازمة يصبح المرء متمكناً من التغلب على تردده وقادراً على اتخاذ القرارات الصائبة، ربما من دون تفكير..