quot;سيجارة ونسكافيهquot;

حكاية الشباب اللبناني مع التدخين

نسرين عجب : يد في جيب المعطف واليد الثانية ترتجف وهي ترفع السيجارة. الطقس عاصف وماطر جدًا، ولكن ذلك لم يمنع ماغي (24 عامًا) من الوقوف تحت المظلة أمام باب المكتب لتدخن مع شلة من زملائها، لأن التدخين ممنوع داخل المكتب.

كلهم يعرفون جيداً أن التدخين مضر ولكنهم لا يأبهون. وتقول ماغي بسخرية: quot;كل المأكولات السريعة تضر صحتنا، ولكننا نأكلها ويومياً تقريباً، فالمسألة لا تتوقف على التدخين، عندما سأموت سأموت، فلمَ أحرم نفسي من هذه المتعة؟quot;

quot;سيجارة ونسكافيهquot;، هذا هو بريستيج طلاب الاخراج، ومن دونه لا يكون هناك ابداع، تقول ناتالي (23 عاماً) بضحكة لا تخلو من الاستهزاء. وتشرح قصتها مع التدخين: quot;كان رفاقي يقنعوني بالتدخين في حمامات المدرسة ولكني كنت أشعر بالقرف من السيجارة وأخاف أن يقبض عليّ. الحال تغيّرت عندما أصبحت في الجامعة، ومع اني كنت لا ارغب السيجارة ولكن بدأت التدخين انطلاقاً من أنّه عيب الا ندخن فيما الجميع يدخنون. ومع أني رياضية وشعرت أن التدخين خفف من طاقتي، ولكني بين المزح والجد صرّت أدخن علبة سجائر يومياً. ولكن مع الوقت بدأت انزعج من رائحة الدخان في فمي ويدي وازداد شعوري بالقرف من السيجارة، فقررت أن أقلع عن التدخين خصوصاً بعد أن مرضتquot;. وتختم بابتسامة: quot;اذا احد واثق جداً من نفسه لا يتأثر وينجر بالتدخين، لأن معظم الشباب يبدأون بالتدخين ليبرزوا أن عندهم شخصية قوية مع أنهم لا يعترفون بذلكquot;.

قصة الشباب اللبناني مع التدخين طويلة، تبدأ دلعاً للاكتشاف أو لاثبات الشخصية، وسيجارة تلو السيجارة تنتهي في غالب الأحيان ولعاً وعادة مرضية أو ادماناً لا يمكن الاقلاع عنه.

ولبنان إحتل مرتبة متقدمة في الدول التي شملتها دراسة علمية حول التدخين أجريت في 17 دولة وشاركت في اعدادها المعالجة النفسية في جمعية quot;ادراكquot; (مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي) ايميه كرم بالتعاون مع دائرة طبّ النفس وعلمه في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، وكلية الطبّ في جامعة البلمند.

وأظهرت الدراسة أن معدل الوقوع التراكمي للتدخين في لبنان، أي التدخين على الأقل لمرة واحدة، بلغ 67% في لبنان، وهي واحدة من أعلى النسب في الدول التي شملتها الدراسة، في حين بلغت نسبة التدخين منذ سن الخامسة عشرة 18%.

وكان تقرير منظمة الصحة العالمية بشأن وباء التبغ العالمي 2008، أظهر أنّ تعاطى التبغ يقتل بالفعل 5.4 مليون نسمة سنوياً وأن الوباء يستفحل خاصةً فى دول العالم النامي التي ستشهد أكثر من 80 % من حالات الوفاة الناجمة عن تعاطى التبغ خلال العشر سنوات المقبلة.

وأشار التقرير انه سيتوفّى بليون نسمة في العالم بسبب تعاطى التبغ إلا إذا إتُّخِذت إجراءات طارئة. ولفت الى أن تعاطى التبغ يُدمِّر الجسد البشرى بشدة لدرجة أنه يُمثل عامل خطر لـ 6 من أصل 8 من الأسباب الرئيسية التى تؤدى إلى الوفاة فى العالم.

ولحظ التقرير الى ان الخبر السار هو أن هذا الوباء يمكن توقّيه. وحددت منظمة الصحة العالمية ست حلول ثبت أنها تُقلِّل من تعاطى التبغ ويجب على كل دولة أن تطبِّقها. تُطالب هذه الحلول الدول بما يلى:

bull; حماية جميع الأفراد من التدخين الغير مباشر عن طريق سنّ قوانين تُحتِّم خلو أماكن العمل والأماكن العامة من دخان التبغ خلواً تاماً.

bull; تحذير الناس من مخاطر تعاطى التبغ بإستخدام تحذيرات شديدة ومُصوَّرة على أغلفة التبغ.

bull; فرض ودعم الحظر الشامل على أنشطة الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته

bull; رفع سعر منتجات التبغ عن طريق زيادة قيمة الضرائب المفروضة على التبغ.

bull; تقديم برامج تساعد مُتعاطى التبغ على الإقلاع عن التدخين.

bull; مراقبة تعاطى التبغ وتقييم الجهود المبذولة للوقاية من التبغ والإقلاع عن التدخين.

وقد إلتزمت أكثر من 150 دولة بتطبيق هذه التدابير بالتصديق على معاهدة منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ، إتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ. الا أن لبنان مازال خارج اطار التنفيذ رغم وصول مشروع القانون إلى المجلس النيابي نتيجة توقيع لبنان على معاهدة التبغ العالمية، لكن على النواب التصويت عليه حتى يرقى إلى مرحلة القانون ويتحول إلى قوة تمنع وتحاسبquot;.

اذا كانت نسبة كبيرة من الشباب اللبناني مدخنة، فهناك آخرون لا يدخنون وينزعجون من روائح اشتعال التبغ التي تعبق خصوصاً في الأماكن العامة، ويطالبون على الأقل بحمايتهم من التدخين السلبي.

المبادرة بدأت في منطقة الجميزة التي تعج بالزوار ليلاً ضمن حملة: quot;ليلة خالية من الدخان في ملاهي شارع الجميّزةquot;، والأمل أن تصبح عرفاً او قانوناً يطبق في كل الأماكن العامة.