بين الغضب والغاضب.. الغلبة لمن يسيطر؟

نسرين عجب : هو ردة فعل تتحكم في الانسان ولا يتحكم فيها، وعندما تتملكه تحرك فيه كل الطاقات السلبية، فتخرجه عن طوعه وتدفعه الى ارتكاب حماقات قد لا يرضى عنها في الحالات الطبيعية ويندم عليها لاحقاً.
ردة الفعل هذه لا تحتاج الى مؤشر ليدل عليها، اذ تظهر في تقاسيم الوجه وتبدو جلية أكثر في التصرفات التي غالباً ما تكون حادة، من نبرة الصوت الى الكلمات التي تكون كامنة في اللاوعي وتظهر من دون قصد أو تصميم ومتفلتة من اي ضوابط، وصولاً الى الانفعالات الجسدية والتي غالباً ما لا تحمد عقباها.
الغضب، ردة فعل تتحول الى فعل قد يكون في بعض الاحيان ضرورياً ولكن اذا كان ضمن حدود الدفاع عن النفس والكرامة وابراز الحق، الا أن الأمر الرائج عن الغضب فهو ذلك الفعل العشوائي الذي يخلق الكثير من المشاكل بين الناس.
يروى أن شخصاً قصد أحد الحكماء يطلب نصيحته في كيفية التعامل مع الأمور الحياتية، فقال له الحكيم: quot;لا تغضبquot;، فسأله وماذا ايضاً فأجابه: quot;لا تغضبquot;، وكان الجواب الثالث كالأول والثاني:quot;لا تغضب. واذا غضبت اضطجع حتى تهدأquot;. وكان تفسير الحكيم أن الغضب يجعل الانسان يفقد قدرة السيطرة على مجريات الأمور، فيقول كلاما جارحا يكون وقعه كالسيف القاطع وكما قيل: quot;ان الكلمة التي تقفز فجأة من اللسان شبيهة بالسهم الذي انطلق من القوس.. فلن يعود السهم من طريقه وكذلك الكلمةquot;.
جولة بسيطة في المجتمعات، تظهر كم أن الغضب يسيطر على نسبة كبيرة من الناس ويتحكم بجانب لا يستهان به من حياتهم، خصوصاً مع الضغوط اليومية وتراكم أعباء الحياة.
تشير الدراسات العلمية إلى انه من الممكن كبت الغضب وكبحه لكن ذلك خطر للغاية، لأن الإنسان لا يستطيع التعبير عن مشاعره وإخراجها وبالتالي تتراكم الأحاسيس السلبية داخل النفس وتترجم بمشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم والاكتئاب. وعندما يقع الإنسان فى هذا الفشل من التعبير عن غضبه، يبدأ تكيف الشخص مع هذا الكبت فى إصدار سلوك عدائي تجاه الآخرين لأنه ليس لديه القدرة على المواجهة وبالتالي يفشل فى إقامة علاقات اجتماعية ناجحة.
اذا، كبت الغضب امر لا يجدي نفعاً والحل هو في التعامل الهادئ مع الغضب بهدف تغيير مساره، اي بالتوقف والتفكير فيه للتركيز على شيء إيجابي. والغرض من الكبح ومنع ظهور المشاعر الثورية هو تحويلها إلى سلوك بناء إيجابي، وبذلك يكون لدى المرء الفرصة للتفكير ملياً قبل اي تصرف.
الغضب يعمي صاحبه فيرى كل الأمور بسلبية شديدة ويتعامل معها بسلبية ايضاً. والبعض الآخر يطلق له العنان، فلا يعود اي شيء يكبح جماحه، فكم من جرائم القتل حصلت بسبب الغضب؟ وكم من المصائب حلّت ايضاً بسبب الغضب؟ وبعدها لا يعود اي شيء ينفع فعلى حد تعبير ميخائيل نعيمة: quot;الكلمات سفن تمخر في عباب الفضاء وترسو على موانئ كثيرة لتعود في النهاية الى المرفأ الذي أبحرت منه مشحونة بمثل ما شحنتموهاquot;. هذه الكلمات، فكيف الحال بالأفعال التي تشبه عواقبها الزجاج المكسور الذي مهما فعل المرء لا يستطيع اصلاحه.
يعتبر البعض ان الغضب هو ردة فعل لا يستطيعون التحكم فيها، ولكن الحقيقة انهم لا يحاولون ذلك، فالانسان مخلوق يتميز بعقله الذي يخوله التحكم بالامور بدل ان تتحكم به. انها فقط مسألة تعود، ومع الوقت تتحول الى سلوك نمطي يأتي عفوياً ومن دون اي جهد. ويجمع الكثير من الناس على ذلك، وهم يجيدون التحكم بغضبهم حتى يحين الوقت المناسب لاتخاذ خطوة صائبة. ومن الأمثلة على ذلك رين (27 عاماً)، التي تعتبر أن من أبرز ملامح نضجها هو قدرتها على التحكم بغضبها في معظم الاحيان. وتقول: quot;كنت أغضب لأتفه سبب، وتكون ردة فعلي عنيفة، ولكني مع الوقت بدأت أتضايق من تصرفاتي لأنها كانت تسبب لي الكثير من المشاكل، فقررت التحكم بغضبي. لم يكن الأمر سهلاًُ في البداية ولكن الآن أصبح اسلوباً في حياتي. عندما أغضب أخلو بنفسي، ولا أتكلم مع أحد، أآخذ وقتي الكافي للتفكير ملياً بالأمر الذي يزعجني حتى أصل الى وسيلة لبقة لحل الأمر.. وها أنا أنجح في ذلك كل يوم أكثر من ذي قبل.. ولكل من يقول لا يستطيع أقول له حاولquot;.

في الخلاصة، الغضب حالة انسانية طبيعية، ولكن كل ما أعطيت على هواها تصبح كمن يصب الزيت على النار، وليس المطلوب أن يقضي الانسان على الغضب في داخله، انما المطلوب أن يسيطر على الغضب قبل أن يسيطر عليه.