نسرين عجب من بيروت : يوم الحسم يقترب حاملاً معه انحباس الأنفاس بين طرفين يراهن كل منهما أنه الفائز. الترقب يخيّم على المشهد العام، الكل ينتظر. المرشحون كثر، أضعاف أضعاف المقاعد التي يتنافسون عليها. وهذه المرة ليسوا فقط من أبناء السياسة وهواتها، بل يبدو أن النيابة أصبحت طبقاً دسماً يثير شهية الكثيرين. أينما تذهب في لبنان المشهد واحد مع اختلاف الاسماء والتحالفات، ويمكن اختصاره بالتالي: لوائح انتخابية، صور مرشحين، مناظرات عبر وسائل الاعلام، اتهامات واتهامات متبادلة... وغيرها وغيرها من الامور التي لا تصب الا في خانة واحدة... الانتخابات النيابية.

بين السياسة والساسة كيف هي الساحة اللبنانية في عيون شبابها؟

يتفقون أن الوضع غير طبيعي، وان كان صورة عن هذا البلد الذي يتخبط بالتناقضات وسط الانقسامات الحادة بين أطيافه. ولكن بعضهم يذهب بمخاوفه أبعد من ذلك، كأليسار قبيسي التي تصف الساحة اللبنانية بالمضطربة والقابلة للاشتعال، من دون أن تقصد الحرب الاهلية. وتحدد مكمن الخطر في أن الحملات الانتخابية ليست قائمة بشكل أساسي على البرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما هو الحال في دول العالم، quot;بل ترتكز على افهام المخاطرين أن الخطر الداهم يأتي من المنافسين وأن دمار الطوائف والمذاهب ناجم دائما من اعضاء اللائحة المنافسة، فدخلت الطائفية والمذهبية والمناطقية في البازار.

لا يبتعد رياض عيسى عن اليسار في الرأي. ويعتبر العضو في جمعية لادي لمراقبة الانتخابات أن الساحة قبيل الانتخابات هي صورة نمطية عن اليوميات اللبنانية، منقسمة على بعضها بين فريقين مشحونين بأقصى حالات الشحن الطائفي والمذهبي والسياسي. ساحة مفتوحة على كل الإحتمالات رغم تعهد الجميع بتمرير الإنتخابات بهدوء. ولا يغفل ذكر الترقب الدولي والعربي لنتائج quot;الديمقراطية العظيمةquot; التي ستنتج مجلس نيابي جديد، على اساسه ستحدد الدول علاقاتها بلبنان.

رياض كغيره من اللبنانيين، ينفي عن لبنان تمتعه بالديقراطية التي تحسده عليها الدول العربية كافة. وهو لا يرى في كثرة عدد المرشحين قياساً لنسبة الديمقراطية quot;التي لها معايير أخرى يجب أن تتوفر في قانون الإنتخاب وقبول النتائج واعتماد نظام النسبية ونزاهة العملية الإنتخابية، إضافة الى الحريات العامة وحرية تأسيس الجمعيات والأحزاب.

بالنسبة لأليسار، العبرة ليست في العدد، والديموقراطية لا تكون بوفرة المرشحين بل بقدرتهم على التنافس بشكل متعادل مع الاخرين. وتشرح أنه أمر غير موجود في لبنان، quot;والجميع يدرك أن المرشحين من خارج الكتل الكبيرة من شبه المستحيل ان ينجحوا في وجه حيتان المال والمذاهب في كل ارجاء الوطنquot;. وفي هذا الصدد، تسأل أمل مشرفية عن مضمون هؤلاء المرشحين وجدّيتهم في الترشّح، quot;خصوصاً أن التغطية الاعلامية تنحصر بأعضاء الكتل المعروفة، مما يغيّب مواقف وبرامج الغالبية الساحقةquot;.

هذا هو الواقع في نظرهم ولكن ما هو تقييمهم له؟ رياض يعتبر أن هذا الواقع طبيعي في ظل التدخلات الخارجية ونسبة رهانها على نتائج الإنتخابات اللبنانية لتوظيفها في مشروعها المحدد للمنطقة، أو لإظهار أحقية هذا المشروع. وتخالفه الرأي أمل التي لا تقرأ الطبيعية في واقع لبنان في اي وقت من الأوقات، مشيرة الى أن التركيبة السياسية والطائفية والانقسامات، بالاضافة إلى مخزون الذاكرة من ماضي الحرب يصعّب وضع لبنان ويعقده أكثر. وفي هذا السياق يقول شادي ضو: quot;الشحن الطائفي هو غير الطبيعي، يكفينا ما خلفته احداث 7 أيار. نريد العيش بسلامquot;.

ماذا بعد 7 حزيران؟

لا أحد يعرف، وكل التوقعات هي تخمينات قد تكون قريبة الى الواقع بقدر ما هي بعيدة عنه.الشباب ايضاً لهم توقعاتهم التي تشبه توقعات الكثير من اللبنانيين. اليسار مثلاً تستبعد أن تحدث الانتخابات تغيرات جذرية مع أكثرية ساحقة تحكم بمفردها. وتعزو وجهة نظرها الى أن البلد محكوم بالتوافق على القرارات الكبرى، ولا يمكن لاكثرية بسيطة أن تتجاهل اقلية قريبة بالعدد منها. أما رياض فيتخوف من المعارضة (قوى 8 آذار) في الحالتين، معتبراً انها اذا فازت ستعيد البلاد سنوات الى الوراء بجعل الساحة اللبنانية ساحة لصراع الآخرين، وفي حال لم تفز ستعود لسياسة تعطيل المؤسسات.

بضعة أيام وتحسم المعركة، ولكن حتى ذلك الوقت بماذا ينصح الشباب بعضهم؟

تشدّد أمل على أهمية أن يكون الشباب أكثر اطلاعاً بالقراءة والمتابعة وتكوين آرائهم الخاصة حول ما يجري حولهم، وعدم الانقياد الأعمى وراء أفكار الأهل أو الأصدقاء أو حتى الزعماء، والا يستقيلوا من واجباتهم الوطنية على اعتبار أن quot;التغييرquot; أمر صعب في لبنان. أما رياض فيحث الشباب اللبناني على الإنخراط في مؤسسات المجتمع المدني والضغط من أجل إقرار مبدأ خفظ سن الإقتراع والترشح والإنتخاب في النيابة والبلديات، ومحاسبة المسؤولين، فضلاً عن العمل في لبنان وعدم تشجيع الهجرة.

بالنسبة لها، تشعر اليسار بالعجز عن اسداء النصيحة وسط ما يحصل على الساحة السياسية. ولكنها تنبّه من الانتخاب بشكل غزيزي لطائفة او زعيم، لافتة الى ضرورة القيام بجردة حساب على ما يفعله السياسيون على ارض الواقع، وما يقدموه من برامج اقتصادية واجتماعية تؤمن ضمان الشيخوخة والوظيفة والنظام الضريبي العادل.

بين أيار 2005 وأيار 2009، تبدلت معطيات كثيرة بعد مرور البلد بأزمات أقل ما يقال فيها انها عصيبة. حرب اسرائيلية في تموز الـ 2006، أحداث دموية لامست الحرب الأهلية وان بشكل عرضي في 7 ايار 2008، وغيرها وغيرها من المحطات المسيئة للبنانيين وتاريخهم.

اليوم العيون شاخصة الى 7 حزيران بحذر وترقب، فهل ستنقلب الموازين أم سيكون هذا التاريخ محطة تشبه المحطات الانتخابية السابقة؟