استقبلت الفضائيَّات العربيَّة هذا العام ساعات دراميَّة سوريَّة أقل تقريبًا عن العام الفائت، بسبب الأحداث الَّتي شهدتها وأثَّرت على تسويقها وليس إنتاجها.


دمشق: حتى الأمس القريب، كان الاعتقاد السائد لدى غالبية دوائر الإنتاج والتوزيع التلفزيوني الدرامي في المنطقة العربية أن الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري في العام 2011، سيتقدم على منافسيه من حيث الكمّ أو النوع، أو حتى في مجال الانتشار والتوزيع والعرض، خلال شهر رمضان 2011، وأن هذا الانتاج سيحتل الموقع الرئيس في الفضائيات العربية.

هذا الاستنتاج كان مبنياً على معطيات واقعية أولها تراجع الإنتاج الدرامي التلفزيوني المصري جراء ما تتعرض له مصر من انتكاسات أمنية، أدت إلى ابتعاد رؤوس الأموال عن الإنتاج التلفزيوني بشكل خاص، والفني بشكل عام، وعجز هذه الدراما عن تلبية حاجات السوق العربية، خصوصًا وأن أهل الإنتاج التلفزيوني الدرامي يدركون أن كل نقص في الإنتاج المصري يستدعي زيادة في الإنتاج الدرامي السوري.

ولكن القنوات الفضائية العربية استقبلت في شهر رمضان الماضي ساعات درامية سورية أقل تقريباً عن معدل ساعات الدراما التي كانت تبثها ذات القنوات في رمضان الذي سبقه، وعلى الرغم من الأحداث التي تشهدها سوريا فقد حافظت الدراما السورية على المرتبة الثانية في السباق الرمضاني بما يقرب من 30 عملاً درامياً، في مقابل 40 العام الماضي، ولعل أبرز ما يلاحظ هو تركز عرض أغلبية الأعمال على القنوات الفضائية والأرضية السورية، وهو ما قد يرجع إلى ما تردد عن صعوبات واجهها منتجو الدراما السوريون في تسويق أعمالهم هذا العام.

وتفاوتت الآراء حول تراجع المبيع وليس حجم الإنتاج في الدراما السورية لهذا العام، بين تأثره بالأحداث التي تشهدها سوريا ومقاطعة جماعية من القنوات الخليجية، تعود لأسباب تتعلقبسياسات بلدانها وإدارة القائمين عليها، وبين ركود مرحلي يتعلق بآليات العمل في صناعة الدراما والحاجة إلى تسويقها كمنتج منافس يحقق عائداً اقتصادياً مهماً للبلد.

ومع تأكيد أغلب شركات الإنتاج السورية على أن التراجع هو في المبيع وليس في حجم الإنتاج الدرامي خلال الموسم الماضي مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن هذا التأكيد رجح أن يكون سبب التراجع في ضعف التسويق، وليس الأحداث السياسية التي تمر بها البلد.

الفنان والمنتج فراس إبراهيم يقطع الشك باليقين ليؤكد أن الإنتاج الدرامي للموسم الماضي مر بسلام على غالبية شركات الإنتاج، حيث يرى أن quot;العائد الاقتصادي فيه ليس مقياساً، لذا علينا ألا نبني قرارات أو نحمّل الموسم الدرامي الماضي أكثر من طاقته.

ويعود المنتج إبراهيم ليؤكد بعضاً من الشائعات عن تراجع الإنتاج الدرامي في رمضان الماضي مقارنة بما قبله، فيقول: quot;من دون أدنى شك تأذّت بعض الشركات ولم تستعد ولو نصف رأس مالها، وعلى ما يبدو لا يوجد ملاذ هذه السنة باعتبار أن الدولة لا تستطيع أن ترفع سعر الحلقة، كما يجري في العادة عند الحاجة لتلافي أية أزمة، وذلك لانشغالها بالمشكلات الأخرى، حيث إن طلب أي مساعدة يعتبر نوعاً من الفانتازياquot;.

ويشير الناقد ماهر منصور رئيس تحرير جريدة (تشرين دراما) لـquot;إيلافquot; بأنه لا يوجد تراجع بمعنى الكلمة للدراما السورية، وإنما يوجد انحسار بما يتناسب وحجم سوق الدراما هذا العام، معتبراً أن سوق الدراما تقلص لسببين، أولاً لخسارة عدد من الفضائيات العربية التي كانت تعرض الدراما السورية كالفضائيات الليبية وعدد من الفضائيات المصرية، إضافة إلى القنوات التونسية، ويرجع السبب الثاني إلى تراجع سوق الإعلان العربي، لافتاً إلى أن هذا التراجع أدى بشكل أوتوماتيكي إلى انحسار الدراما وبلغة الحساب الأمر طبيعي أن تنخفض عدد الأعمال السورية بما يتناسب هذا التراجع.

وأكد منصور بأنه دائماً ما كان يطالب بأن يكون حجم الإنتاج للدراما السورية بحدود 25 عملاً، مشيراً إلى ضرورة أن يكتفي الإنتاج السوري بهذا الكم باعتباره كم مثالي، داعياً إلى الذهاب باتجاه النوعية، معبراً عن تفاؤله بحضور الدراما السورية على الشاشات والفضائيات العربية، نافياً أن يكون هناك أي فضائية عربية يهمها سوق الإعلان ويهمها المشاهد ولا تستقطب المسلسلات السورية.

وكانت الأعمال الاجتماعية الفئة الأكبر في الدراما السورية، إذ وصل عددها إلى ما يقرب من النصف الإجمالي للأعمال الرمضانية، ومن أبرزها (الولادة من الخاصرة، وجلسات نسائية، والغفران، والسراب، وتعب المشوار، وغيرها) بينما جاءت الأعمال الكوميدية في المرتبة الثانية، بما يقرب من سبعة أعمال، ومعظم هذه الأعمال حققت جماهيرية في أجزاء سابقة، مثل (بقعة ضوء، ويوميات مدير عام2، ومرايا، وصبايا، وكذلك مسلسل خربة)، وحضرت المسلسلات الشامية حاضرة من خلال أعمال هي (الزعيم، والدبور، وطالع الفضة، ورجال العز) أما السيرة الذاتية فتضم عملين (في حضرة الغياب، ودليلة والزيبق).

ويرى المخرج فراس دهني الذي تسلّم مهامه مؤخراً كمدير لمؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بأن الأعوام الماضية شهدت تطوراً للدراما السورية ولكنها لم تشهد تطوراً في القوانين على صعيد التسويق والتداول ونوعية العلاقات داخل الدراما السورية والتي هي في النهاية سفير سوري يحمل رسائل اقتصادية واجتماعية وسياسية للخارج، وعزا دهني إلى أن هذا التراجع يعود إلى وجود عوامل داخلية وخارجية، quot;فالداخلية تتمثل في وجود منتجين جدد ليس لديهم همّ حقيقي تجاه الدراما وهؤلاء هم أكثر مَن يمكن أن يؤذي الدراما السورية ولو من دون قصد أحياناً بسبب قلة المعرفة بأهمية هذه الدراماquot;، أما العامل الداخلي الآخر بنظره هو ارتفاع أجور بعض النجوم بشكل مخيف جداً مقابل انخفاض أجور آخرين من الصف الثاني والثالث ما يخلق خللاً أساسياً في البنية الاجتماعية للدراما السورية حيث تتجه بذلك إلى ما كنا ننتقده في الدراما المصرية وهي دراما البطل الواحد فالأعمال بذلك لا تحتمل أن يكون هناك خمسة نجوم صف أول فتتجه شركة الإنتاج للقول إنها بحاجة إلى نجم واحد لا أكثر، ودعا دهني إلى عدم الارتهان لرأس المال الخارجي وقال يجب أن تكون هناك جهات سورية قوية وفاعلة تنتج أو تتولى عملية الإنتاج بشكل مباشر أو مشترك مع جهات عربية أو عالمية وهذه هي الوظيفة الأساسية في حماية الدراما السورية التي تقوم بها المؤسسة، ومن جملة الأعمال التي تم إنتاجها لعام 2011 وستعرض في شهر رمضان.

وعلى صعيد إنتاج الألبومات وسوق الكاسيت فمن المعروف أن الإنتاج الغنائي ضعيف في سوريا، لكن الفنان سامر كبرو اعتبر بأن العام الماضي مر بالنسبة إليه بشكل جيد جداً وكان ناجحاً بمختلف المقاييس، مستشهداً بألبومه.

وقال الفنان كبرو لـquot;إيلافquot; بأن ألبومه مباع بشكل رهيب في سوريا ونسخ منه عدة طبعات، بعد نفاذ كمية النسخة الأولى، مؤكداً بأن لا توجد أي مشاكل على الرغم من الأحداث السياسية، معتبراً بأن الجمهور بشكل عام صار يتوجه للسياسة أكثر من الفن ليس فقط في سوريا بل بكل الوطن العربي، معتبراً أن الأزمة لا علاقة لها بما يجري من أحداث في الوطن العربي وإنما الجمهور متابع للسياسة منذ أكثر من أربع سنوات، مشبهاً الأوضاع في الوطن العربي بأنها مثل المشكلة في أي بيت ولا تمنع الناس من استمراره بالعيش.